أزهر جرجيس: الأدب ليس منذوراً للشر

روايته «حجر السعادة» وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر

نشر في 18-07-2023
آخر تحديث 17-07-2023 | 18:39
أزهر جرجيس
أزهر جرجيس
يفتح الأديب أزهر جرجيس بروايته «حجر السعادة»، قوساً كبيراً دون أن يغلقه للبحث عن معنى السعادة، التي حار فيها الفلاسفة قديماً وحديثاً، حيث يبحث عن سعادة البسطاء وسط واقع وحشي ودموي، تسيطر فيه العصابات والميليشيات في بلده العراق، كاشفاً عن الوجه القاسي لمن أدخلوه في متاهات ودوامات عبثية، وليست روايته التي كانت قد وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العام الحالي، الأولى في أعماله المهمومة برصد مصير الأبناء، ولكن ذلك الهَم المصيري حاضر في أعماله القصصية السابقة من «فوق بلاد السواد»، إلى «صانع الحلوى»، إلى روايته «النوم في حقل الكرز»، وغيرها.
وأكد جرجيس، في حواره مع «الجريدة»، أن نصوصه كلها تندرج في أغلبها تحت عنوان النقد السياسي، مشيراً إلى أن هذا أمر طبيعي، لكونه يعتقد بضرورة أن يكون للكاتب موقف إزاء ما يجري حوله من أحداث.
وأضاف: صار من السهولة بمكان أن نحيل للرواية من أجل التعرف على المدن وحقيقة ما جرى على أهلها، وفيما يلي نص الحوار:
• في رواية «حجر السعادة» رصدتم الواقع بعيون مصور شاب لماذا لجأت إلى هذه الحيلة الفنية؟

- المصور شاهد يدون تاريخ المدن وما يجري على أهلها، بعينه وقلبه، وبيني وبين بطل الرواية ثمة علاقة، ربما الشهادة هي الآصرة الأقوى بيننا، فكلانا شهد ما حدث وحاول تدوينه، لكن حسب أداته. ويبقى أن بطلي كمال توما كان محظوظاً لامتلاكه كاميرا، والكاميرا أجدر من القلم في التدوين، وأنا تؤسرني فكرة تخليد المكان والزمان من خلال الصور، والفوتوغراف يحقق هذه المعادلة، فهو فن إيقاف اللحظة وتخثيرها لتبقى شاهدة على حياة مضت. هذا ما أردته لكمال؛ أن يكون شاهدَ عدل يدون بالكاميرا ما جرى دون زيادة أو نقصان.

• ماهو حجر السعادة؟

- الحجر هو الموروث الذي يركن إليه الناس ظناً منهم بقدرته الماورائية على الخلاص، ودائماً ما تكون النتيجة عكسية، إذ يصدمهم في النهاية أنه لا يجلب لهم سوى الخيبة. لقد ظن كمال بادئ الأمر أن مشاكله قد انتهت، وأن السعادة، كل السعادة، تكمن في هذا الحجر الصامت، لكن الأيام كانت كفيلة بكشف الحقيقة.

• القارئ لأعمالك الأدبية يلاحظ اصطباغها بالصبغة السياسية، ما تعليقكم؟

- هذا صحيح، فنصوصي تندرج في أغلبها تحت عنوان النقد السياسي، وهذا أمر طبيعي كوني أعتقد بضرورة أن يكون للكاتب موقف إزاء ما يجري حوله من أحداث.

•كتابكم الأول «الجحيم الدنيوي» ثم رواية «النوم في حقل الكرز» وصولاً إلى الرواية الأحدث «حجر السعادة» هل تعد تلك الكتابات شكلاً من الحنين أم الأسى على الوطن؟

- لا هذا ولا ذاك، بدليل أنها مختلفة تماماً في الأشكال والمضامين، ففي «الجحيم الدنيوي» كانت مقالات ساخرة من المجاميع المسلحة التي هجمت على العراق ومزّقته، بينما «النوم في حقل الكرز» تتحدث عن مهاجر يعيش العزلة في بلاد بعيدة، أما «حجر السعادة» فقصة مصور جوّال يتعرض لمحاولة اغتيال وسط بغداد. نعم، هنالك ميل للبطل النازح أو المهاجر، لكن هذا لا يعني أن كتاباتي تدور في فلك الوطن والمهجر.

الغربة

• تعيش حالياً في الغربة... هل الغربة كانت أمراً مفروضاً أم خياراً؟

- هي أمر مفروض بلا شك، فليس أفضل من منزل تلقت جدرانه صرختك الأولى، وليس أفضل من بلد عشت فيه سنوات التكوين.

• «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة» فما رأيك؟

- لم أجرّبهما، لذلك من الصعوبة بمكان الإفتاء بصحة المقولة من عدمها، لكني أرى أن الاستقرار النفسي للمرء يتبع الشعور بالرضى، بغض النظر عن المكان.



عالم الرواية

• هل تجد أن الروائيين العرب أنشأوا من خلال رواياتهم عالماً يمكن الإحالة إليه؟

- نوعاً ما، نعم. فالرواية العربية بشكلها الجديد باتت تؤسس لقراءة معتمدة للتاريخ بعيداً عن سطوة المنتصر وفروضه. لقد صار من السهولة بمكان أن نحيل للرواية من أجل التعرف على المدن وحقيقة ما جرى على أهلها.

الأدب في المهجر

• كيف تنظر إلى واقع الأدب العربي في المهجر؟

- على مستوى النصوص العربية أجدها بعافية، فهنالك الكثير من الأدباء الذين يتخذون من بلدان المهجر محلًا للإقامة مازالوا يرفدون المكتبة العربية بنتاجاتهم، أما على مستوى الترجمة فيكاد لا يُذكر. لقد فشلت جميع مشاريع الترجمة في تثبيت اسم كاتب عربي واحد في ذهن المتلقي الأجنبي. يستثنى من ذلك نجيب محفوظ، ولهذا أسبابه المعروفة.

• هل يمكننا أن نتحدث عن خصوصيات كتابة الرواية لديك؟

غلاف «حجر السعادة» غلاف «حجر السعادة»
- كتاباتي واضحة وذات بعد واحد، أحاول فيها رصد سلوكيات المجتمع من خلال شخصيات عادية وغير معقدة، تشبه تلك التي تلاقينا في الأزقة والأسواق والمدرسة. وهي شخصيات في مجملها ساخرة وتندرج تحت عنوان الـ «أنت هيرو». كما أن اللغة تعنيني كثيراً، وأبذل جهداً كبيراً لتكون لي لغة خاصة، شأنها في ذلك شأن الحوار لما يمتلكه الأخير من قدرة تصويرية تعبّر عن تلك السلوكيات المجتمعية، آخذاً بنظر الاعتبار طبقات المجتمع واختلاف طرق التعبير فيما بينها.

أدب الشر

• ما رأيك بالروايات الملتزمة بالشر كما جاء في كتاب «الأدب والشر» للكاتب الفرنسي جورج باتاي؟

- لا وجود لرواية بهذا المعنى في الوقت الحالي، فالأدب ليس منذوراً للشر برأيي. أعتقد أن هذا الكتاب قد ولد نتيجة وعي انفعالي في ضجة السوريالية التي أعقبت الحربين العالميتين، وهو بذلك يلخّص لأيديولوجيات أدبية مثيرة للجدل كانت قد شاعت في تلك الفترة الزمنية.

• تشتغل حالياً على رواية... هل يمكن أن نعرف مضامينها؟

- لم تُخرج كل مضامينها بعد، فهي مازالت قيد الكتابة، لكن يمكن القول باختصار إنها رواية عن مهاجر يعمل في مكتب لدفن الموتى.

أجواء «حجر السعادة»



تدور أحداث رواية «حجر السعادة» بين مدينتَي الموصل وبغداد خلال الفترة الزمنية 1962 ـ 2018. كمال توما صبي يهرب بعد غرق أخيه الأصغر في نهر دجلة، خوفاً من بطش أبيه. يختبئ كمال في بستان الجن وفي جوف ذلك البستان الرهيب يعثر الصبي على حجر صغير، يلتقطه في لحظة تسبق هروبه في شاحنة متجهة جنوباً صوب العاصمة، حيث يشرع بالبحث عن مأوى. توصله قدماه لدى «خان الرحمة»، وينشأ هناك في جو ملبد بالفقر والخوف، لكنه يكتشف ضالته في ذلك الحجر العجيب الذي يعينه على الاستمرار، فيواصل الحلم ويتعرف على مصور محترف، هو الذي سيضعه في موعد مع قدره، كإنسان وكمصور. يصبح كمال مصوراً جوالاً يحمل الكاميرا ويجوب الأسواق والأزقة مؤرخاً حياة الناس والمدينة. ومع مضي السنين ومرور البلاد في منعطفات حادة، تحتل الميليشيات الحي الذي يسكن فيه كمال، لتنقلب حياته رأساً على عقب بعدما يداهم الخوف سلامه الشخصي الذي حاول دوماً الحفاظ عليه.

أضواء على الكاتب



أزهر جرجيس كاتب وروائي عراقي من مواليد بغداد، العراق، عام 1973. عمل صحافياً في العراق منذ 2003، ونشر العديد من المقالات والقصص في الصحف والدوريّات المحلية والعربية. ألّف كتاباً ساخراً عن الميليشيات الإرهابية في العراق عام 2005، بعنوان «الإرهاب... الجحيم الدنيوي» تعرّض بسببه لمحاولة اغتيال اضطر على اثرها للهرب خارج البلاد. هاجر إلى سورية ثم الدار البيضاء قبل أن يصل إلى منفاه الأخير في مملكة النرويج، ويقيم فيها بشكل دائم. من مؤلفاته مجموعتان قصصيتان: «فوق بلاد السواد» (2015)، و«صانع الحلوى» (2017)، وروايته الأولى «النوم في حقل الكرز» (2019) التي ترشحت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في 2020، وتصدر نسختها الإنكليزية عن منشورات بانيبال قريباً. «حجر السعادة» (2022) هي روايته الثانية، والتى كانت قد وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العام الحالي. يعمل في الوقت الحالي محرّراً أدبياً ومترجماً بين اللغتين العربية والنرويجية.

back to top