نظرة على الأوضاع الأخيرة في السويد

نشر في 17-07-2023
آخر تحديث 16-07-2023 | 18:51
 د. محمد أمين الميداني

تتملكنا الحيرة ونحن نتابع منذ عدة أشهر تطور الأوضاع على مختلف الصعد في مملكة السويد، وطرح الكثير منا تساؤلات عديدة بخصوص ما يجري في هذا البلد الأوروبي الذي انحرفت سياساته، ولم تعد كما عرفناها في ثمانينيات القرن الفائت من اتباعه سياسة عدم الانحياز تجاه الدول الكبرى، ومساندته حركات التحرير، ودعمه للقضية الفلسطينية، عندما كان أولوف بالمه رئيساً للوزراء، والذي تم اغتياله بطلق ناري في 28 فبراير 1986 بعد أن خرج بصحبة زوجته، التي أصيب هي الأخرى بجروح طفيفة، من إحدى دور السينما في العاصمة السويدية استوكهولم، وتكررت مأساة الاغتيال لسياسيين سويديين في بداية هذا القرن حين تم طعن وزيرة خارجية السويد أن لند، التي عُرفت بمواقفها الاجتماعية المتميزة، عدة طعنات وكانت تتسوق في أحد المحال في العاصمة السويدية بتاريخ 10 سبتمبر 2003، وأذكر أنني قمت أيامها بتقديم التعازي في ممثلية السويد لدى منظمة مجلس أوروبا في ستراسبورغ بفرنسا، حيث كان لي العديد من المعارف والزملاء من هذا البلد.

لقد دهشنا لما تم السماح في السويد بحرق القرآن الكريم مرتين، كما قرأنا عن السماح لتجمع بالسعي لحرق التوراة والإنجيل، فإلى أي مدى سيتم التهاون بازدراء الأديان، وبث الكراهية؟ ولا بد أن ننوه هنا بالقرار المهم الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 12 يوليو 2023 والذي يدين أعمال الكراهية الدينية مثل حرق القرآن، وقد تقدمت باكستان، وباسم منظمة التعاون الإسلامي، بمشروع هذا القرار، وصوتت غالبية أعضاء هذا المجلس وعددهم 47 عضواً لصالح هذا القرار، وامتنعت دول عن التصويت، وصوتت ضده دول أخرى بحجة الدفاع عن حرية التعبير، وهي حجة يتم تكرارها في مثل هذه الأوضاع، وإن كنا مع حرية التعبير، ولكن لهذه الحرية ضوابط وحدود يجب أخذها بعين الاعتبار، وليس من حرية التعبير حرق القرآن الكريم أو أي كتب مقدسة أخرى.

ولا شك أن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء الكويتي في 10 يوليو 2023 بطباعة مئة ألف نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى اللغة السويدية، ليتم توزيعها في السويد، يُعّد خطوة مهمة وحيوية تصب في المساعي التي يجب أن تبذلها الدول العربية والإسلامية للتعريف بهذا الكتاب الشريف وبكل اللغات الحية سعياً لتبديد ما يحيط به من جهل وسوء فهم والتباس لدى غالبية الشعوب التي لم تستطع أن تقرأه بلغاتها لتستوعب معانيه وتعرف حقيقة مضمونه العظيم.

ما الذي حدث، لتتغير السياسات الداخلية لهذا البلد الأوروبي، خلال السنوات الأخيرة؟ لقد رأينا مظاهر مختلفة للكراهية وازدراء الأديان، بل إن هناك سياسات جديدة وغريبة أيضاً للحكومة السويدية الحالية في تعاملها مع طالبي اللجوء واللاجئين في السويد، فقد أتيح لي شخصياً أن أتعرف على بعض القصص والأحداث الخاصة باللاجئين في عدد من المدن السويدية، وفوجئت بأن هذه السياسات لا تحترم، وفي العديد من الأوضاع والأحوال، المعايير الإنسانية والأساسية التي يجب أن تكون عليها سياسة التعامل معهم حسب ما اعتمده المجتمع الدولي من اتفاقيات، وما هو متعارف عليه حين يتم التعامل مع الكائن البشري بغض النظر عن أي تمييز.

تنشغل السويد في هذه الأيام بموضوع انضمامها لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويبدو أن العوائق التي كانت تحول دون هذا الانضمام في طريقها للزوال، ولكن هذه المساعي للانضمام إلى هذا الحلف لا تعفيها من واجباتها واحترام مختلف التزاماتها القانونية والاجتماعية تجاه القيم الإنسانية، وتجاه المجتمع الدولي ودوله، وتجاه المقيمين على أراضيها من لاجئين وطالبي لجوء.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top