الحصاة البيضاء

نشر في 07-07-2023
آخر تحديث 06-07-2023 | 19:39
 د. هشام كلندر

التفكير الإبداعي أو التفكير خارج الصندوق أو ما يسمى التفكير المتجدد هو التفكير لحل المشكلات بطريقة غير مباشرة وإبداعية، عادةً من خلال عرض المشكلة والتفكير بحلها بطريقة غير اعتيادية، فهذه الطريقة تتضمن أفكارا قد لا يمكن الحصول عليها باستخدام المنطق التقليدي، فقد تم استخدام المصطلح لأول مرة عام 1967 من عالم النفس إدوارد ديبونو. سأذكر قصة قرأتها لتوضيح هذا المعنى: منذ سنوات كان أحد التجار في لندن مدينا بمبلغ ضخم لمرابٍ عجوز، فعرض على التاجر التعيس أن يتزوج ابنته مقابل إلغاء الدين، فانزعج التاجر وابنته لهذا، ولكن المرابي الخبيث اقترح أنه سيضع بيده حصاتين واحدة سوداء وأخرى بيضاء في كيس نقود مغلق ثم تسحب الفتاة حصاة يقرر لونها مصيرها، وتعني الحصاة البيضاء إلغاء الدين وإعفاء الفتاة من الزواج بالمرابي، أما الحصاة السوداء فتعني أن عليها الزواج بالمرابي مقابل إلغاء الدين، أما إذا رفضت الفتاة سحب حصاة فهذا يعني أن يُلقى أبوها في السجن وتجوع وتتشرد.

قبل التاجر هذا العرض كارهاً، وحين كان الثلاثة واقفين على ممر مغطى بالحصى في حديقة بيت التاجر انحنى المرابي ليلتقط حصاتين، ولاحظت الفتاة أنه قد التقط حصاتين سوداوين ووضعهما في الكيس، ثم طلب منها أن تسحب الحصاة من الكيس.

تصور نفسك مكان الفتاة فماذا كنت ستفعل؟ إن كنت ممن يفكرون بالطريقة التقليدية فلن تتمكن من مساعدة الفتاة، لأن التحليل سينتج عنه ثلاثة اقتراحات، وهي إما أن على الفتاة أن ترفض سحب الحصاة، أو أن تكشف غش المرابي، أو أن تسحب حصاة سوداء وتضحي لتنقذ أباها. هذه الاقتراحات الثلاثة لا تفيد لأنه ينتج عنها إما زواجها من المرابي أو سجن أبيها، وأصحاب التفكير المنطقي يركزون على الحقيقة الواقعة: أن على الفتاة أن تسحب حصاة، في حين أن أصحاب التفكير الإبداعي يركزون على الحصاة البيضاء التي لم تكن موجودة في الكيس.

مدت الفتاة يدها في الكيس المغلق لتسحب حصاة ثم بسرعة خاطفة ألقت بالحصاة على أرض الممشى وافتعلت التعثر والسقوط، وبالطبع تاهت الحصاة السوداء وسط كل الحصوات في الممشى، ثم اعتذرت قائلة: «آسفه لقد تعثرت، ولكن يمكننا أن نعرف من لون الحصاة الباقية في الكيس لون التي سقطت مني»، وبما أن الحصاة الباقية في الكيس سوداء، وبما أن المرابي لن يجرؤ على الاعتراف بالغش، فإن الحصاة التي سقطت يفترض أنها بيضاء.

وبهذه الطريقة حولت الفتاة موقفها من موقف يائس إلى فوز مؤكد، بل إن موقفها هذا وبلجوء المرابي إلى الغش كان أفضل منه لو كان المرابي قد وضع حصاة بيضاء وحصاة سوداء في الكيس، وأعطاها فرصة متساوية بين الفوز والخسارة، وهكذا بقيت الفتاة مع والدها وخلصته من ديونه أيضاً.

back to top