مقاصد الدستور وفلسفته التشريعية بإنشاء المحكمة الدستورية

نشر في 05-07-2023
آخر تحديث 04-07-2023 | 19:55
 د. محمد المقاطع

في ضوء استعجال مجلس الأمة لإنجاز قانون يتعلق بالمحكمة الدستورية، وضماناً لصدور القانون بصورة سليمة بعيداً عن الانحراف والمآخذ التي تصاحب العملية التشريعية، نضع أمام أعضاء المجلس والحكومة جملة التوجهات والمنطلقات الفلسفية والتشريعية التي بنى عليها الدستور الكويتي نظام الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وينبغي أن يأخذ أي قانون يأتي لتنظيم هذه الرقابة ذلك في عين الاعتبار، وأن يلتزم بها حتى يكون متوافقاً مع الدستور الكويتي ومقاصده الدستورية وفلسفته التشريعية.

إن تبنّي الدستور الكويتي للرقابة على دستورية القوانين لم يأت من فراغ، بل بُنيت على مقاصد دستورية، وفي إطار فلسفة تشريعية كما تتبناها الأنظمة الدستورية والسياسية لأي دولة.

‏ والمقاصد السياسية والدستورية والفلسفة التشريعية التي اعتنى بها واعتنقها الدستور في هذا الموضوع هي:

‏1- أخذ الدستور الكويتي في المادة 173 منه بفكرة المحكمة الخاصة بمهمة الرقابة على دستورية القوانين، وذلك خارج إطار التنظيم الهرمي للمحاكم المختلفة، وهذا توجه دستوري تنظيمي تسلكه بعض الأنظمة الدستورية، ويرتبط بهذا النوع من الرقابة الأخذ بمبدأ مركزية الرقابة على دستورية القوانين فيتم حصرها في يد محكمة واحدة، وتُمنع المحاكم الأخرى من القيام بمهامها، ويقتصر دورها على نظر الدفوع الخاصة بعدم الدستورية ببحث جديتها من عدمه، ثم إحالتها إلى المحكمة الدستورية المختصة أو عدم إحالتها.

‏2- ومن ذلك الأخذ بمبدأ الرقابة اللاحقة على صدور القوانين، ولا تتولى المحكمة رقابة مسبقة، والتي تدخل في عدادها إعطاء آراء استشارية أو تفسيرية، وهو ما تم استبعاده في خيار التنظيم الدستوري الكويتي للرقابة على دستورية القوانين. وهو العوار الدستوري الذي يشوب بعض الاقتراحات النيابية.

‏3- ونظراً للطبيعة المختلطة للاختصاص الذي تباشره المحكمة الدستورية، فقد أسماها المشرع الدستوري الكويتي جهة قضائية، قاصداً من ذلك إبراز ضرورة أن يأتي تشكيلها مختلطاً من القضاة ومن غير القضاة لطبيعة الاعتبارات والملاءمات القانونية والسياسية التي تتولاها هذه المحكمة، وهو ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي في إبرازها للتشكيل المختلط للمحكمة، ووضعها الحالي بالقانون رقم 14 لسنة 1973 غير متوافق والدستور، وهو ما يجب مراعاته في المقترحات النيابية.

‏4- كما اعتنق الدستور الكويتي فكرة الاختصاص الحصري في مهمة الجهة القضائية الدستورية، والتي تقتصر على نظر دستورية القوانين واللوائح وكل التشريعات دون أن يمتد اختصاصها إلى موضوعات أخرى، مثل البحث في دستورية مرسومَي الحل والدعوة للانتخابات، والطعون الانتخابية، والتي لا تدخل في عداد التشريعات أو اللوائح، مما يفقدها طبيعتها من حيث التخصص والتركيز والانقطاع لهذه المهمة الجليلة. وهو ما لم تتم مراعاته في المقترح.

5- كما أن من ضمن التوجهات التي تبناها الدستور الكويتي فتح الباب على مصراعيه لتقديم الطعون بدستورية القوانين واللوائح لكل ذي شأن نهوضاً بمسؤولياتهم للحفاظ على الدستور والنظام السياسي والديموقراطي الذي قررته أحكامه، ولا يتحقق ذلك إذا اقتصرت الدعوى الدستورية على أطراف دون أخرى، ومن هنا قررها ومنحها الدستور الكويتي بصورة مطلقة لكل ذي شأن، وينبثق عن ذلك مبدأ متلازم مع عمومية المصلحة في الدعوى الدستورية وهو عدم تقييدها بأن يكون لرافعها مصلحة شخصية مادامت الغاية التي أرساها الدستور في فلسفته المذكورة هي حماية المصلحة العليا للدولة ونظامها الدستوري والسياسي وفقاً للأحكام المقررة بالدستور، (وهو ما يعرف في بعض الأنظمة بالدعوى الشعبية).

6- وأخيراً فإن التوجه التشريعي والدستوري للرقابة على دستورية القوانين في الكويت أخذ بفكرة الأثر الرجعي لحكم المحكمة الدستورية، والذي يُعدِم التشريع أيّاً كان، سواء كان قانوناً أو مرسوماً بقانون أو لائحة من يوم صدوره حينما تقرر المحكمة عدم دستوريته، ومحاولة المقترح تقييد الأثر وجعله بأثر فوري يتنافى مع نص الدستور الصريح.

‏‏بناءً على ما تقدم فإننا نأمل أن تراعي لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة كل ذلك عند نظرها للاقتراحات بقوانين الخاصة بإنشاء وإعادة تنظيم المحكمة الدستورية في الكويت.

back to top