كيف يمكن تجنب اضطرابات جديدة في فرنسا؟

نشر في 05-07-2023
آخر تحديث 04-07-2023 | 18:05
 د. محمد أمين الميداني

حظيت الأحداث التي جرت في فرنسا على مدار الأيام الماضية بالاهتمام الكبير لوسائل الإعلام لا في فرنسا فقط، ولكن في أوروبا وأميركا والعالم العربي أيضاً، وواكب هذا الاهتمام تغطية واسعة لمنصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المختلفة التي كانت تنقل الأخبار، وتبث أيضاً تعليمات وتوجيهات بخصوص التجمعات والمظاهرات وما كانت تستهدفه من أماكن ومحالات تجارية.

ولا نسعى في هذا المقال لوصف ما يراه القارئ الكريم على شاشات التلفزة، وما يسمعه في نشرات الأخبار والتقارير الصحافية وما يتابعه من تحليلات يقدمها عدد من المحللين ومنذ عدة أيام عن هذه الحوادث والتي بدأت تنتقل إلى بلدان أوروبية مجاورة مثل بلجيكا وسويسرا مع احتمال انتقالها أيضاً إلى ألمانيا، فهذا المقال محاولة للإجابة عن بعض التساؤلات وتقديم بعض المقترحات والتي لم تتم الإشارة إليها في التقارير والتحليلات التي تعرضها وسائل الإعلام في العالم العربي، وتشكل هذه المقترحات محاولة بقصد نتجنب وقوع اضطرابات جديدة في فرنسا، ولن نتطرق لبلدان أوروبية أخرى والتي لها أوضاعها الخاصة وتتشابه حينا وتختلف أحيانا أخرى مع الأوضاع في فرنسا.

سنحاول أن نركز على بعض النقاط العملية في الوقت الذي نؤكد فيه وبشكل عام على وجود مظاهر عنصرية وتمييزية ومتحيزة إزاء أبناء المناطق السكانية المحيطة بالعاصمة الفرنسية والمدن الفرنسية الكبرى، ونعرف جيداً أن أبناء هذه المناطق هم الذين ولدوا في فرنسا خلال العقود الأخيرة هم إذا من الفرنسيين ولكن تعود أصول عائلاتهم إلى دول المغرب العربي ودول إفريقية أخرى والتي رزخت تحت نير الاستعمار الفرنسي لسنوات طويلة.

أولى النقاط تتعلق بتعديل قانون العقوبات الفرنسي الذي تم عام 2017 والذي وسع من صلاحيات الشرطة الفرنسية باستخدام أسلحتها النارية، ونجد من بين هذه الصلاحيات استخدام الشرطة لأسلحتها في حال رفض الامتثال لأوامر بالتوقف، وهذا ما حدث بالفعل مؤخرا حين أطلق الشرطي النار على الفتى ناهل (وليس نائل أو نايل)، حين رفض الامتثال لأوامره بالتوقف وعدم الانطلاق بسيارته، فلم يمت ناهل مباشرة بعد أصابته في صدره بل تابع السير بسيارته وقضى نحبه بعد دقائق بسبب الطلقة النارية وقد اصطدم بسيارة أخرى، ووفقاً لأحد تقارير خدمات السلامة على الطرق في فرنسا والذي صدر عام 2021، فمن بين 27000 حالة رفض للامتثال للشرطة، مثلت 5247 حالة «خطر الوفاة أو الإصابة». فالمشكلة تكمن إذا في هذه الصلاحيات الموسعة والممنوحة للشرطة، ويعود للشرطي وقتها تقدير إمكانية استخدامها من عدمه تبعاً للمواقف التي يتعرض لها، ولهذا تكثر حوادث القتل أو الإصابة، فمن الأسلم التراجع عن التعديل الذي تم 2017، والحد من صلاحيات الشرطة الفرنسية باستخدام أسلحتها النارية.

نقطة ثانية تسببت بوقوع عدة حوادث في فرنسا، وهي توقيف الشرطة لعدد من الأشخاص بحجة الاطلاع على أوراقهم الثبوتية والتأكد من هويتهم، ويتم في الأغلب وحسب الإحصاءات المنشورة توقيف أصحاب البشرة الملونة أو الواضح من مظهرهم أو لباسهم أنهم من أصول أجنبية، إن توقيف هؤلاء الأشخاص بسبب أو من دون سبب، زاد من الاحتقان والتشنج والرفض لديهم وبخاصة إذا كانوا من الشباب الذين يتجولون ويسهرون ويتنقلون باستمرار، فالحاجة ماسة للحد من هذه الممارسات من قبل الشرطة الفرنسية وبخاصة مع غياب حوادث إرهابية منذ فترة طويلة وهو ما يتمنى الجميع أن يستمر ويدوم.

نقطة ثالثة وأخيرة، تتعلق باقتراح قدمه أحد الباحثين الفرنسيين المعروفين في مجال علم الاجتماع والمواطنة، وقد وجدت في اقتراحه حلاً عملياً يجب ألا يقتصر على فرنسا فقط بل على بلدان أخرى ومن بينها بلداننا العربية، وهو تدريس مفاهيم المواطنة وتطبيقاتها في المدارس الفرنسية، مما سيعزز الانتماء للوطن والتعرف على أنظمته وقوانينه ومؤسساته بشكل فعلي ومناسب، صحيح أنه يتم تدريس مادة التربية الوطنية في هذه المدارس، ولكن يجب زيادة ساعات التدريس والتوسع بمضامينها مع التركيز على المواطنة، وأريد أن أضيف على هذا الاقتراح فقرة لأقترح تنظيم ورشات وجلسات لأهالي تلاميذ المدارس الفرنسية، فلا يكفي أن يتعرف هؤلاء التلاميذ على مفاهيم المواطنة وتطبيقاتها وما تفرضه من واجبات على كل مواطن وتبين أيضا حقوقه ومكاسبة، بل يجب أن يعرفها أهلهم ويكونون على وعي بها، فيجب ألا ننسى مطلقا بأن التربية تبدأ في المنزل وتستمر طالما عاش الأولاد مع أهاليهم، فالكل معني بحسن التربية ومعرفة مختلف جوانبها، والمواطنة جزء أساس منها.

يتطلع الجميع الآن، لا في فرنسا فقط ولكن لمن يقصدها من بلدان أخرى ويزورها للسياحة وقضاء الإجازات، لعودة الهدوء والاستقرار لمختلف المدن الفرنسية وضواحيها، وألا تمتد الأحداث لمدن أوروبية أخرى، وما عرضناه من نقاط هو محاولة لوضع القراء في عالمنا العربي في صورة ما يجري عملياً وحالياً في فرنسا، ولعلنا نعود للحديث عن جواب ونقاط أخرى مستقبلا.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top