ماكرون يتجنب «الطوارئ» مع انحسار «أزمة نائل»
• الصحف الفرنسية تنقسم حول محرك الاحتجاجات: عنصرية الشرطة أم حرب عرقية أم ظروف اجتماعية؟
لليوم الثاني، منح الهدوء النسبي الذي أعقب 5 ليالٍ من أعمال الشغب الصاخبة حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرصة لالتقاط الأنفاس في معركتها لاستعادة السيطرة على الاحتاجات التي اندلعت بعد مقتل شاب فرنسي من أصل جزائري برصاص شرطي، بعد أشهر قليلة من احتجاجات واسعة النطاق على إصلاح نظام التقاعد.
ويبدو أن مساعي ماكرون لتجنب إعلان حال الطوارئ كما فعل الرئيس الراحل جاك شيراك خلال احتجاجات الضواحي في 2005، قد نجحت، إذ تراجعت حدة العنف وأعمال الشغب وتقلصت الاعتقالات بشكل كبير، وهي خطوة قد تنعكس لمصلحة الرئيس الفرنسي الذي واجه حتى الآن جميع أنواع المشاكل.
وأطلقت كل البلديات الفرنسية صفاراتها للتنديد بموجة العنف، التي تشهدها مختلف مدن البلاد، بعد الهجوم العنيف على منزل رئيس بلدية رئيس بلدية إيلي روز في ضاحية باريس الجنوبية فنسان جانبران الذي أثار صدمة وتنديداً بالإجماع.
ودعت جمعية بلديات فرنسا كل رؤسائها إلى تجمع «مدني» أمام كل المقار للتنديد بالعنف، مطالبة المواطنين «بتعبئة مدنية للعودة إلى النظام الجمهوري».
وشددت الجمعية على أن «الاضطرابات الخطيرة تستهدف بعنف كبرى رموز الجمهورية أي مقار البلديات والمدارس والمكاتب العامة ومراكز الشرطة البلدية».
وفي الليلة السادسة، تراجعت حدة العنف بعد أعمال الشغب، وأوقفت القوى الأمنية 157 شخصاً ليل الأحد - الاثنين مقارنة مع 700 شخص في الليلة السابقة وأكثر من 1300 ليل الجمعة ـ السبت.
وأعلنت وزارة الداخلية أنها لم تسجل وقوع أي حادث كبير، باستثناء وفاة إطفائي في سان دوني قرب باريس عندما كان يكافح حريقاً اندلع في سيارات في مرآب تحت الأرض، مشيرة إلى أن ثلاثة من بين 45 ألف شرطي تم نشرهم ليلاً أصيبوا، وأن أضراراً لحقت بنحو 350 مبنى و300 سيارة.
ووقعت اشتباكات في بعض المدن الساخنة، بما في ذلك ليون، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد نشطاء اليمين المتطرف الذين كانوا يتظاهرون في الشوارع ضد مثيري الشغب ويرددون هتافات مثل: «أحمر أبيض أزرق (ألوان العلم الفرنسي)... فرنسا للفرنسيين».
وفي إطلالة تلفزيونية دافع زعيم حزب فرنسا المتمردة اليساري الراديكالي جان لوك ميلونشون عن رفضه الدعوة الى الهدوء متمسكاً بمعادلة «العدالة أولاً»، وذلك بعد أن تعرض لانتقادات قاسية من اليمين واليمين المتشدد.
واعتمد وزير الداخلية جيرالد دارمانين على الحضور المكثف لعشرات الآلاف من رجال الشرطة والعربات المدرعة في جميع الأنحاء، وأمرهم بالتصرف بحسم واعتقال المشاغبين بأسرع ما يمكن.
وعشية استقباله رئيسي مجلس الشيوخ جيرار لارشيه والجمعية الوطنية يائيل براون بيفيه ثم رؤساء بلديات أكثر من 220 مدينة وبلدة تستهدفها أعمال الشغب، طالب ماكرون، خلال اجتماع أزمة مع حكومته، «مباشرة بعمل دقيق وطويل الأمد لتكوين فهم عميق للأسباب التي أدت إلى هذه الأحداث».
وحث ماكرون رئيسة الحكومة إليزابيث بورن ووزيرَي الداخلية جيرالد دارمانين والعدل إريك دوبوند موريتي على مواصلة كل الجهود وبذل كل ما في وسعهم لاستعادة النظام وضمان عودة الهدوء، مؤكداً ضرورة استمرار دعم الحكومة للشرطة والدرك والقضاة ورجال الإطفاء والمسؤولين المنتخبين.
وفي وقت سابق، وجهت نادية جدة نائل نداء إلى مثيري الشغب «ليتوقفوا عن تحطيم الواجهات وتخريب المدارس والحافلات».
وأكدت أنها «تعبة ومنهارة»، داعية إلى أن يدفع الشرطي الذي أطلق النار ثمن فعلته، ومؤكدة «ثقتها بالقضاء».
وتحظى موجة العنف والشغب وغضب الشباب من أبناء الأحياء الشعبية بمتابعة في الخارج وتذكر بأعمال شغب هزت فرنسا في 2005 بعد مقتل شابين صعقاً بعدما احتميا في محول كهربائي خلال مطاردة الشرطة لهما.
وفي غضون ثلاثة أسابيع تم تخريب 10 آلاف سيارة وأكثر من 200 مبنى حكومي وتوقيف نحو 5200 شخص.
واتفقت صحيفة «لوموند» ومجلة «لوبس» الفرنسيتان على أن وقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة يتطلب تغييرات عميقة، لكنهما اختلفتا على توصيف أسباب خروج الاحتجاجات العنيفة. وعزت «لوموند» الفوضى والعنف إلى قوى سياسية تريد استغلال الموقف، ونفت أن تكون فرنسا قد أصبحت كما يروج اليمين المتطرف، في قبضة الشغب العرقي أو حرب الحضارات، فيما نقلت «لوبس» عن عالم الاجتماع بول روشيه قوله إن اختيار الحكومة إنكار فرضية عنصرية الشرطة ورفضها هو الذي يجعل ما يحدث غير قابل للفهم والتفسير.
وشددت «لوموند» على أنه لا يمكن اختزال الأزمة في بعد «الهوية» ولا يمكن كذلك تفسير حريق الضواحي بنقص الميزانية وحده، مشيرة إلى ضرورة تغيير قواعد وممارسات استخدام الأسلحة من قبل الشرطة أثناء عمليات التفتيش ومراجعة قانون 2017 الذي خفف شروط استخدام الشرطة للسلاح، مؤكدة في الوقت نفسه أن انتشار السلوك غير الحضاري والاتجار بالمخدرات يجعلان مهمة الشرطة أكثر إرهاقاً وصعوبة.
من ناحيتها، أشارت «لوبس» إلى دراسة في عام 2009 أظهرت أن «احتمال توقيف السود أكثر بنحو 3.3 إلى 11.5 مرة من البيض»، وأن العرب «تعرضوا لمخاطر أكثر بنحو 1.8 إلى 14.8 ضعفاً لما تعرض له البيض من التوقيف من الشرطة». وخلصت إلى أن الحريق الذي ينتشر في جميع أنحاء البلاد ليس سوى انعكاس لما اسمته «التمييز المؤسسي» في الشرطة.