وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً... ومسك الختام

نشر في 28-06-2023
آخر تحديث 27-06-2023 | 19:33
 د. محمد المقاطع

‏اختص الله سبحانه وتعالى الإسلام بمزايا عديدة، ففضلاً عن أنه ختام الديانات كافة، فإنه الدين الشامل المكتمل المنزل للبشرية جمعاء، بل هو الرسالة المتميزة للمصطفى محمد ــ صلى الله عليه وسلم، الذي أُرسل للبشرية كافة وكان رسولاً للبشرية جمعاء، وهو بذلك جمع بين كل الناس على اختلاف مكوناتهم وأجناسهم وشعوبهم، وهو تصديق لما جاء في قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ».

‏ومما خص به الله سبحانه وتعالى الدين الإسلامي أنه جاء بأركان خمسة ظاهرة للناس جميعاً، وجامعة لهم أينما كانوا، ومن أين أتوا، وبأي حالة يكونون عليها، وهو فضل وامتياز لم يُمنح ولم يُقدر ولم يُقرر لأي دين آخر، وإنما اختص به الإسلام إعلاءً لمكانته، وإفراداً له بما لم يقرره ولم يمنحه لغيره من الديانات المختلفة، لكونه ديناً للبشرية كلها، صالحاً لكل الأزمنة والأماكن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

‏ ولعل المتأمل في الأركان الخمسة التي أقيم عليها الإسلام يدرك حقيقة ذلك التميز والتفرد والشمول والعظمة التي تتميز بها هذه الأركان.

‏فالشهادة التي ينطق بها المسلمون شاملة رغم إيجازها، بل إنها انطوت على الدين كله، فأساسها مبني على توحيد الله سبحانه وتعالى، ونفي الألوهية بصفة مطلقة عمن سواه، بعبارة استهلت بهذا النفي الجازم «لا إله»، ثم بإثبات له وحده سبحانه وتعالى، وهي «إلا الله»، الأولى نافية للألوهية على نحو مطلق ثم يتم إثباتها لله سبحانه وتعالى وحده منفرداً إلهاً لا يشاركه في تلك الألوهية ولا ينازعه عليها أحد آخر، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الإله الأوحد جلّ في منزلته وعلاه.

‏وتتمة الشهادة هي بإعلان التسليم والإيمان المطلق بأن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو رسول الله الذي بإعلان الشهادة له بالنبوة والرسالة تكتمل الشهادة على نحو سوي وسديد مقررة اكتمال التسليم والخضوع والإيمان بذلك كله.

‏ولعل تتابع بقية الأركان بما فيها من مواعيد ثابتة وعبادات راسخة وعمل معلن ومستمر وتوحيد وتضافر بين الناس كافة ممن ينتمون إلى هذا الدين أينما كانوا ومن أي فئة أو جنس أو بلد أو عرق فهم متحدون بهذه الأركان الأربعة في الاجتماع عليها والقيام بها وإظهارها وممارستها على نحو متواصل ومتزامن ومعلن، وهو ما تميز واختص به الإسلام عن غيره من الديانات السماوية المنزلة.

فالصلوات الخمس في مواقيتها اليومية الراتبة تجمع المسلمين قاطبة في أوقاتها، التزاماً بأدائها وتأكيداً لوشائج الوحدة إيمانياً ومادياً ومعنوياً لا يماثله دين.

والزكاة ذلك الركن الذي يطهّر المسلم من الشح والبخل، ويدربه على الإنفاق والسعي في حاجة المحتاجين، إذ هو مدرسة واحدة موحِّدة يلجها كل مسلم ممتثلاً لشروطها مبادراً لتطبيقها متعلماً من فضائلها، مستشعراً بها وحدته مع المسلمين كافة، وينهض من خلالها بدوره في التكافل والرعاية المجتمعية.

والصيام نموذج فريد سنوي يتوحد به المسلمون جميعاً في كل أصقاع الأرض وفيافيها فيصومون جميعاً شهراً كاملاً يتماثلون فيه في العمل والمناسك أداءً لفروضه وشعائره، صوماً وإمساكاً وإفطاراً وقياماً وتلاوة للقرآن وأداء لزكاة الفطر، وهذه وشائج قوة ووحدة لا نظير لها.

وأخيراً، ركن الحج الأعظم، الذي يجسد وحدة الأمة بعظمة هذا الدين، في الاجتماع الكبير في صعيد واحد للملايين في يوم عرفة، لتكون رسالة الإسلام المدوية في الاستجابة لله جلّت قدرته في قوله: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق». بمشهد تضامني مهيب يهب له المسلمون مشاة لمكابدة مشقته واستشعار فضائله، متمسكين جميعاً بحبل الله المتين الذي وحدهم ويوحدهم وهو الإسلام، ولا عزاء لمن يظن أن عُقدة الإسلام وعقيدته ووحدته يمكن إفراطها وتفكيكها، ولن ينالوا من تلك الأركان مهما تآمروا وخططوا وستذهب محاولاتهم للتمرد على الفطرة أدراج الرياح وسيبقى الإسلام ظاهراً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

back to top