وثيقة لها تاريخ: «جِمّا»... مملكة إسلامية في جنوب غرب إثيوبيا فقدت استقلالها عام 1930

نشر في 23-06-2023
آخر تحديث 22-06-2023 | 20:50
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني

تعد مدينة جِمّا من المدن المهمة في إثيوبيا، وتتميز بطابع تاريخي وإسلامي، وتقع في جنوب غرب إثيوبيا، وتبعد نحو 348 كيلومتراً عن العاصمة أديس أبابا.

ومثل مدينة هرر، التي تحدّثنا عنها في الأسبوع الماضي، تعتبر «جمّا» مملكة إسلامية كانت لها شخصيتها المستقلة ولها حكّام أقوياء استطاعوا أن يحافظوا على المدينة فترة طويلة من الزمن.

ووفقاً لبعض المصادر، فإن مملكة جمّا هي أقوى الممالك الإسلامية الصغيرة التي أسستها القومية العرقية «أورومو» في جنوب غرب البلاد، والتي حكمها زعماء أشداء من ضمنهم أبا جفار الأول، وهو الملك السابع في هذه المملكة.

ومن بعده تولى الحكم ابنه أبا جفار الثاني، الذي عرف أيضاً بالسلطان محمد داود بن إبراهيم، وكان حاكماً عاقلاً وقوياً ومؤثراً، واستمر حكمه منذ عام 1878 إلى عام 1930. وقد وصفه بعض المؤرخين بقولهم إنه كان يتمتع بهيبة كبيرة، وإنه محبّ للعلماء والصالحين، وكان كريماً معهم ومسانداً للحركة العلمية الشرعية.



أما والده فكان كلما جلس على كرسي العرش في الصباح، يردّد «تبرأت من كل دين غير الإسلام، وكل مُلك يزول إلا مُلك الله».

ونظراً لقوة اقتصاد مملكة جمّا الذي يعود بشكل أساسي إلى موقعها التجاري المهم، وممارسة أهلها عدة حِرَف مهمة، إضافة إلى وفرة أشجار القهوة، فقد أسس أبا جفار الثاني جيشاً قوياً، واستطاع التوسع وضمّ بعض الأقاليم الصغيرة حول مملكته، لكنّه كان يدفع الضريبة لإمبراطور إثيوبيا مينيليك الثاني منذ عام 1886 مقابل أن يحكم باستقلالية كاملة، ومن دون تدخّل الإمبراطور في شؤون جمّا، إضافة إلى عدم بناء كنائس فيها، أو السماح لغير المسلمين بدخولها.

وفي عام 1930 تمت تنحية أبا جفار الثاني عن الحكم بالتفاوض السلمي مع حكومة الإمبراطور، لكن تم السماح له باستخدام لقب ملك، وتوفي عام 1932.

ومن بعده تولى الحكم ابنه أبا دولا، وكان ورعاً تقياً وعالماً مجتهداً، ولم يكن مهتماً بالحكم، ولذلك تنازل لابنه أبا جوير، الذي عُرف عنه الذكاء والنشاط وحُبّ الشعر، إلّا أن حكم أبا جوير لم يدُم طويلاً، إذ استطاع الإمبراطور هيلاسيلاسي أن يضم «جمّا» إلى الإمبراطورية الإثيوبية ويُلغي استقلاليتها.

وانتهت الحال بأبا جوير إلى اللجوء للمملكة العربية السعودية حتى وفاته، ثم عادت عائلته إلى إثيوبيا.

ومن مآثر أسرة أبا جفار أنهم أسسوا وقفاً لحجاج إثيوبيا يديره إثيوبيون في مكة من خلال مبنى من خمسة أدوار في منطقة العتيبية، وهو مستمر إلى اليوم.

ويعيش في «جمّا» اليوم أكثر من 3 ملايين نسمة، وترتفع المدينة 1750 متراً عن مستوى سطح البحر، ويغلب عليها الطابع الإسلامي.

وقد ترك أبا جفار الثاني من خلفه قصراً كبيراً تحافظ عليه الحكومة إلى اليوم، وهو يعدّ تحفة معمارية في إثيوبيا، وقد بناه في بداية عهده، وبلغت تكلفته مبلغاً طائلاً في ذلك الوقت، وهو 65 ألفاً من عملة ماريا تريزا الفضية و400 كيلو من الذهب. وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن «جمّا» هي موطن القهوة الإثيوبية، ومنها يتم تصديرها إلى مختلف الدول، وهي من أجود أنواع القهوة في العالم.

back to top