الرُّشد البرلماني والاستنزاف الانتخابي

نشر في 21-06-2023
آخر تحديث 20-06-2023 | 20:00
 د. محمد المقاطع

نجدد الأمل، كما هي حال الشعب الكويتي، مع بداية كل فصل تشريعي جديد لمجلس الأمة!

لنجد أنفسنا جميعاً أمام تساؤل عريض ومتكرر: هل سنتجاوز التعثّر والارتباك والتجاذب في العمل البرلماني والمسار الحكومي؟

بيت الداء في ذلك كله، هو فقدان الرّشد والمواءمة العملية في الممارسة البرلمانية، إذ إن ردّة الفعل والانفعال وربما غوغائية الجماهير وحالة التشفّي والانتقام، هي التي تتحكم في السلوك البرلماني للأعضاء، وهو ما يترتب عليه - هكذا ومن دون مقدمات ولا مبررات ومن دون مراعاة للاعتبارات السياسية المتوازنة أو الموائمة - أن تقفز حالة الاندفاع البرلماني لأعلى مراتبها، سواء تشريعياً لإحراز حالة إحراج للحكومة في تشريع يحتاج إلى تؤدة وتروٍّ لطبيعته الحيوية، أو لحساسيته الأمنية أو السيادية، وأحياناً أخرى لتسابق محموم بين أعضاء همّهم الأساسي تحقيق سَبْق تشريعي على زملائهم، وأحياناً ثالثة لمجاراة تصعيد جماهيري بغوغائية ليست متزنة تُفقد البرلمانيين رشدهم السياسي وحكمة رجال الدولة في صناعة التشريع.

والنتيجة، أن يُبتلى الوطن باندفاع تشريعي غير حصيف تغلب عليه نمطية الارتجال في سَنّ التشريعات، وهي أسوأ نماذج التشريعات التي يمكن أن تضعها البرلمانات في أي دولة وفي أي زمن من الأزمنة، وما أكثر أمثلة هذا الاندفاع والارتجال التشريعي، والذي جاءت آثاره وخيمة بتشريعات مخالفة للدستور وتتعدّى الحدود التشريعية المرسومة لمجلس الأمة، بل والأسوأ أنها تتسابق لاستزاف ثروات البلد ومقدّراته، ما ينمّ عنّ أن هذا المشرّع إنما هو عابر مؤقت في الدولة استوطنها لأخذ ما يمكن أخذه أو اقتسامه والفرار به لبلد آخر، حيث يستقر به المقام هناك، ومن دون العناية بالتنمية والاستدامة للبلد واحتياجات شعبه وأجياله المتعاقبة!

ولا يختلف عن المسلك السابق المسلك الرقابي الذي يتولاه المجلس، فهو الآخر يحكمه الاندفاع والانفعال والتسابق، ومحاولة دغدغة الجماهير، والاستجابة للغوغائية منها، بعيداً عن الحكمة والرشد البرلماني المنشود، وبما أن الإدارة والحكومة الرشيدة مقوّم أساسي للحكم الرشيد، فإنّ الممارسة البرلمانية المسؤولة والرشيدة، مقوم جوهري ومكمل لأضلاع الحكم الرشيد!

فهل يُعقل أن تتوالى أسئلة الأعضاء بالعشرات يومياً، وفي موضوعات لا تمُتّ للسؤال البرلماني بصِلة، وتتجاوز حدوده وتقتحم ميادين ومناطق هي في نطاق ليس بمتناول البرلمان واختصاصه، وتلحقه تحقيقات برلمانية بلجان لا طائل من ورائها، ولا تقدّم أية فائدة سوى استعراض قوة ودغدغة مشاعر الجماهير، من دون حكمة أو رشد برلماني حصيف؟

وهو التعجل الذي يتولّد عن ردة الفعل والانفعال والاندفاع بتقديم الاستجوابات لإثبات الوجود ولفت انتباه الجماهير والتكسّب الانتخابي بلا حرص وتروٍّ يجنّب رفع حالة التأزيم، وربما التصادم الذي يخسر في نهايته البلد، وكان يمكن تجنّبه بحكمة وبُعد نظر بالمواءمة والحصافة البرلمانية، التي إن فاتت على العضو المستجوب، فينبغي ألّا تفوت على أغلبية الأعضاء ورئاسته!

ولعل البداية بافتتاح الفصل التشريعي، أمس، بعد تداعيات وآثار وخيمة شهدناها في الفترات الماضية، نتيجة الاندفاع والانفعال والتسابق البرلماني، بعيداً عن الحكمة والرّشد السياسي، تكون حاضرة اليوم لتجنّب العودة إلى حالة التجاذب واللااستقرار الذي انعكس سلبياً على الممارسة والتجربة البرلمانية الكويتية.

وأخيراً، فإنّ المأمول أيضاً أن نجد حكومة واعية رشيدة بحقّ، هي التي تقود عجلة البلد بمبادرات ومشاريع تنموية وتشريعية وتصحيحية لأحوال الفساد والترهل في العمل الحكومي أو مؤسساته، للخروج من حالة السكون والسلبية والقصور بحضور قوي وعملي وفقاً لبرنامج سياسي مؤسسي ومنهجي، كما كان في مجلس 2022... وإنّا لمترقّبون.

back to top