جدل الجنوسة في ألمانيا قصة الفتاة مريم (1-2)

نشر في 04-11-2022
آخر تحديث 03-11-2022 | 18:42
 د. محمد بن عصّام السبيعي انشغل الرأي العام في ألمانيا أثناء الصيف المنصرم بحادثتين أثارتا جدلا واسعا، جاء ذلك صدى لتداعيات الهوية الجنسية، والتي تخبر في السنوات الأخيرة زخما هائلا يثير الدهشة؛ أكان ذلك بالنظر إلى الدعاية المغالى فيها في كل وسائل الإعلام والإنتاج الفني لتطبيع ظاهرة التعدد الجنسي، أو في وضع قوانين تفتح المجال لإعلان هويات جنسية غير ما عرفته الطبيعة منذ بدء الخلق، أو حتى بالضغط السياسي الدولي لتعميم مثل تلك التوجهات.

تمثلت الحادثة الأولى في تقديم الحكومة الاتحادية مشروع قانون يمنح المراهق ابتداء من الرابعة عشرة الحق في اختيار هويته الجنسية، ورأى المشرع أن الفيصل في ذلك هو شعور المراهق، وبناء عليه فللمراهق أن يعلن هويته الجنسية بصرف النظر عن تكوينه البيولوجي، وليس هذا فحسب، بل إن له الحق في هذه السن المبكرة أن يطلب تدخلا جراحيا لاتخاذ ما يلزم لتطويع جسده مع ما يشعر به. الحق أن مثل هذا المشروع ليس بغريب عن حكومة يهيمن عليها اليساريون من ديمقراطيين اجتماعيين وحزب الخضر الأكثر منهم يسارا، أولئك الذين يرون في تغيير اجتماعي خطوة حتمية نحو التقدم، والغريب حقا هو ما استغرب منه الرأي العام الذي كان أكثر صراحة في شبكات العالم الافتراضي منه على منابر أرض الواقع، فالقوى المحافظة في العالم الغربي إما لاذت بالصمت أو سلمت الموقع بعد الآخر حيال تقدم موجة تعدد الهويات الجنسية، أكان ذلك لمصالح انتخابية، أو تحت مبرر المساواة، أو لتجنب محرجة مناوأة التعددية، لا سيما في عالم ما بعد الحداثة الذي يشهد بحق شيئا أشبه بالفوضى الفكرية، لكنهما فوضى وحرج لم يثنيا المستشارة أنجيلا ميركل قبل خمسة أعوام من قيادة الحزب الديموقراطي المسيحي المحافظ نحو معارضة قانون زواج الشاذين جنسيا رغم تمريره في 2017، وقد بررت المستشارة ببساطة بأن ذلك ليس بزواج بحسب الدستور الألماني، وأن ما يكونه هؤلاء ليس بالأسرة التي يعنيها الدستور ويتعهدها بالدعم والرعاية.



الحق أن الرأي العام الألماني، الرسمي وغيره، لم يكن في سياق مشروع قانون الهوية الجنسية للمراهقين بجرأة المستشارة ميركل، ومع ذلك فقد نقل الجدل في الوسائل الإلكترونية صورة جلية لموقف معارضي المشروع الذين أخذهم العجب من غياب شبه تام لهيئات حماية الأطفال والمراهقين عن مثل هذا، كيف يسمح لطفل بذلك العمر الحديث أن يقطع برأي يعجز البالغون حتى الآن عن تعريفه، ناهيك عن طلب تدخل يفضي حتى إلى تغيير ولربما إعطاب دائم للجسم ووظائفه؟ بل كيف يجري تحييد دور وتدخل الوالدين في هذه المرحلة، حيث قالت إحدى الأمهات بأن معرفتها بأبنائها تفوق خبرة كل خبير وفقه كل قاض؟ من تلك الردود أيضا ما ينقل دهشة أحد الأطباء من أعداد الفتيات تامات البنى، صحيحات الأبدان مع لياقة تامة لكل وظائف الجسم يخضعن أنفسهن تحت تأثير ممثلي تلك الموجة لجراحات في غاية الخطورة وذات تأثير دائم على حياة الانسان مثل بتر الثديين واستئصال الرحم، ألا يظن القيمون على ذلك المشروع أن اضطراب الهوية الجنسية مثلما قد يكون موهوما أو ناتجا عن تنمر، أو لعل مبتغى لإعجاب أحد الجنسين بالآخر، لكنه عادة ما يكون مؤقتا؟ مما ورد في ردود الرأي العام كانت قصة الفتاة مريم، وقد أورد آخرون قصصا مماثلة بأسماء أخرى مما يشير لوفرة مثل تلك الحالات، وربما تكون مريم أو غيرها هي ذاتها الكاتبة لكن نسبت كالمعتاد للغائب، كانت مريم فتاة مراهقة لكنها تلبس كما الفتية وتسلك مسلكهم في الحديث والزي، تلهو معهم وتلعب ألعابهم، رعاة البقرة والهنود الحمر، الشرطة واللصوص، بل إنها قد اتخذت اسما مذكرا، لكن حين بلغت مريم سن النضج أصبح كل ذلك ماضيا، مريم الآن أم لأطفال إلى جانب زوج يرعاهم!

back to top