نتائج الانتخابات... فرصة لمعالجة الإخفاقات فلا تضيّعوها

• نوايا الناخبين الإيجابية يجب ترجمتها إلى برامج تنفيذية تتطور إلى وعي شعبي يُنتج تنمية واستدامة
• خسارة النواب الشعبويين وتراجعهم مؤشر على حاجة المجتمع إلى قضايا ومشاريع رفاهية جدية

نشر في 08-06-2023
آخر تحديث 07-06-2023 | 19:03
محمد البغلي
محمد البغلي

تقف الكويت اليوم، بعد أن طوت صفحة انتخاباتها التشريعية، أمس الأول، أمام محطة أكثر ما يثير القلق فيها أن تكون استمرارا للمحطات الماضية منذ عام 2006 التي غلب عليها حالات استقالات الحكومات وحلّ مجالس الأمة وإبطالها، حتى تدنّت مدة مجلسَي الوزراء والأمة من المدة الدستورية المفترضة (4 سنوات) الى 8 أشهر للحكومة الواحدة و18 شهرا لمجلس الأمة، في وقت تداول منصب رئيس الوزراء 4 رؤساء، رحل معظمهم بعد حراك شعبي.

ورغم أن احتمالات تكرار إخفاقات السنوات السابقة، التي أثرت على مختلف مناحي الاقتصاد والإدارة والمالية العامة، وصولا الى الخدمات الأساسية وحتى الثانوية، لا تزال هي الطاغية، فإن بصيص الأمل - مهما كان ضئيلاً - يظل ضروريا للخروج من مرحلة كلّفت الكويت سنوات من حاضرها وخيّمت على مستقبلها.

معالجة واعتراف

فالكويت اليوم بحاجة ماسّة الى تعاون وثيق بين مؤسسة الحكم مع سلطات الإدارة في البلاد، لا سيما التشريعية والتنفيذية، حيث يكون أول علاج للمشكلة هو الاعتراف بوجودها من خلال معالجة إخفاقات السنوات السابقة التي كانت مفعمة بالفساد والاختلالات المالية والاقتصادية والانحراف عن أوجه الإدارة السليمة للمؤسسات بكل ما فيها من انفلات في المصروفات، وصولا إلى بلوغ الميزانية العامة للدولة 26.3 مليار دينار، وتدهور الخدمات وتفشّي الفساد في العديد من المؤسسات ذات الأهمية ومرتفعة الحساسية وتنامي المصاعب في بيئة الأعمال، خصوصا للمبادرين، ومن تعثّر واضح في توفير المساكن للمواطنين، فضلا عن تراجع جودة التعليم والخدمات الصحية، وصولاً إلى تحوّل مشاكل صغيرة يمكن معالجتها بقرار إداري، كالعمالة المنزلية أو افتتاح دروازة العبدالرزاق، وحصى الشوارع، الى قضايا تشغل بال المؤسسات، ويناقشها مجلس الوزراء دون الوصول الى حلّ لها!

سقوط القروض

ولسنا بصدد تحليل انتخابات 2023 وإفرازاتها، لكن ما يلفت النظر فيها، على الصعيد الذي يمكن الاستدلال فيه تجاه المالية والإدارة العامتين، أمران، الأول يتعلق بتقييم الناخبين لوزن مشاريع القوانين والقرارات المالية الشعبوية في قرارهم التصويتي الذي اتّضح أنه أقل بكثير مما توقّعه نواب وحكومات سابقة، إذ ارتفع مركزا وأصوات نائبين سابقين رفضا علنا مقترح شراء القروض أو إسقاطها في مجلس 2022، مقابل خسارة نائب قدّم نفس المقترح، وتراجع ترتيب أكبر مؤيدي هذا القانون، فضلا عن خسارة نائب آخر ارتكزت حملته الانتخابية على عرض ما وصفه بـ «إنجازاته» في تمرير قرار ما يُعرف بـ «بيع الإجازات»، أو تأمين «عافية».

نوايا إيجابية

أما الأمر الثاني الذي يمكن رصده في هذه الانتخابات، فهو وجود نوايا إيجابية لافتة لدى الاتجاه العام من الناخبين في التصويت لمن يطرح قضايا الإصلاح ورفض حالات الفساد وسنوات الإخفاق في الإدارة والاقتصاد، لكنّ هذه النوايا بحاجة الى تطوير كي تتحول الى وعي شعبي يُنتج تنمية ورفاهية واستقرارا واستدامة، وهذا التطوير لا يمكن أن يتم دون برامج تنفيذية وحزمة قوانين ومشاريع واضحة يُراعى فيها إصلاح عمل السلطة التنفيذية قبل التشريعية من خلال تشكيل وزاري بمعايير الكفاءة لا المحاصصة، فضلا عن برنامج عمل حكومي يحمل آليات تنفيذية وتعهّدات زمنية تتلافى صيغ التأجيل من «تكليف - دراسة - متابعة - إلخ»، الى اتخاذ قرارات، فضلا عن استهداف محددات واضحة تعالج أصل اختلالات الاقتصاد كأحادية الإيرادات وانحراف سوق العمل والتركيبة السكانية، حيث يكون برنامج عمل الحكومة هو أساس عملها، وفي المقابل يكون عمل مجلس الأمة هو التشريع والرقابة لخدمة هذا البرنامج وتصويب انحرافه، وعدم سماح السلطتين بأن تكون مالية الدولة واحتياطياتها وإيراداتها جزءا من مشاريع شخصية أو طموحات مستقبلية.

لا مبالغة

ليس من مصلحة أحد المبالغة في التفاؤل بنتائج انتخابات 2023، فهي في النهاية مثلها مثل أي انتخابات سابقة نتيجة نظام انتخابي فردي معايير التصويت فيه ليست بالضرورة دائما منطقية أو مستدامة، ونظام سياسي قاصر لا يسمح بالعمل الحزبي أو الجماعي، وما يترتب عليهما من برامج أو رؤى إصلاحية، وهو أشبه بما يطلق عليه في مجتمع الأعمال بـ «بيئة تشغيلية صعبة» فيها الكثير من العقبات مع حاجة ضرورية لتجاوزها، إلا أنه في المقابل لا يمكن تجاهل نتائج الانتخابات بوجود مؤشرات كنوايا الناخبين بالإصلاح، ووجود من يميّز بين المقترحات الشعبوية واحتياجات الاستدامة على إدارة الدولة أن تلتقطها وتطورها، بحيث تكون الدولة هي القدوة والنموذج وصاحبة المشروع التنموي الذي يلتف حوله المجتمع، وهو أمر بوادره متوافرة، ولا يحتاج إلا الى إرادة وإدارة، لطالما افتقدتهما الكويت خلال السنوات الماضية.

back to top