العصمة الأميركية والإسرائيلية من تحمُّل المسؤولية

نشر في 07-06-2023
آخر تحديث 06-06-2023 | 20:00
 ديلي تلغراف

ثمة اليوم ديناميكية كونية مهمة، تجسر بين عوالم السياسة، والأخلاقية، والعنف، والتي تشهد المجتمعات المتجانسة وهي تصارع تحدي كيفية تحميل المسؤولية للزعماء السياسيين المتهمين بارتكاب الدرجات المتفاوتة من السلوك الإجرامي، بما في ذلك جرائم الحرب والتعذيب والإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية، ويجري النظر في أكثر القضايا إثارة للحنق، والتي تنظر في محاكم دولية خاصة، أو أمام محكمة الجنايات الدولية، وتعكس قضايا أخرى أوضاعاً أكثر إثارة للخلاف، والتي تثير قضايا حساسة حول كونية الأخلاقيات والقانون.

كانت هناك قضيتان ظهرتا في الولايات المتحدة وإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، واللتان تثيران الاهتمام بشكل خاص في هذا الصدد، لأن هذين البلدين يذكرانا مرتين في كل أسبوع- وبشكل أكثر تكراراً في زمن الحرب أو في الأعياد القومية الوطنية- بأنهما ديمقراطيتان يجب نشر قيمهما حول العالم. حسناً، إن العالم يقف في النهاية المستقبلة لسخائهما الأخلاقي، ويطرح باطراد سؤالا مهما لا يزال ينتظر إجابة واضحة عنه بعد: هل تكون الولايات المتحدة وإسرائيل موضوعين لمعايير تحمل المسؤولية نفسها عن سلوكهما مثل أي بلد آخر في العالم، أم أنهما تعملان في مكان طائر أعلى من الحصانة، عندما يتعلق الأمر باستخدام العنف لأجل القتل والتعذيب والغزو أو احتلال شعب آخر؟

شهدت القضية ذات الصلة في الأسابيع الأخيرة زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني وهي تلغي زيارة كانت مقررة إلى لندن، لأن مذكرة اعتقال كانت قد صدرت بحقها عن محكمة بريطانية بناء على طلب تقدم به ناشطون مؤيدون للفلسطينيين، وقد اتهموها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بسبب دورها الذي ادعوه خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة قبل سنة من الآن تقريبا، عندما كانت وزيرة للخارجية، وأرادوا لها أن تمثل أمام المحكمة بتهمة تسبب القرارات التي كانت قد اتخذتها في مقتل أكثر من 750 مدنيا فلسطينيا.

وجاء إلغاء ليفني لزيارتها في أعقاب قضية مشابهة قبل شهرين، عندما امتنع نائب رئيس الوزراء موشي يعالون عن السفر إلى لندن استجابة لنصيحة خبراء قانونيين في الحكومة الإسرائيلية، والذين حذروه من إمكانية اعتقاله وعرضه على المحكمة لدوره في غارة جوية كانت مقاتلة إسرائيلية قد نفذتها في عام 2002 على غزة، والتي أفضت في حينها إلى مقتل 15 شخصا (عندما كان رئيسا لأركان القوات المسلحة الإسرائيلية). وكان بعض الفلسطينيين قد قدموا التماسا إلى محكمة في لندن في شهر سبتمبر الماضي لاعتقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بسبب دوره في حرب غزة، لكن تلك المحكمة قضت بأن الوزير الإسرائيلي يتمتع بحصانة دبلوماسية.

حقيقة أن كبار المسؤولين الإسرائيليين يفكرون مرتين قبل السفر إلى الخارج خوفا من توجيه اتهام لهم ينطوي على ارتكاب جرائم حرب تشي بتطور إيجابي، إذا ما تلقوا محاكمة نزيهة، وإذا ما استخدمت معايير المسؤولية الجنائية المعتمدة لتقويم طبيعة سلوك القادة في سائر البلدان الأخرى. وفي الولايات المتحدة تفصل المحاكم، على نحو مشابه، فيما إذا كان يجب تحميل المسؤولين خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش المسؤولية عن أعمالهم في حالات ممارسة التعذيب المزعومة، وكذلك إساءة معاملة السجناء الذين أسرتهم الولايات المتحدة خلال «الحرب الكونية على الإرهاب»، وكانت محكمة استئناف سيركويت الأميركية في سان فرانسيسكو قد نظرت في وقت سابق من الأسبوع الماضي في قضية تتضمن ادعاء بأن خمس ضحايا لعمليات «تسليم قسري» وتعذيب قد أسيئت معاملتهم على نحو جنائي، وستقرر المحكمة ما إذا كان سيتم السماح بعقد محكمة كاملة أو قبول محاججة إدارتي بوش وأوباما القائلة بأن باستطاعة السلطة التنفيذية وقف أي قضايا قانونية على أساس مخاوف تتعلق بـ«الأمن القومي».

في الغضون، يقول منتقدو سلوك الحكومة الأميركية أن المحاكم هي آخر ملاذ للحد من، أو إنهاء استخدام الحكومة للخطف أو الاعتقال السري أو إساءة المعاملة والتعذيب للوفاء بخدمة قضايا الأمن القومي، ويقولون إن تحميل المسؤولية، وليس الحصانة، هي الرد اللائق في هذه الحالة، وثمة مستويات متنوعة لمحاكم في الولايات المتحدة تقدم ردودا مختلفة قليلا، وقد بدت المحكمة العليا وكأنها تدعم الحكومة مؤخراً عندما أيدت حكما لمحكمة استئناف فدرالية، كان قد رفض النظر في قضية قدمها أربعة مواطنين بريطانيين في سجن خليج غوانتنامو، والذين اتهموا الحكومة الأميركية باعتقالهم وحجزهم وإساءة معاملتهم عن طريق الخطأ.

يشي هذا الخط من التفكير بأن من الممكن أن يتم استخدام «أساليب استجواب محسنة» عندما تشعر الحكومة بالحاجة إلى فعل ذلك في المعركة ضد الإرهاب، وقد انطوت الاتهامات على اتهام الحكومة الأميركية باستخدام إجراءات مثل الحرمان من النوم والغذاء لفترات مطولة، ووضع السجناء في أوضاع الإجهاد والإذلال الجنسي، وتعريضهم لتهديدات بالموت ومحاكاة الغرق (التغطيس بالمياه) وتكرار الضرب والتعريض للمتضادات من الحرارة والبرودة المتناهية، والإجبار على التعري، والتحقيق تحت تهديد السلاح، وتهديد المعتقلين بكلاب غير مكممة الأفواه، والانخراط في تحرشات دينية وعرقية، وهي ممارسات وثّقت في تقارير قدمت للكونغرس وفي مذكرات لوزارة العدل، والموضوع هو ما إذا كانت هذه السلوكيات هي سلوكيات مقبولة أو ممارسات جنائية يتحمل المسؤولون الذين أمروا بتنفيذها المسؤولية عنها.

* «رامي خوري»

back to top