«العميل الخفي» مبادرة حكومية تضع الكويت في مصاف الدول المطورة لنوعية الخدمات

نشر في 03-11-2022
آخر تحديث 02-11-2022 | 20:11
مفهوم المراجع الخفي يعد جزءاً لا يتجزأ من منظومة الدراسات والأبحاث والإحصاءات السوقية الأكثر شمولاً، والتي مازالت تعاني في دولنا شحاً في البيانات رغم أهميتها وضآلة الاتفاق عليها، فهذا القطاع الذي يبلغ حجمه 100 مليار دولار أميركي في العالم تنفق منه الدول العربية نحو دولار واحد على الفرد مقارنة بـ 44 دولاراً في أوروبا و145 دولاراً بالولايات المتحدة.
 عبدالخالق العلي للمرة الأولى في تاريخ الخطاب الحكومي الرسمي يأتي ذكر مصطلح «المراجع الخفي» كوسيلة لتحسين وتطوير الخدمات التي تقدمها الدوائر الرسمية لمختلف المراجعين لديها. جاء ذلك في الخطاب السامي الذي ألقاه نيابة عن صاحب السمو أمير البلاد سمو نائب الأمير وولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في افتتاح دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي السابع عشر لمجلس الأمة، فقد جاء في الخطاب السامي أن سموه قد أوعز للحكومة بتبني مبادرتي «المراجع الخفي» و«المبلغ السري» بهدف تطوير وتحسين الأداء الحكومي من خلال التعرف على مواقع الخلل في الجهات التي تقدم خدماتها للجمهور، فما أهمية هذه المبادرة المشكورة من ناحية علمية؟ ومن المراجع الخفي؟ وكيف يقوم بدوره في تحسين الأداء الحكومي؟ وما المتطلبات الواجب اتباعها لضمان نجاح هذه التجربة؟

إن مبادرة العميل الخفي تهدف بالدرجة الأولى إلى اكتشاف مكامن الخلل أو القصور في الدوائر الحكومية بهدف علاجها، ومن ثم بهدف تطويرها لتقديم خدمة أفضل للمواطنين والمقيمين، مما ينعكس إيجابا على رضا المراجعين على الأداء الحكومي، كما يمكن استخدام هذه المبادرة كأداة لتقييم العاملين أو المديرين وربط ذلك بالتقاييم السنوية أو الترقيات وفق ضوابط الأداء الموضوعية البعيدة عن المحاباة أو الترضيات، ومن يقوم باكتشاف مواطن الخلل هذه هو المراجع الخفي الذي يكون ببساطة رجلا أو امرأة يسند لهما مهمة القيام بإتمام معاملة ما في جهة حكومية وفق سيناريو مرسوم ودون علم الموظفين على أن يقوم هذه المراجع الخفي بتدوين ملاحظاته على استبيان محدد يشمل عدة جوانب تتعلق بأداء الجهة الحكومية حتى إتمام المعاملة، ومن ثم تقديم تقارير كمية حول هذه الملاحظات للجهة المعنية حتى تتم معالجة أوجه القصور لديها وبالتالي تحسين وتطوير أدائها.

لقد شهدنا جميعا تطور الخدمات الحكومية بشكل يشهد له الداني والقاصي في بعض دول الخليج العربي، فمن منا لم يسعد بكفاءة الخدمات الحكومية التي تقدمها حكومة دبي على سبيل المثال بدءا من المطار وانتهاء بتقديم كل الخدمات الحكومية الأخرى كتجديد الرخص التجارية وتأسيس الشركات وإصدار الشهادات وغيرها من الخدمات التي تتم في أوقات قياسية على المستوى العالمي، ووفق معايير جودة عالية الكفاءة من الأتمتة والميكنة، ذلك كله تم من خلال التعرف أولا على مواطن الخلل والقصور أولا، والتي كان للمراجع الخفي دور مهم بها، إذ بدأت إمارة دبي بتطبيقه أولا منذ أكثر من عقدين، مما أتاح معالجة هذا القصور أو استبداله كليا بنظام حديث يطبق وفق أعلى معايير الجودة والكفاءة والمتابعة.

إن تجربة المراجع أو العميل الخفي (Mystery Shopper) قد لا تكون جديدة في الكويت، إذ ما زالت العديد من الشركات في القطاع الخاص كالبنوك وشركات السيارات والمطاعم وغيرها تتبنى هذه الوسيلة منذ سنوات بحكم الطبيعة التنافسية لأعمالها وبهدف التفوق على المنافسين من خلال معرفة مواطن الضعف أو الخلل في أعمالها، ومن ثم تحسينها وتطويرها، والجديد في الأمر أن تتبنى الحكومة هذا الأسلوب لمعرفة مواقع خللها والعمل على إصلاحها وتطويرها، وهو أمر يحسب لها بلا شك، إلا أن تطبيق هذه التجربة في الجهات الخدمية الحكومية بنجاح يتطلب ضوابط صارمة يجب اتباعها حتى لا تفشل أو كي لا يتم سوء استخدامها نتيجة حساسيته.

آن الأوان للأخذ بمبادرة العميل الخفي لأنها جاءت برغبة مخلصة من القيادة السياسية لتحسين الأداء الحكومي والرقي به

أولى هذه الضوابط هو أن تقوم جهة محايدة متخصصة ذات خبرة في هذا المجال بتنفيذ المشروع، ذلك لضمان حيادية الجهة من ناحية ولتوفر الخبرات المتراكمة لديها من ناحية أخرى، حيث إن آخر ما تريده الحكومة في هذه المجال هو إنشاء إدارات تابعة لكل وزارة تكون مسؤولة عن تنفيذ هذه المبادرة لينتهي الحال بها أن تكون هي بحاجة للمراجع الخفي.



ثاني هذه الضوابط هو خضوع المراجع الخفي لتدريب مكثف حول الكيفية التي سينفذ بها مهامه دون أن يكتشف، فدون هذا التدريب يكون مآل مهمة المراجع الخفي الفشل، فالمراجع الخفي يجب أن يجيد دوره في التعرف على الملاحظات المطلوب منه أن يرصدها في الوقت الذي يقوم فيه بإنجاز معاملته حتى لا يغفل عن شيء في تقريره فيما بعد، بالإضافة لذلك، يجب تدريب المراجع السري على أحدث البرمجيات الخاصة بتوثيق الملاحظات فدونها يكون اعتماد المراجع الخفي على ذاكرته فقط في إيراد الملاحظات وهو ما يفقده المصداقية، خصوصا بعد مرور فترة طويلة من زيارة المرفق الحكومي.

أما الضابط الثالث فهو ضرورة استخدام التكنولوجيا في صدور التقارير حول تقييم المرفق الحكومي من قبل المراجع الخفي، فقد ولت أيام التقارير السرية المكتوبة وحل محلها برامج عالية التقنية تقدم لصاحب القرار معلومات آنية وشاملة تحفظ خصوصية المعاملة، حول كل ما يتعلق بجوانب العمل المراد مراقبتها بهدف تحسينها وتطويرها. وتقدم هذه البرمجيات تقارير ذات مستويات مختلفة حسب موقع المستخدم، تسمح بإعطاء صورة شاملة عن أداء الجهاز الحكومي لمسؤولي الوزارة وتفاصيل محددة لمسؤولي وحدات معينة، وسواء كان ذلك قياس أداء الموظفين أو البيئة التي يعملون بها أو أية مؤشرات أخرى تتعلق بالعمل يريد صاحب القرار تحسينها، ويمكن لصاحب القرار الدخول على البرنامج وبسرية تامة وبشكل يومي ليتسنى له الاطلاع على أوجه القصور وبأي إدارة ومن قبل أي موظف وبالتالي معالجة الخلل بشكل فوري ويومي.

إن مفهوم المراجع الخفي يعد جزءاً لا يتجزأ من منظومة الدراسات والأبحاث والإحصاءات السوقية الأكثر شمولاً، والتي ما زالت تعاني في دولنا شحا في البيانات رغم أهميتها وضآلة الاتفاق عليها، فهذا القطاع الذي يبلغ حجمه 100 مليار دولار أميركي في العالم تنفق منه الدول العربية نحو دولار واحد على الفرد مقارنة بـ44 دولارا في أوروبا و145 دولارا في الولايات المتحدة، أما حصة دول مجلس التعاون الخليجي في هذه القطاعات فقد بلغت عام 2021 نحو 236 مليون دولار، أي نحو 2 دولار على الفرد.

إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة وقد آن الأوان للأخذ بهذه الخطوة، خصوصا أنها جاءت برغبة مخلصة من القيادة السياسية بتحسين الأداء الحكومي والرقي به.

back to top