تركيا والاتحاد الأوروبي... قراءة أولية

نشر في 04-06-2023
آخر تحديث 03-06-2023 | 18:48
 د. محمد أمين الميداني

لا نبالغ في قراءة أولية، وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت مؤخرا في تركيا، إذا قلنا إن مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قديمة ومتشعبة ومعقدة أيضا!

سعت تركيا في الفترة الأولى، وحين كان الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيسا للوزراء وقبل أن يتم اعتماد النظام الرئاسي بديلا عن النظام البرلماني في عام 2017، وبكل حماس لاستكمال الشروط المطلوبة منها كدولة مرشحة للانضمام إلى هذا الاتحاد، وقامت بالفعل بتعديل العديد من تشريعاتها الوطنية للتوافق مع متطلبات الانضمام.

ولكن لم تثمر هذه المساعي، وكانت تصطدم بمزيد من الطلبات والشروط من قبل الاتحاد.

وكانت معضلة اعتبار تركيا دولة آسيوية أكثر منها أوروبية كون الجزء الأكبر من أراضيها يقع في القارة الآسيوية، وهو أمر تحدث عنه أكثر من مرة أحد الرؤساء الفرنسيين السابقين، تلقى أصداء إيجابية من قبل بعض دول الاتحاد ومواطنيها، كل هذه العوامل حالت دون أن تتم عملية الانضمام للاتحاد وإن بقيت الأبواب مفتوحة والمحاولات مكررة من قبل الطرفين.

السؤال المطروح الآن، وبعد أن فاز الرئيس أردوغان بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، وسيكون مع نهايتها قد أكمل ربع قرن من الألفية الثالثة في حكم تركيا رئيسا للوزراء ومن ثم رئيسا للجمهورية، السؤال: هل لا تزال تركيا مهتمة فعلا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

ولكن قبل أن نتلمس ملامح الجواب على السؤال، لا بد أن نلفت الانتباه إلى أن مؤشرات اهتمام الاتحاد الأوروبي بقبول تركيا عضوا فيه تبقى ضعيفة، وليس هناك أي دلالات على تفهم محاولات هذه الدولة الأوروبية، وهي بلا شك أوروبية كونها عضوا في منظمة مجلس أوروبا، للانضمام للاتحاد.

بل ينتابنا الشعور أحيانا، ونحن نتابع ما يجري من محادثات بغرض الانضمام، وما يُفرض من شروط على تركيا، بغياب نية حقيقة من طرف هيئات الاتحاد بقبول هذه الدولة وضمها للاتحاد في الوقت الذي نلمس فيه حماسا واهتماما ومتابعة لانضمام دول أوروبية أخرى مثل أوكرانيا على الرغم من عدم توافر الشروط المطلوبة! ولا نعتقد بأن غزو هذه الدولة والحرب التي تجري على أراضيها يمكن أن يبرر الاستعجال بالقبول بها وتسهيل الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وبالعودة إلى سؤالنا، نعتقد بأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يبقى أحد أهداف السياسة الخارجية التركية بل هي «أولوية استراتيجية» كما عبر عن ذلك الرئيس التركي في إحدى المناسبات.

ولكن لا يمكن أن نتغاضى أيضا عن عدم اكتراث تركيا ببعض الشروط الأساسية المتعلقة بانضمامها لهذا الاتحاد والتي عبر عنها عدد من المسؤولين الأوروبيين حين تحدثوا عن القيود الصارمة على البرلمان والقضاء والصحافة أيضا والتي عرفتها تركيا في السنوات الأخيرة، وعدم الأخذ بعين الاعتبار ما تصدره المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حقها من أحكام وقرارات تتعلق بانتهاكات لمواد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

من المؤكد بأن الاتحاد الأوروبي يمر بأزمة سياسية صعبة ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ونلحظ بعض التخبط في اتخاذ القرارات تبعا لأوضاع جديدة لم يسبق أن مرت بها الدول الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويضاف إليها أزمة اللاجئين التي بدأت، ولا تزال مستمرة بشكل أو بآخر، منذ عام 2015، وهي أزمة إنسانية بامتياز طُلب من تركيا أن تلعب دورها أيضا في إيجاد حلول لهذه الأزمة كدولة لها حدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، وكدولة عبور للاجئين إلى العديد من الدول الأوروبية.

ستبدي لنا الأشهر القادمة ما إذا كان زخم الاهتمام بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد عاد إلى السياسية الخارجية التركية بعد تشكيل الوزارة الجديدة أثر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، وما إذا كان هذا الانضمام من أولويات هذه السياسية، وهل هناك إرادة حقيقية في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ تركيا بالوفاء بالتزاماتها وعدم التهرب من واجباتها، واحترام شروط انضمامها لهذا الاتحاد، في الوقت الذي يجب ألا يغيب عن الأذهان بأن على الاتحاد الأوروبي أن يحترم مبادئه ويحدد موقفة ويراجع شروط الانضمام ويلتزم بها وكما هي محددة ومعروفة، وألا يؤثر دول أوروبية على دول أخرى.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top