مصانع أمازون الشيطانية

نشر في 31-05-2023
آخر تحديث 30-05-2023 | 19:40
يحتاج المديرون التنفيذيون في «أمازون» إلى أن يفكروا مليا بالتكلفة البشرية لنموذج العمل لديهم ولو احتاجوا الى مكان هادئ للنظر في تلك القضية، فإن بإمكانهم دائما أن يجربوا أحد توابيت التأمل.
 بروجيكت سنديكيت

تعاني بريطانيا أسوأ أزمة في تكلفة المعيشة منذ عقو- بسبب ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الطاقة- مما دفع بمئات العمال في مستودع أمازون في كوفنتري قبل أشهر للمطالبة برفع الأجور وهددوا بالإضراب في شهر نوفمبر إن لم يتم تلبية مطالبهم أي قبيل يوم الجمعة السوداء المخصص للتنزيلات الكبرى وموسم التسوق المرتبط بالعطلات، وكما هي الحال مع الإجراءات العمالية الأخرى التي قام بها عمال السكك الحديدية الأميركيون وموظفو هيئة البريد الملكي البريطاني، فلقد أثار تحرك عمال أمازون جدلاً حول من هو المسؤول عن هذا التهديد بتعطيل العمل: هل هو بابا نويل أم مساعدوه من الأقزام؟

تدين أمازون بنجاحها إلى مجموعة متنوعة من العوامل بما في ذلك النهج المعقد القائم على البيانات، لكن عبقريتها الحقيقية تكمن في اختراقاتها اللوجستية- بما في ذلك تحسين المسار الى أقصى حد وتخطيط أسطول النقل وإدارة البيانات الوصفية- التي تسمح لها بتقليل الوقت من طلب منتج ما من خلال الكمبيوتر وحتى وقت شحنه للعميل بالإضافة الى انها تقدم لعملائها عمليات تسليم سريعة وموثوقة بشكل غير مسبوق وفي الوقت المحدد. تنقل الطائرات والشاحنات التي تحمل علامة أمازون برايم طرودا في جميع أنحاء العالم وتعمل بشكل دقيق جدا، وحتى أثناء الجائحة والتي تسببت في تعطيل أجزاء كبيرة من الاقتصاد.

إن العقل المدبر وراء تلك العملية هو رجل يُدعى جيف وايلك الذي جمع بين النظرية التايلورية (تقسيم الإنتاج إلى مهام متكررة ضيقة على أن يتم مراقبتها وقياسها عن كثب) والنظرية الفوردية (تقنيات خط التجميع) من أجل إنشاء نموذج مستودع قادر على التعامل مع أكثر من مليون وحدة يوميا علما أنه بمساعدة الروبوتات والمراقبة الحثيثة يقوم الآن الأشخاص المكلفون باستلام وتخزين البضائع بالتعامل مع أضعاف البضائع في الساعة مقارنة بما كانوا يحققونه بالماضي.

لكن النظام حظي بسمعة سيئة لأنه يؤثر على قدرة الموظفين البشريين على التحمل، حيث أظهرت التحقيقات الأخيرة أن الكثير من التسهيلات المريحة التي يتمتع بها عملاء أمازون تأتي على حساب العاملين ذوي الأجور الأقل في أمازون.

على سبيل المثال وجدت صحيفة نيويورك تايمز في العام الماضي أن ظروف العمل في «مركز الانجاز» في أمازون بنيويورك هي ظروف بائسة فبعد المرور عبر بوابات أمنية شبيهة بالمطارات يقول العمال إنهم يخضعون لأعمال بدنية شاقة، ومناوبات عمل طويلة من عشر إلى 12 ساعة كما يتعرضون لنسبة عالية من الإصابات والحوادث (ضعف معدل المستودعات غير التابعة لشركة أمازون)، والذي يحط من كرامتهم بشكل أكبر أنه تتم مراقبتهم عن كثب من خلال نظام مراقبة ظالم يعاقب على المخالفات مثل التحدث إلى زملاء العمل أو عدم تحقيق الأهداف الإنتاجية (والتي عادة ما تكون مرتفعة ولدرجة التعامل مع 30 طرد بالدقيقة أو أن يتم الطلب بإنزال منتج ما من على الرف ووضعه في صندوق ومن ثم شحنه خلال دقيقة واحدة).

إن التهديد بالفصل- أو ما تسميه الشركة «الإفراج»- يتم استخدامه على نطاق واسع والعمال الذين يسعون لحقوقهم القانونية من خلال قسم الموارد البشرية يصطدمون بأنظمة معقدة وغير منطقية ومتخصصة في المماطلة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بطلب إجازة إعاقة أو مبالغ نقدية مرتبطة بذلك، وتشمل قصص الرعب تلك سائقي أمازون الذين يضطرون للتبول في زجاجات بلاستيكية أو التبرز في أكياس بلاستيكية من أجل الالتزام بالجدول الزمني. لقد كانت هناك تقارير عن عمال يبيعون خواتم زفافهم أو يعتمدون على قسائم الطعام الخيرية من أجل تغطية نفقاتهم، واستجابةً لهذه الروايات عرضت الشركة حلولاً غير ملائمة مثل «غرف التأمل» التي تشبه التوابيت الكبيرة.

وعليه لم يكن من المستغرب أن تتصاعد جهود تنظيم العمال ضمن نقابات في منشآت أمازون، وعلى الرغم من جهود الشركة الممنهجة لقمع أي محاولة للتنظيم، نجحت الحملة لتأسيس نقابة في مستودع أمازون في جزيرة ستاتين في وقت سابق من هذا العام بعد خسارة جهود مماثلة وبهامش ضئيل في ألاباما، وفي عام 2018 تقدّم عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز بقانون إيقاف أصحاب العمل السيئين من خلال قانون تصفير الدعم (أوقفوا بيزوس) والذي من شأنه أن يفرض ضرائب على الشركات بنسبة 100٪ وذلك على المزايا الحكومية العامة التي تتلقاها، أما حاليا فلقد فتحت إدارة السلامة والصحة المهنية الأميركية تحقيقات في ظروف العمل في أمازون.

لقد أدت تلك المناوشات الى حد كبير في تقويض الصورة التي تحاول شركات التكنولوجيا الكبرى نقلها عن نفسها، فقد تكون أمازون رائدة في مجال الخدمات اللوجستية، لكنها تشبه في اعتمادها على استغلال العمال ما كان يحصل في «المصانع الشيطانية» إبان الثورة الصناعية الأولى، ووفقا لقصة نشأة أمازون، بدأ كل شيء بقيام جيف بيزوس ببيع الكتب من مرآب بيته ودق الجرس في كل مرة يأتي فيها طلب، ومع ذلك وحتى في الأيام الأولى كانت هناك ثقافة أولية من العمل المفرط (كان من المتوقع أن يعمل الموظفون 60 ساعة على الأقل في الأسبوع) وتطويع القواعد والأحكام لأغراض معينة وظروف العمل الخطرة (سكاكين غير معبأة في طرود تسقط من أحزمة النقل) ومراقبة الأداء بشكل سلطوي.

تعد أمازون الآن واحدة من أكبر الشركات في العالم، ولكن وكما جادلت في مقالات أخرى فأن تكون الأكبر ليس بالضرورة أن تكون الأفضل، بينما يمكن تأطير بعض ممارساتها على أنها مبتكرة وقابلة للتكيف عندما كانت أصغر بكثير، فإنها اليوم تتعامل مع الموظفين وبشكل ممنهج على أنهم لا يتعدون كونهم نقاط بيانات، لقد كان بيزوس وقبل التنحي عن منصب الرئيس التنفيذي العام الماضي ينظر إلى تغيير الموظفين باعتباره ميزة أكثر من كونه خطأ في نموذج أمازون، حيث قيل ان بيزوس أشار الى أن وجود قوة عاملة راسخة يعني «السير نحو مستوى متواضع». وبالتالي وطبقا للشركة فإن نسبة تغيير الموظفين تقترب من 150٪ سنويا- ضعف المتوسط ضمن الشركات في المجال نفسه- مما يعني أنه يتم استبدال القوة العاملة للشركة بالكامل كل ثمانية أشهر.

إن هذا النموذج لا يعتبر غير أخلاقي وغير إنساني فحسب، بل أيضا غير مستدام على الأرجح، حيث تُظهر الدراسات أن العمال السعداء هم أكثر إنتاجية، وكما حذرت مذكرة داخلية في وقت سابق من هذا العام «إذا واصلنا العمل كالمعتاد، فستستنفد أمازون إمدادات العمالة المتوفرة في الشبكة الأميركية بحلول سنة 2024».

لقد كان بيزوس والذي يمتلك صافي ثروة تقدّر بنحو 140 مليار دولار أغنى رجل في العالم من عام 2017 إلى عام 2021، ومن الواضح أنه قد أصبح منفصلاً عن موظف أمازون العادي كما يوحي حجم ثروته وكما قال أحد العمال في سنة 2020 «أنا متأكد من أن بيزوس لا يمكنه القيام بمناوبة عمل كاملة في (مستودع مدينة نيويورك) لو أتى متخفيا».

وإن من المؤكد أن العمال في كوفنتري والذين يطالبون بتعديل الأجور على ضوء تكلفة المعيشة سيوافقون على هذا التصريح، ويحتاج المديرون التنفيذيون في أمازون إلى أن يفكروا مليا بالتكلفة البشرية لنموذج العمل لديهم ولو احتاجوا الى مكان هادئ للنظر في تلك القضية، فإن بإمكانهم دائما أن يجربوا أحد توابيت التأمل.

* أستاذة مشاركة في الدراسات القانونية التجريبية بجامعة كامبريدج.

* أنتارا هالدار

back to top