غــرور الديـكة

نشر في 22-05-2023
آخر تحديث 21-05-2023 | 18:03
 حـنان بدر الرومي

منذ مدة تلقيت اتصالاً من إحداهن في موضوع ما، فعرفتني بنفسها وعندما سمعت ترحيبي الهادئ والدبلوماسي صرخت باستنكار شديد، وأعترف بأن صوتها العالي أفزعني وكلماتها الحادة التي أتت كقذائف صاروخية أفقدتني التركيز لثوانٍ: ألم تعرفيني؟ أنا صاحبة المنصب الفلاني في الوزارة الفلانية وتحت يدي عدد (...) موظف وموظفة، تعاملي الدائم مع الوزير مباشرة والوكلاء جميعا وأشارك في الاجتماعات الكبيرة داخل الوزارة وخارجها، عدا مشاركتي كعضوة في الوفود الرسمية خارج الكويت، الجرائد والمجلات تنشر صوري دائما عدا المقابلات والتصريحات الصحافية، كما أجرى تلفزيون الكويت معي أكثر من مقابلة.

اجتهدت بأسلوبي الهادئ المتزن للترحيب بها وتخفيف النشاز في صوتها الذي أتعب أذني، بعدها تلقيت اتصالين منها لمتابعة موضوعها ولاحظت أن مكالماتها تأتي في عز الظهيرة، ودائما تستهل مكالماتها السريعة بالحديث عن انشغالاتها الكثيرة، ومن قابلت من كبار شخصيات الوزارة وغيرها ومكانتها المميزة هذا عدا أسلوبها الآمر في الحديث والذي يخلو من الاحترام للطرف الثاني، الأمر الذي جعلني أرفض موضوعها جملة وتفصيلا.

يقولون إن الديك مغرور، فهو يعتقد أن الشمس تشرق صباحا حتى تستمتع لمهارته في الصياح، فما بالكم بالبشر، فالغرور ظاهرة أزلية ويحكي لنا القرآن الكريم قصص أفراد وأقوام كيف ملأ الغرور نفوسهم، وكيف كانت نهايتهم، لكن البشر للأسف لا يتعظون، فالبشر عندما يغريهم المنصب والجاه والمال والسلطة يصبحون كالبالون المنتفخ وينظرون للآخرين بفوقية، وقد يزيد داء الغرور لديهم عندما يجدون التبجيل لمقامهم ويسمعون كلمات الثناء والإطراء ممن حولهم، فيعتقدون أن ذلك كله حق أصيل وثابت لا يمكن أن يتغير أو يتبدل، ونسوا أنه لا شيء دائم في الحياة.

الغرور آفة عبثت بعقل الإنسان، وأصبحت ظاهرة يتساوى فيها الصغير والكبير، ومع الانفتاح التكنولوجي العالمي وقوة وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت لنا فئة مشاهير الإعلام والسوشيال ميديا و«تويتر» وأصحاب المواقع الصفراء التي لا تتوانى عن نشر الفضائح والشائعات وتضخيمها، كما برزت وبقوة فئة الناشطين الاجتماعيين والمتحدثين في كل شيء من السياسة إلى التربية إلى الطب والعقار والبناء والعلاقات الإنسانية والمهنية عدا الأمور النفسية والاجتماعية وصولا للطبخ وترتيب المنزل والحديقة وغيرها، وكل يتباهى بعدد المتابعين وكثرة الإعلانات والدعايات عدا الهدايا.

وهكذا تضخمت الحسابات البنكية للكثيرين منهم وأصبحوا من أصحاب القصور واليخوت والطائرات الخاصة وغيرها من وسائل الرفاهية والأبهة الخيالية، عالم لا محدود من تحقيق الأحلام، وبالطبع ستنقلب مقاييس التوازن والأغلب منهم سينظرون إلى أنفسهم بإكبار وإجلال ومغالاة في كل أمر.

من المحزن أن عالم السياسة أصبح مزدحماً أيضا في من يرى أنه صاحب العقلية الفذة واللسان الجريء بالحق، وأصيب الكثيرون منهم بداء العظمة، وتداخل حبه الكبير لنفسه مع الرغبة الأكيدة بالظهور المستمر كسياسي محنك ومحط اهتمام الناس، وفي الواقع هم أضروا المجتمع بصراعاتهم المستمرة وأطماعهم المتزايدة.

إن شعورنا الإنساني بالرضا عن إنجازاتنا أمر طبيعي مبرر، أما أن يرى الإنسان نفسه قادراً على عمل أي شيء وبتفوق وزهوّ فقد قطع الشعرة التي تفصل بين الثقة بالنفس والغرور، ودواء المغرور يكون بالتجاهل التام لعل وعسى أن يكون سببا في عودة الرشد والعقل له، ونسأل الله ثبات العقل والدين.

back to top