اجتماع القمة الرابعة لمنظمة مجلس أوروبا

نشر في 21-05-2023
آخر تحديث 20-05-2023 | 18:52
 د. محمد أمين الميداني

توافد على العاصمة الأيسلندية (ريكافيك)، قادة وكبار المسؤولين في 46 دولة أوروبية أعضاء في منظمة مجلس أوروبا، لحضور اجتماعات القمة الرابعة لهذه المنظمة الأوروبية التي تم تأسيسها عام 1949.

واستمرت الاجتماعات يومي 16 و17 مايو 2023، وسبق أن عُقدت عدة قمم كان أولها عام 1993 في العاصمة النمساوية (فيينا)، والثانية عام 1997 في مدينة (ستراسبورغ) الفرنسية مقر هذه المنظمة، وأما الثالثة فكانت عام 2005 في العاصمة البولونية (وارسو)، وانضمت لاجتماع القمة الرابعة رئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس المجلس الأوروبي، وحضر أيضا عدد من المراقبين من منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وجاء اختيار العاصمة الأيسلندية نظرا لأن هذه الدولة الأوروبية ترأس اجتماعات لجنة وزراء منظمة مجلس أوروبا، إحدى هيئات المنظمة، اعتبارا من بداية هذا العام وحتى نهاية الشهر القادم عملا بتبادل رئاسة هذه اللجنة كل ستة أشهر بين أعضاء المنظمة والذين يبلغ عددهم 46 دولة أوروبية، ولعله من المفيد أن نذكر بأن منظمة مجلس أوروبا هي منظمة أوروبية مختلفة عن الاتحاد الأوروبي الذي يضم في عضويته 27 دولة أوروبية كلهم أعضاء في مجلس أوروبا، ولكن هذا الأخير يضم دولا أوروبية ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل: أوكرانيا، وتركيا، وسويسرا، والمملكة المتحدة وشمال أيرلندا، وتهدف منظمة مجلس أوروبا إلى تعزيز الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون وليس لها أية نشاطات أو سياسات اقتصادية أو مالية أو دفاعية في الدول الأعضاء أو خارجها.

وتأتي هذه القمة الجديدة وبعد طول انقطاع في أجواء حساسة وأوضاع جديدة وتطورات مختلفة عرفتها القارة الأوروبية منذ الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا في 24/ 2/ 2022، وما تبعه من تدخلات سياسية، وحملات إعلامية، وصفقات عسكرية، وسباق جديد للتسلح، ونزوح وتدفق للاجئين الأوكرانيين لأراضي دولة أوروبية مجاورة وبعيدة أيضا.

ولا بد أن نذكر بأن مجلس وزراء مجلس أوروبا، قد علق عضوية الاتحاد الروسي في المنظمة في شهر مارس 2022 بسبب غزوه لأوكرانيا كدولة أوروبية مجاورة وعضو أيضا في المجلس، وما سيتبع ذلك من تعليق مشاركة هذا الاتحاد في كل هيئات المنظمة ونشاطاتها، ونتج عنه أيضا تنصله من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي اعتمدها مجلس أوروبا عام 1950، وبالتالي توقف عضويته في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أسستها هذه الاتفاقية الأوروبية، لكن هذا التوقف والتنصل من الاتفاقية الأوروبية لم يمنع المحكمة الأوروبية من الاستمرار في نظر القضايا التي عرضت عليها، سواء الحكومية أو الفردية، بخصوص انتهاك الاتحاد الروسي لأحكام الاتفاقية والتي التزمت بها منذ عدة سنوات وقبل غزوها للأراضي الأوكرانية.

وترأس قادة كل من ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والمملكة المتحدة اجتماعات هذه القمة، كما عقدت طاولة مستديرة بهدف البحث عما يمكن أن تقدمه منظمة مجلس أوروبا من مساعدات لأوكرانيا وشعبها، كما أنشأت القمة «سجل الأضرار» التي نتجت عن الغزو الروسي لأوكرانيا، كخطوة دولية أوروبية أولى بقصد تعويض ضحايا هذا الغزو عن جريمة العدوان وإمكانية محاسبة المسؤولين عما ارتكب من جرائم حرب في أوكرانيا.

كما أكدت القمة أهمية تعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والديموقراطية في بلدان المنظمة، والحيلولة دون تراجعها حيث ظهرت بعض الدلائل المقلقة في عدد من البلدان الأوروبية حيال مكانة الديموقراطية في مؤسساتها ونشاطاتها، وتم اعتماد إعلان حول المبادئ الديموقراطية وتأكيد الالتزام بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذلك تطوير الوسائل لمواجهة التطورات والمستجدات في مجال التكنولوجيا وحماية البيئة، وتم تخصيص جائزة بقصد (تمكين المرأة)، وأطلق عليها اسم الرئيسة الأيسلندية السابقة، تمنحها سنويا الجمعية البرلمانية، إحدى هيئات منظمة مجلس أوروبا.

لقد تصدرت أحداث أوكرانيا وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية جدول أعمال القمة الرابعة لمجلس أوروبا، وكانت مناسبة لتأكيد دعم قادة الدول الأوروبية لهذا البلد الأوروبي، وبعد أن زار رئيسها العواصم الأوروبية: باريس، وبرلين، وروما، ولندن، ولم يفته أن يزور أيضا حاضرة الفاتيكان في جولة أوروبية حظيت بتغطية إعلامية واسعة.

تشكل القمة الرابعة لمنظمة مجلس أوروبا منعطفا جديدا في سجلها وبخاصة فيما يتعلق بمجريات الأحداث التي عرفتها أوكرانيا منذ الغزو الروسي، وما استتبع ذلك من نتائج أثرت على العديد من البلدان الأوروبية وعلى مختلف الصعد، ولا شك أن انتهاكات حقوق الإنسان، على تنوعها وتعددها والتي كانت من بين هذه النتائج، قد شغلت أذهان قادة البلدان الأوروبية الذين شاركوا في هذه القمة، وفرضت نفسها كمحاور للعديد من المناقشات والمقترحات والبرامج التي أفرزتاه القمة، ولعل هذه الأخيرة ومخرجاتها ستلقي على هذه المنظمة مزيدا من الأضواء وستلفت إليها الأنظار لأنه قليلا ما يأتي ذكرها أو التطرق إليها في الوقت الذي يحظى فيه الاتحاد الأوروبي بكل الاهتمام والدعاية والمتابعة، وإذا كانت هذه هي الحال في أوروبا فكيف عليه الحال في العالم العربي؟ فنادرا ما يتم التطرق إلى منظمة مجلس أوروبا أو الحديث عنها أو متابعة نشاطاتها، ولا نهتم إلا بالاتحاد الأوروبي وما يمكن أن يقدمه من مساعدات ومعونات مالية وما يبرمه من صفقات تجارية مع دول عالمنا العربي!

ولعل في انعقاد هذه القمة الأوروبية وما نتج عنها من قرارات وتوصيات فرصة جديدة للباحثين والطلبة في الجامعات العربية للاهتمام بمنظمة مجلس أوروبا وهيئاتها وأهدافها وكتابة المزيد عنها، والبحث في نشاطاتها التي تجري في عدد من العواصم العربية ومدنها.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top