الشعب الفلسطيني ضحية الفصل العنصري

نشر في 01-11-2022
آخر تحديث 31-10-2022 | 19:14
 د. محمد أمين الميداني نشرت صحيفة (اللوموند) الفرنسية، بتاريخ 28/ 10/ 2022، منبرا مشتركا لعدد من وزراء الخارجية الأوروبيين السابقين بخصوص ما يحدث في الأراضي العربية المحتلة، والسياسة التي تتبعها إسرائيل في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال، وشارك في هذا المنبر وزراء خارجية: الدنمارك، ويشغل هذا الوزير منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، وفنلندا، وسلوفينيا، وفرنسا، ووزيرة الدولة للشؤون الخارجية في المملكة المتحدة.

لفت هؤلاء الوزراء في منبرهم الانتباه إلى انشغال المجتمع الدولي بما يحدث في أوكرانيا، والسعي إلى تشييد نظام عالمي يقوم على احترام قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، في الوقت الذي يبقى فيه هذا المجتمع صامتا، وفي أغلب الأحوال، حيال الانتهاكات الخطيرة لهذه الحقوق في أماكن أخرى من العالم، وعدم معاقبة المسؤولين عنها، علما أن تعزيز هذا النظام العالمي يتطلب تطبيق تجانس وتناغم في مواقفه حيال كل القضايا والبلدان، لا قضايا وبلدان دون غيرها!

وطالب هؤلاء الوزراء، وهنا بيت القصيد، أن تطبق المعايير نفسها التي يعتمدها المجتمع الدولي لحماية المدنيين في أوكرانيا، والمحاسبة على ما يقع على أراضيها من انتهاكات لحقوق الإنسان، أن تطبق على نزاعات أخرى، ومن بينها النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وكان لافتا للنظر مطالبتهم أيضا بأن يشكل إجماع المجتمع الدولي على عدم شرعية، وعدم أخلاقية خمسة عقود من احتلال الأراضي الفلسطينية، العمود الفقري للسياسة الأوروبية في علاقاتها مع إسرائيل، وإذا كانت سياسة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تقوم على حل الدولتين اعتمادا على السيادة والمساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تُعّد هذه السياسة حجر الزاوية في سياسة الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، إلا أن مجريات الأمور، ووقائع الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة تصب، حسب هذا المنبر، في اتجاه مخالف لهذه السياسة!

ولفت الوزراء النظر إلى رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الاحتلال، وهو ما يناقض قواعد القانون الدولي، ناهيك عن عمليات الاستيطان غير المشروعة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولم يفت الوزراء أن يشيروا إلى القمع الذي يتعرض له المجتمع المدني الفلسطيني، وكيف تم اعتبار ست منظمات غير حكومية فلسطينية منظمات غير شرعية، كما أنهم ذكروا بمقتل الصحافية الفلسطينية (شيرين أبو عاقلة) في أثناء ممارستها مهنتها الصحافية وذلك دليل الاستخفاف المتزايد والممنهج بحقوق الفلسطينيين وحرياتهم.

إن العنوان الذي اختاره هؤلاء الوزراء لمنبرهم: «وضع حد لسياسة الفصل العنصري في إسرائيل يُعّد أساس الوصول إلى حل الدولتين»، يعكس ما خلصت إليه بعض المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية، والمنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وكذلك المجتمع المدني الفلسطيني من أن نظام القمع الذي تنتهجه الحكومات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وبخاصة في الأراضي العربية المحتلة، ينطبق عليه مصطلح (الفصل العنصري أو الأبارتهايد).

لقد مارست حكومات دولة جنوب إفريقيا جريمة الفصل العنصري على مدى عقود، إلى أن تم تحرير هذا البلد الإفريقي من تلك السياسة بعد خروج المناضل الكبير (نيلسون مانديلا) من السجن الذي أمضى فيه 27 عاما، ووصوله إلى حكم هذا البلد نتيجة إجراء انتخابات عامة، مما أتاح له أن يشغل منصب رئيس جمهورية جنوب إفريقيا أعوام 1994-1999.

واهتم المجتمع الدولي بما يحدث في جنوب إفريقيا، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها عام 1973، وبدء العمل بها عام 1976، وتم تعريف (جريمة الفصل العنصري) في المادة 2 من هذه الاتفاقية، حيث تعني هذه الجريمة:

«(أ) حرمان عضو أو أعضاء في فئة أو فئات عنصرية من الحق في الحياة والحرية الشخصية:



1- بقتل أعضاء من فئة أو فئات عنصرية.

2- بإلحاق أذى خطير، بدني أو عقلي، بأعضاء في فئة أو فئات عنصرية، أو بالتعدي علي حريتهم أو كرامتهم، أو بإخضاعهم للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة.

3- بتوقيف أعضاء فئة أو فئات عنصرية تعسفا وسجنهم بصورة لا قانونية.

(ب) إخضاع فئة أو فئات عنصرية، عمدا، لظروف معيشية يقصد منها أن تفضي بها إلى الهلاك الجسدي، كليا أو جزئيا.

(ج) اتخاذ أية تدابير، تشريعية وغير تشريعية، يقصد بها منع فئة أو فئات عنصرية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، وتعمد خلق ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة أو الفئات، وخصوصا بحرمان أعضاء فئة أو فئات عنصرية من حريات الإنسان وحقوقه الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل، والحق في تشكيل نقابات معترف بها، والحق في التعليم، والحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والإقامة، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية الاجتماع وتشكيل الجمعيات سلميا.

(د) اتخاذ أية تدابير، بما فيها التدابير التشريعية، تهدف إلى تقسيم السكان وفق معايير عنصرية بخلق محتجزات ومعازل مفصولة لأعضاء فئة أو فئات عنصرية، وبحظر التزاوج فيما بين الأشخاص المنتسبين إلى فئات عنصرية مختلفة، ونزع ملكية العقارات المملوكة لفئة أو فئات عنصرية أو لأفراد منها.

(هـ) استغلال عمل أعضاء فئة أو فئات عنصرية، لا سيما بإخضاعهم للعمل القسري.

(و) اضطهاد المنظمات والأشخاص، بحرمانهم من الحقوق والحريات الأساسية، لمعارضتهم للفصل العنصري».

ونذكّر بهذا الخصوص بالتقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية، في الأول من الشهر الثاني من هذا العام بعنوان: «نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية»، ومما جاء في هذا التقرير: «يُظهر تحقيق جديد لمنظمة العفو الدولية أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها: في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك ضد اللاجئين الفلسطينيين، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين، ويرقى هذا النظام إلى مستوى الفصل العنصري، الذي يحظره القانون الدولي».

إن الأحداث التي تشهدها منذ أشهر القارة الأوروبية، والمعارك التي تجري على أراضي أوكرانيا، والاهتمام بمجريات هذه المعارك وتفاصيلها، والذي نراه ونسمعه على مدار اليوم وبخاصة في الإعلام الغربي، يجب ألا يكون الموضوع الوحيد الذي يشغل الإعلام غربا وشرقا، بل يجب إفساح مساحات واسعة لما يحدث في مناطق أخرى في العالم، وبالذات ما يحدث في فلسطين وما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلية من اغتيالات واعتقالات وتدمير وانتهاكات على اختلاف أشكالها في حق الشعب الفلسطيني وفي الأراضي الفلسطينية، وهو ما يجب أن تهتم به أيضا وسائل الإعلام علما بأنه مستمر منذ عقود ومرشح للاستمرار، وربما بأشكال أكثر خطورة وجسامة وبشاعة! ومن هنا تأتي أهمية المنبر السياسي لوزراء الخارجية الأوروبيين السابقين بخصوص لفت الانتباه لخطورة سياسية الفصل العنصري الإسرائيلية، ولا شك أن مناصبهم قد سمحت لهم بالاطلاع في فترات مختلفة على تفاصيل وأوضاع صعبة وخطيرة يعيشها الشعب الفلسطيني، فجاء التنبيه إلى ضرورة الاهتمام بها ومتابعتها لئلا تغيب عن الأذهان في أوروبا وفي العالم قاطبة.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top