الزيواني: إفريقيا غائبة عن مدونة السرد العربي

وصول روايته للقائمة القصيرة لجائزة البوكر أنعش الاهتمام بأدب الصحراء

نشر في 10-05-2023
آخر تحديث 09-05-2023 | 20:10
الصديق حاج أحمد الملقب بـ «الزيواني»
الصديق حاج أحمد الملقب بـ «الزيواني»
ارتبط اسم الأديب الصديق حاج أحمد، الملقب بـ «الزيواني»، بأدب الصحراء، فهو من أبرز روائيي الجزائر المهتمين برصد الحياة الصحراوية، سواء في الجزائر أو إفريقيا بشكل عام، ليضاف اسمه بجانب الرواد السابقين، كعبدالرحمن منيف، وإبراهيم الكوني، وزادت مكانته رسوخاً بعد وصول روايته الأخيرة (مَنَّا... قيامة شتات الصحراء) إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية 2023، والتي يستعرض فيها حياة أهل مالي، ويقدم وجبة دسمة من المتعة والتاريخ ورحلة في قلب الفضاء الصحراوي. وتوَّج الزيواني مسيرته لحد الآن بجملة من الكتب والأعمال الروائية التي تتناول الصحراء وجغرافيتها وإنسانها وتشكلاتها الثقافية والتراثية وطقوسها، مثل: «كاماراد رفيق الحيف والضياع»، و«مملكة الزيوان» و«رحلاتي لبلاد السافانا» وغيرها. وفي حواره مع «الجريدة» يتحدث عن أدب الصحراء، والأدب الإفريقي، ووصول روايته (مَنّا... قيامة شتات الصحراء) للقائمة القصيرة للبوكر العربية، وأعماله ومسيرته الأدبية.

• من بين 16 عملاً روائياً تم اختيار رواية «منا... قيامة شتات الصحراء»، ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في دورة 2023، كيف استقبلتم هذا التتويج؟ وما الذي تضيفه إليكم؟

- استقبلتُ هذا التتويج بكثير من البهجة، بحكم أنني أقطن في منطقة معزولة بالصحراء، يمكن تسميتها بالهامش أو الربع الخالي، إضافة إلى ذلك كونها الرواية الجزائرية الوحيدة، ما جعلها تمثل الرواية والأدب الجزائري.

دائماً الجوائز وقوائم البوكر تقرِّب النصوص من القارئ، وتجعل الكاتب مكرساً، ما يفتح له آفاقاً في تلقي نصوصه من جمهور القراء، وكذا إمكانية ترجمتها للغات عالمية.

• من عوالم الصحراء بين جنوب الجزائر وشمال مالي، عندما يحوِّلها الجفاف والمجاعة والوضع القبلي إلى مرآة تعكس جبروت الصحراء وهشاشتها في آن واحد، ما الرسالة التي يرى الزيواني أنه قدَّمها من خلال نصه الروائي الجديد؟

- حاولتُ من خلال نص «منّا...» أن أثير قضية منسية في سلة مهملات التاريخ، رغم خطورتها، ويتمثل ذلك في جفاف 1973 الذي أصاب شمال مالي، وأهلك المراعي والمواشي، ما أجبر السكان البدو على الرحيل نحو دول الجوار، وتكوين ما يسمى بالشتات التارقي. ولعل الهجرة الأكثر إثارة وخطورة على مسار المنطقة إقليمياً، كانت لليبيا، حيث تم استغلال ضعفهم، وفتح لهم معسكرات التدريب، على أمل معاونتهم في قيام دولتهم بشمال مالي، والتي لطالما تمنوها وعملوا كل ما بوسعهم من أجل تحقيقها، لاسيما في ثورة كيدال سنة 1963.

• هل ترى هذه الرواية إضافة نوعية بالنسبة لك؟

- الذين اطلعوا على النص من النقاد، قالوا إن نص «منّا...» تجاوز رواية «كاماراد»، وهذا ما يبحث عنه الروائي، أن يقدم جديداً ولافتاً لمدونة السرد العربي، التي أهملت كثيراً الجوار الإفريقي والزنجي.

• تتناول كتاباتكم الإبداعية أحداثاً لها علاقة مباشرة بالواقع والتحولات الجغرافية والاجتماعية، هل ينبع اختياركم للموضوع من الواقع المحيط فقط؟

- الكتابة وعي قبل كل شيء، فالكاتب عندما يعي ذاته والمحيط الخارجي المحيط به، يمكنه أن يستوعب قضايا راهنه وأسئلته الحائرة في أزمنة التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل، لذلك عادة أتصيَّد ثيمات نصوصي من خلال رصدي للواقع، وما يتشكَّل عندي من أسئلة حوله، عندها أجد إلحاحاً ذاتياً وداخلياً يدفعني للكتابة حول الموضوع الذي يؤرقني، ولا أجد الراحة والسعادة، إلا عندما أجلس للكتابة حوله.

• هل بناء شخصيات مُتخيلة في عمل روائي أسهل من توظيف شخصيات حقيقية، خصوصاً أن توظيف شخصيات حقيقية في أعمال روائية كثيراً ما يُقابَل ببعض الجدل؟

- لكل واقع معادل موضوعي في التخييل، غير أن الروائي، وبما يملك من خيال، يمكنه استدعاء الواقع وهدمه وإعادة تشكيله وفق متخيله.


من إصداراته من إصداراته

• حملت رواية «كاماراد» لواء الرواية العربية الوحيدة، التي تغلغلت في إفريقيا، برأيكم هل لاتزال إفريقيا «ما وراء الصحراء الكبرى» مغيّبة في مدونة الرواية العربية؟

- نعم، هناك تغييب وتهميش للجوار الإفريقي الزنجي في الرواية العربية، وهذا ما حاولتُ استدراكه، باعتراف النقاد والقراء.

• في روايتكم «مملكة الزيوان» تناولتم الكثير من الأسرار التي تود صحراء «أدرار» البوح بها، هل تعيش الصحراء الجزائرية تهميشاً متعمداً؟

- رواية «مملكة الزيوان» كانت البداية، لذلك من الطبيعي أنها جاءت لاسترضاء الذات الباحثة عن هويتها، إذ حاولتُ فيها رصد التحولات الاجتماعية التي مرَّت بها منطقة توات خلال ثلاثة عقود، معرجاً على طرح بعض الأسئلة الناتئة، التي خلخلت السائد في الذهنية، كحرمان المرأة من الميراث، بزعم تحبيس التركة على الذكور دون الإناث، فجاءت الرواية كصرخة ضد مجتمع ذكوري هضم حقها.

ما بعد «البوكر»

• بعض الأسماء الروائية التي حصلت على «البوكر» لم تقدم جديداً بعدها، ما رأيك؟

- ليس دائماً، فهناك كُتاب فازوا بجوائز وظلوا يراوحون مكانهم، بالمقابل هناك آخرون حلَّقوا بعيداً في الكتابة والخلود. في تقديري، النص الخالد هو النص الذي يدافع عن نفسه، ويصمد، ويقاوم للبقاء، كما يفرض نفسه على العدو قبل الصديق قول الحقيقة فيه.

• ظاهرة الرواية النسوية بالمعنى الإبداعي، كيف يقيم الروائي أحمد الزيواني السرد الروائي النسوي في العالم العربي؟

- المرأة العربية قطعت أشواطاً كبيرة في رحلة السرد العربي، وراكمت نصوصاً جليلة، فاقت أحياناً ما كتبه الرجال، لذلك فالإبداع متكامل بين المرأة والرجل، إذ لكل منهما، ووفق تكوينه الفيزيولوجي والمورفولوجي، خصائص وتفاصيل لا يمكن معرفة الآخر بها، لذلك فالعملية تكاملية في تقديري لا تنافسية.

الرواية الجزائرية

• ما تقييمك لواقع الرواية في الجزائر؟

- الرواية الجزائرية في رواق جيد عربياً، فهناك جيل جديد يكتب بدم جديد، يحاول تجريب تقنيات سردية، ويحرث في مناطق مجهولة، بعيداً عن المواضيع المكررة والمستنسخة.

• ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة؟

- أنبري حالياً لكتابة رواية رابعة، ضمن مشروعي السردي، الذي يظل يحرث ويزرع في مناخات الصحراء الكبرى، وما جاورها من بلاد الزنوجة.

«مملكة الزيوان»

يُعد الروائي الزيواني من الأصوات المتميزة في التجربة السردية الجزائرية، واستطاع أن يأخذ مكانته في المشهد الأدبي الجزائري، ودشن مسيرته الأبية بروايته «مملكة الزيوان»، التي يرصد فيها المتغيرات الاجتماعية التي مرت بها الجزائر عامة، ومنطقة أدرار في الصحراء الجنوبية ومحيطها خاصة، ويصور حياة الناس حينما تجتاحهم متغيرات عديدة، ويلفهم الانشغال بالمستقبل والخصوصية، فيُدفن التاريخ، ويبقى رهناً للذكريات.

وتعكس روايته الثانية (كاماراد... رفيق الحيف والضياع) ظاهرة هجرة الأفارقة غير الشرعية في صور فنية إبداعية، ونالت اهتمام الروائيين الذين أخذوا يروون قصص هؤلاء المقامرين، لتسليط الضوء على هذه الظاهرة.

أما الرواية الثالثة (مَنّا... قيامة شتات الصحراء)، فجاءت لتعرية أسباب هجرة الطوارق والعرب الحسّان من شمال مالي نحو الجزائر.

يُذكر أن الصديق حاج أحمد، من مواليد عام ‏‏1967 بزاوية الشيخ المغيلي في ولاية أدرار الصحراوية بالجزائر، وحصل على شهادة الدكتوراه في اللسانيات من جامعة الجزائر المركزية، وهو أستاذ لسانيات النص وفقه اللغة بجامعة أدرار. مهتم بالدراسات التاريخية الأنثربولوجية. صدر له في هذا المجال: التاريخ الثقافي لإقليم توات، الشيخ محمد بن بادي الكنتي حياته وآثاره.

back to top