بقايا خيال: يُولد الإنسان ووالداه يهوّدانه أو ينصّرانه

نشر في 05-05-2023
آخر تحديث 04-05-2023 | 19:18
 يوسف عبدالكريم الزنكوي

لم يختر أحد منا دينه أو مذهبه بإرادته لأنه وجد نفسه إما مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو حتى بلا دين، وإذا كان التاريخ قد أصابه كثير من التحريف والتزوير، من أجل أن يناسب رغبات الحكام وتوجهات السياسيين، فمن الذي يقدر أن يجزم بأن هذا المذهب أو الفريق هو الناجي من النار؟ ومن منا يقدر أن يجد الوقت الكافي للتأكد من أن هذا الدين أو ذاك هو الذي سيوصلنا إلى الحقيقة دون أن تكون نتيجة البحث صادمة للكثيرين؟ ولهذا قبل كل منا بمصيره معتمداً على ما تلقاه من علوم أسرية ومدرسية ومجتمعية في كيفية التعامل مع الآخرين.

عند الارتباط بالصداقات والمواثيق الزوجية والحصول على الدعم الاجتماعي نفاجأ بأن الغالبية تضع الدين من أولويات هذا الارتباط، حتى لو لم يكن من يماثلها في الدين على خلق قويم، ذلك لأن تراثنا علمنا أبجديات التعامل الاجتماعي من خلال (اللي مو على دينك، ما يعينك!)، على الرغم من أن أي واحد منا لديه أصدقاء غير مسلمين تكونت صداقاتنا معهم بسبب حسن أخلاقهم التي تفوق أخلاقيات كثير من المسلمين من أدعياء التدين.

وكلمة «دينك» التي ذكرت في هذا المثل لا تقتصر على الدين أو المذهب فقط، إنما تندرج تحتها قائمة طويلة من المحظورات التي تمنع زواج حتى الأقارب من بعضهم، فالقائمة تشتمل على الاسم والنسب والعرق واللغة والجنسية والمنصب والمال والمدخول والطائفة والقبيلة وغيرها من مسببات التفريق بين البشر، حتى إن مروا على الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».

الغريب أن غالبية من تلتقي بهم من الأصدقاء أو زملاء العمل، يؤكدون أنهم لا ينظرون إلى الدين عند نشوء الصداقات، ولا يهتمون بالعرق أو القبيلة أو الطائفة عند تكوين الزيجات أو الأسر، بقدر اهتمامهم بالأخلاق، ولكن عند ساعة الحقيقة في الزواج يلحسون كل هذا الكلام ويضربون بمبادئهم ومثلهم العليا عرض الحائط، وكل ما سمعته قبل ساعة الحقيقة هو للاستهلاك المحلي فقط، فإذا كنت أنت أو غيرك من القلة القليلة التي تؤمن بهذه الآيات القرآنية الإلهية قولاً وعملاً، فهناك غالبية تبيع في مدينتهم الفاضلة بضاعة كلامية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، حتى إن ادعت زوراً وبهتاناً أنها صالحة، لأن هذه الغالبية في قرارة نفسها كاذبة ومنافقة.

أقول هذا لأنني رأيت بأم عيني أناساً يزوجون بناتهم لغير مسلمين بأبخس الأثمان ودون معوقات، وفي الوقت نفسه لا يرضون أن يزوجوهن لمن يدين بغير مذهبهم حتى لو كان من نسل رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل يصدرون البيانات التي تدين الزواج من «خارج الأسرة»، لاحظ أن هذا زواج وارتباط أسري فقط، والذي يفترض أن يكون معقداً بروتوكولياً، فما بالك بالتعيينات في مناصب قيادية يسيل لها اللعاب؟

back to top