السودان: المعارك تمتد لدارفور ومساعٍ لهدنة خامسة

البرهان يوافق على مبادرة «إيغاد» وحميدتي مهتم بتدخل السعودية... وبلينكن يواصل الضغوط

نشر في 28-04-2023
آخر تحديث 27-04-2023 | 18:47
سودانيون يفرون من الخرطوم أمس الأول  (رويترز)
سودانيون يفرون من الخرطوم أمس الأول (رويترز)
رغم المساعي الأميركية والإقليمية لوقف إطلاق النار في السودان بشكل كامل للمرة الخامسة منذ منتصف أبريل، احتدمت المعارك في العاصمة الخرطوم، بين الجيش، الذي وافق مبدئياً على مبادرة إفريقية لإجراء محادثات، وقوات الدعم السريع، التي أبدت انفتاحها على جهود السعودية لحل الأزمة.

في آخر أيام الهدنة الرابعة بين قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان، وزعيم قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو «حميدتي»، شهدت الخرطوم لليوم الثالث عشر قصفاً جوياً وهجمات متبادلة بمختلف أنواع الأسلحة بين العسكريين المتنافسين، كما احتدم القتال بينهما في إقليم دارفور المضطرب، في وقت لاذ عشرات الآلاف بالفرار إلى إفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وجنوب السودان.

ومع تكثيف الولايات المتحدة جهودها لتمديد وقف إطلاق النار بين الفرقاء العسكريين، أعلن الجيش ليل الأربعاء- الخميس موافقة قائده البرهان مبدئياً على مبادرة للمنظمة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد) بتكليف رؤساء جنوب السودان، وكينيا، وجيبوتي بالعمل على حل الأزمة الحالية.

وأوضح الجيش السوداني أن المبادرة شملت «تمديد الهدنة الحالية إلى 72 ساعة إضافية»، و«إيفاد ممثل عن القوات المسلحة وآخر عن الميليشيا المتمردة إلى جوبا بغرض التفاوض».

ولم ترد بعد قوات الدعم السريع على مقترح تكتل شرق إفريقيا، واتهمت قوات الدعم الجيش بمهاجمتها أمس ونشر «شائعات كاذبة» دون الإشارة إلى المبادرة.

وخلافاً، لتأكيد وزير خارجية جنوب السودان دينق دلو موافقة البرهان وحميدتي على دعوة رئيسه سلفا كير لإجراء لقاء بينهما لحل الأزمة الراهنة، نفت وزارة الخارجية السودانية صحة دخول الجيش في حوار مع قوات الدعم السريع، مؤكدة أنها تواصل خرق الهدنة بتعديها على أرواح المواطنين وممتلكاتهم ولا خيار لها سوى الاستسلام.

السعودية وأميركا

وقبل ساعات، أعلن حميدتي أنه بحث في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أزمة السودان. وقال: «أجريت نقاشاً مثمراً مع الأمير فيصل حول جملة من الموضوعات المتعلقة بالأزمة التي تعيشها بلادنا، وشرحت له أبعادها، وأسباب قيامها، والهدنة التي تم الاتفاق حولها لفتح ممرات إنسانية للمواطنين والمقيمين من الجاليات الأجنبية».

واختتم بقوله: «نشكر حكومة السعودية على اهتمامها المتواصل بقضايا شعبنا وحرصها على أمن واستقرار السودان والمنطقة».

وفي واشنطن، بحث وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد العمل معاً لوضع نهاية دائمة للقتال.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن «بلينكن وفكي اتفقا على أن استمرار قيادة الاتحاد الإفريقي لايزال ضرورياً للضغط على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لوقف العمليات العسكرية على الفور والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق».

الجيش يبشّر بانفراجة كبرى وعشرات الآلاف يفرون لإفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان

وفي بروكسل، قالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نبيلة مصرالي: «إن الهدف على المدى القصير هو المساهمة في إعلان وقف إطلاق نار دائم وإنشاء ممرات إنسانية، لذا فإننا نعمل مع شركائنا لإنشاء تحالف واسع النطاق».

انفراجة كبرى

وعلى الأرض، تواصلت الحرب الدائرة بلا رحمة بين البرهان وحميدتي على السلطة على الرغم من هدنة بوساطة أميركية تم الاتفاق عليها الثلاثاء. ولاتزال الطائرات الحربية تحلق في سماء العاصمة وفوق قيادة المنطقة المركزية، وينخرط المقاتلون من الجانبين في قتال عنيف بالأسلحة الثقيلة والبنادق الآلية.

وفي بيان جديد، أعلن الجيش أن الأيام القادمة ستشهد انفراجاً كبيراً في الأوضاع على الأرض، مؤكداً أنه «يسيطر على معظم ولايات الموقف العسكري، والوضع مستقر جداً باستثناء ولاية غرب دارفور ومعقد قليلاً في بعض أجزاء العاصمة بسبب حشد قوات الدعم السريع معظم قوتها فيها ومواصلتها القصف العشوائي لمناطق وسطها».

وأقرّ الجيش أن ولاية غرب دارفور تشهد صراعاً قبلياً يجري معالجته بواسطة السلطات المحلية، وقواته متماسكة وتؤدي دورها الوطني في دحر التمرد بثبات وثقة في كل الاتجاهات.

وأسفرت المعارك حتى الآن عن مقتل 512 شخصاً على الأقل وجرح الآلاف، بحسب وزارة الصحة الاتحادية، ولكن قد يكون عدد الضحايا أكثر من ذلك نتيجة القتال المستمر.

وأوضحت نقابة الأطباء، أمس، أن الخرطوم وحدها شهدت الأربعاء سقوط 8 من هؤلاء القتلى على الأقل خلال اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة تعرض 14 مستشفى للقصف، وتوقف 19 منشأة طبية عن العمل بسبب الاشتباكات.

فرار للخارج

وخارج الخرطوم، التي واصل من يعانون للحصول على الطعام والماء والوقود، الفرار منها، تصاعد العنف في أجزاء أخرى بما في ذلك إقليم دارفور المضطرب غرب السودان. وأفاد شهود في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور بوقوع «اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع لليوم الثاني على التوالي بمختلف أنواع الأسلحة».

وفرّ مواطنو الجنينة باتجاه الحدود التشادية. وانتشرت أعمال نهب وحرق للمنازل في الجنينة، بحسب بيان للأمم المتحدة أوضح أن «نحو 50 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد بعد تعطل دعم الغذاء بسبب القتال».

ومع اشتداد حدة القتال في مدن سودانية عدة، يواجه عدد كبير من المحاصرين نقصاً حاداً في الغذاء والماء والكهرباء، فضلاً عن انقطاع خدمات الاتصالات بشكل متكرر.

كما غامر عدد كبير بالخروج من العاصمة في رحلات شاقة وطويلة إلى مصر في الشمال وإثيوبيا في الشرق. وتلقت الأمم المتحدة «تقارير تفيد بوصول عشرات الآلاف لإفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وجنوب السودان».

ولا يزال العديد من الأجانب عالقين رغم النزوح الجماعي على مدى الأيام القليلة الماضية في واحدة من أكبر عمليات الإجلاء منذ انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان في عام 2021.

ونظمت الحكومات الأجنبية من جميع أنحاء العالم في الأيام الأخيرة قوافل برية وطائرات وسفن لإجلاء الآلاف من مواطنيها.

وأعلنت السلطات الفرنسية، أمس، أن بحريتها نقلت قرابة 400 أجنبي من السودان إلى السعودية، ليرتفع عدد الأشخاص الذين أجلتهم باريس منذ بداية الأزمة إلى أكثر من 900 شخص.

وفي لندن، دعا وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، مواطنيه الراغبين في مغادرة السودان إلى الرحيل «الآن». وكانت لندن قد أجلت 536 شخصاً مساء الأربعاء على متن ست طائرات، بحسب وزارة الخارجية.

وفي برلين، أعلنت قيادة العمليات وصول آخر دفعة من جنود مهمة الإجلاء وصلوا إلى الأردن مع 65 شخصاً آخرين. وبهذا انسحب الجيش الألماني من نقطة تجمعه بمطار عسكري قريب من الخرطوم، بعد إنقاذه 780 شخصاً من أكثر من 40 دولة بينهم 230 ألمانياً.

بدوره، أكد مدير شرطة ولاية القضارف اللواء مدثر حسب الرسول «نقل 3936 أجنبياً قادماً من الخرطوم عبر معبر القلابات إلى إثيوبيا»، مشيراً إلى أنهم يحملون جنسيات الصومال، وتنزانيا، وموزمبيق، وكينيا، وجنوب إفريقيا، وارتيريا، وليبيريا، وجيبوتي، إضافة إلى الصين، وباكستان، ونيوزيلاندا، وتركيا، ومصر، واليونان، والبرازيل، وبريطانيا، والسويد.

back to top