خاص

السفير السوداني لـ «الجريدة•»: ما يحصل في بلادنا تمرّد وانقلاب مدعوم من قوى خارجية

• أكد أن المؤامرة تستهدف وحدة الدولة وسيادتها وليست صراعاً بين جنرالين

نشر في 25-04-2023
آخر تحديث 24-04-2023 | 20:34
السفير السوداني والزميل ربيع كلاس (تصوير ميلاد غالي)
السفير السوداني والزميل ربيع كلاس (تصوير ميلاد غالي)
بعد تصاعد التوتر أخيراً بين قوات «الدعم السريع»، التي يقودها نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، والجيش السوداني الذي يقوده الفريق عبدالفتاح البرهان، الذي يتولى رئاسة المجلس السيادي الانتقالي الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021، بسبب الخلاف بين الطرفين حول الجدول الزمني للانتقال الى حكم مدني بموجب «الاتفاق الإطاري»، الذي تم التوقيع عليه أواخر العام الماضي، ودمج قوات «الدعم السريع» في الجيش الوطني، ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج القوتين، وقع ما كان يخشاه الجميع، وأفاق السودانيون في 15 الجاري على أصوات اشتباكات عنيفة، واندلعت مواجهات عسكرية واسعة في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن بين هاتين القوتين.
«الجريدة» التقت السفير السوداني لدى البلاد عوض الكريم الريح بلة، الذي حاول اختزال ما يحدث في بلاده بقوله: «تمرد وانقلاب على الشرعية، بدعم إقليمي ودولي يستهدف وحدة الدولة وسيادتها»، نافياً في الوقت نفسه أن يكون البرهان «حصان طروادة» لأحد، وفيما يلي نص الحوار:

في 2021، نفّذ البرهان و«حميدتي» انقلاباً أطاح بالمدنيين من السلطة الانتقالية التي تكوّنت بين العسكر وقادة الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير بعد سقوط الأخير في 2019، ما الذي حصل في 15 الجاري، وأدى إلى ما يجري حالياً في بلادكم؟

- ما تم في 25 أكتوبر2021، كان إجراءات تصحيحية لعملية الانتقال. ذلك أن ما حدث خلال الانتقال ما بعد أبريل 2019 كان مخالفاً للتجارب التي سادت عقب الثورتين الشعبيتين اللتين ساندهما الجيش في أكتوبر 1964، وتُوِجت بالإطاحة بالجنرال إبراهيم عبود، وفي أبريل 1985، حيث أُطيح بالمشير جعفر النميري.

عقب انتهاء المرحلة الحالية سيتم إعلان الجهات التي تورطت في إسناد التمرد بالاسم

ففي كلتا الحالتين تم تكوين مجلسين أحدهما عسكري وكان بمنزلة الجسم السيادي، والآخر مجلس وزراء مدني من كفاءات مدنية مستقلة. ولغرض التشريع كان المجلسان يجتمعان معا لوضع القوانين والتشريعات. وكان أمد تلك الحكومتين الانتقاليتين محدوداً بفترة زمنية معلنة، كما كان تفويضهما منحصراً في تقديم الخدمات ومعالجة التشوهات التي أدت للثورة بطرق قانونية والتجهيز لإجراء انتخابات ليختار الشعب من يمثله.

وهنا تحضرني الضغوط الهائلة التي مُورِست على المشير عبدالرحمن سوار الدهب ليمد أجل الفترة الانتقالية عن عام، ذلك أن الأحزاب السياسية لم تكن مهيأة للانتخابات، لكنه رفض الانصياع لها، وتم إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ما أود أن أقوله إن هاتين التجربتين ما كان ينبغي أن تُهملا، بل كان يجب أن يُؤسّس عليهما.

لكن تجربة الانتقال ما بعد 11 أبريل 2019 وضعتهما جانباً، وأسست نموذجاً انتقالياً لم يشهده السودان أو محيطه القريب، إذ قامت شراكة عسكرية مع بعض السياسيين والواجهات النقابية.

«الدعم السريع» اعتقلت القوة المصرية في مطار مروي بهدف تحييد القاهرة عن اتخاذ موقف مساند للسودان

وفي يونيو 2019 تم توقيع الوثيقة الدستورية، وتشكّلت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لكنها لم تصمد نتيجة لاختلاف رؤى الأحزاب السياسية التي تشكَّلت منها، فحدث انسداد في الأفق السياسي أدى إلى قيام المكون العسكري في السلطة الانتقالية بإجراءات 25 أكتوبر في 2021، وطرحوا رؤية لتكوين حكومة تكنوقراطية تكون مهمتها المحافظة على معاش الناس، ومحاربة الفساد وإجراء الانتخابات، لكنهم لم ينجحوا في ذلك بسبب التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية التي تجسدت على سبيل المثال في الضغوط التي مُورست في سبيل الدفع نحو توقيع الاتفاق الإطاري الذي كفل مهام للحكومة الانتقالية لا تقوم بها إلا حكومات منتخبة، ومن ذلك ما تم طرحه في ورشة إصلاح المنظومة الأمنية التي انعقدت بمشاركة أجانب قِيل إنهم خبراء أمنيون، للتداول حول إعادة هيكلة وإصلاح المنظومة الأمنية التي تضم القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة و«الدعم السريع»، الأمر الذي قاد إلى تباين في وجهات النظر بين قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع الذي حدَّد قانونه تبعيته لرئيس أركان القوات المسلحة، حيث رأت قيادة القوات المسلحة أن الدمج يجب أن يتم خلال عامين، في حين أن قيادة الدعم السريع كانت ترى أن الدمج يجب أن يُنجز خلال 10 أعوام، وإزاء هذا التباين أصبحت قيادة الدعم السريع وتحالف الحرية والتغيير/ المجلس المركزي يضغطون في اتجاه أن تُوقِّع قيادة القوات المسلحة على الاتفاق النهائي، وإلا فإن الحرب ستكون هي البديل، وهو ما استيقظ عليه السودانيون صباح 15 أبريل الجاري.

صراع الجنرالين

• ما حقيقة ما جرى بين «الجنرالين»؟

- ما حدث لا يمكن وصفه إلا بأنه تمرّد على الدولة السودانية، ولا أعتقد أن هذا الصراع هو صراع بين جنرالين أو صراع بين قوتين، وأعتقد أن هذا تمرد مسنود بتأييد من قوى إقليمية ودولية تستهدف وحدة الدولة السودانية وسيادة الأراضي السودانية، ووضعية الشعب السوداني، وتوجيه البوصلة في السودان إلى خلاف ما يحقق المصلحة القومية، هذا ليس صراعا بين جنرالين أبداً هذا تمرد.

ومن المعلوم أنه لا تُوجد قوة عسكرية يمكن أن تتحرّك من دون تعليمات، لكن هذه القوة تحرّكت إلى منطقة مطار مروي الاستراتيجية من دون أمر تحرك، وعندما صدرت لها أوامر بالعودة رفضت الانصياع.

لذلك، فإن ما قامت به هذه القوات التي حاولت احتلال مطار مروي هو تمرد أو انقلاب عسكري مدعوم بقوى خارجية، كانت تريد أن تحتل هذه القوات المطار لتهبط عليه طائرات أجنبية محملة بالمؤن والذخائر، وكذلك لاتخاذه قاعدة هجوم جوي على باقي أجزاء البلاد.

قوى خارجية

• هل بإمكانك تسمية هذه القوى الخارجية المتورطة في هذه العملية؟

- لا تزال القيادة مشغولة بتصفية الجيوب المتبقية للتمرّد بعد أن أفقدته القوات المسلحة القيادة والسيطرة، ودمرت معسكراته ومقراته الرئيسية ومخازنه، وعندما تنتهي هذه المرحلة سيتم إعلان الجهات التي تورطت في إسناد التمرد بالاسم.

• لطالما اجتذب موقع السودان الاستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر وموارده الطبيعية الساعين إلى مصالح أو نفوذ في المنطقة... فهل فعلاً إن الحرب الدائرة في شوارع العاصمة السودانية منذ السبت الماضي، لا تنحصر بين قوتين عسكريتين بقيادة البرهان و»حميدتي» فحسب، بل تتعدّاها إلى حلفاء في المنطقة والعالم؟

- تتقاطع في السودان مصالح دولية وإقليمية كثيرة ومعقدة، مع وجود فاعلين سياسيين داخلين يتحالفون مع بعض القوى الإقليمية والدولية، ويتسابقون على تنفيذ أجندة هذه القوى، وهي مطامع ذات طبيعة أمنية، جيوسياسية، اقتصادية.

ربما كان لموقع السودان في وسط العالم وإطلالته على البحر الأحمر، الذي يُعد الممر المائي الإستراتيجي الأهم، هما ما جعلاه محط تدافع لقوى دولية وإقليمية طامعة.

«الإخوان»

• ثمة تقارير تُفيد بأنه تم خداع البرهان من قبل «الإخوان المسلمين» نظراً لأن عدداً كبيراً من قيادات الجيش السوداني من «الإخوان»، حيث يُقال إن البرهان أصبح جسراً لـ«الإخوان» لكي يعودوا من بوابة الجيش.

مساندة عربية تتطلع إلى عودة الاستقرار للسودان... لكن القضية شائكة ومعقدة

- غير صحيح تماماً أن الرئيس البرهان هو «حصان طروادة» لـ «الإخوان» أو لغيرهم، فكل قيادات المؤتمر الوطني منذ التغيير ظلت في السجون. وكذلك الحال بالنسبة للرئيس السابق عمر البشير، والضباط الذين اشتركوا معه في انقلاب 30 يونيو 1989، وتجري إلى الآن محاكمتهم بتهمة تقويض النظام الدستوري. أيضاً صادرت لجنة إزالة التمكين كل مقرات وأصول حزب المؤتمر الوطني. لقد اتخِذت كل تلك الإجراءات تجاه حزب المؤتمر الوطني خلال السنوات الأربع الماضية. وبالتالي من غير الوارد الحديث عن خداع الفريق أول البرهان من قبل «الإخوان المسلمين».

مساندة عربية

• أين العرب اليوم؟

- اعتقد أن القضية شائكة ومعقدة، لكن هناك مساندة عربية للسودان، حيث صدرت بيانات من العديد من الدول العربية، من بينها الكويت، تتطلع إلى عودة الاستقرار والأمن، وتدعو إلى مساندة السودان.

كما انعقد في اليوم التالي لاندلاع التمرّد اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين سادته روح تضامنية مع السودان.

اعتقال القوة المصرية

• لماذا تم اعتقال القوة المصرية في السودان؟

- بهدف تحييد مصر عن اتخاذ موقف مساند للسودان عند إقدام التمرّد على تنفيذ مخططه. لقد اعتادت القوات المسلحة على إجراء مناورات مع نظيراتها في عدد من دول الجوار كالمملكة العربية السعودية ومصر وتشاد، التي لدينا معها أيضاً قوة مشتركة لمراقبة الحدود. في هذا الإطار، ظل السودان ينفّذ مع الأشقاء في مصر مناورات جوية بقاعدة مروي العسكرية تحت مسمى «نسور النيل».

البرهان ليس «حصان طروادة» لأحد... وموقع السودان جعله عرضة لقوى طامعة

وقد تصادفت بداية هذه المناورات مع محاولة التمرد واقتحام القاعدة، أو أن المتمردين اختاروا توقيت بدء المناورات ساعة صفر لتحركهم، لإيهام الرأي العام بصدق مزاعمهم، فعمدوا إلى أسر الضباط والجنود المصريين في القاعدة الجوية لمطار مروي مع بعض رفاقهم من القوات المسلحة السودانية.

محاكمات

• هل سنشهد محاكمات؟

- بالتأكيد، لأن ما حدث يُعد اختراقاً كبيراً للأمن القومي، وتمرداً على قيادة البلاد والجيش، فضلاً عن كونه تخابراً مع جهات أجنبية تهدف للإضرار بالبلاد والعبث بمصالحها، وسيشمل ذلك القادة العسكريين والسياسيين على حد سواء.

• أنت قلت إن «قوات الدعم» هي التي هاجمت وبدأت الحرب، في المقابل قيل إنه تم استفزاز «الدعم السريع» من قبل الجيش.

- «قوات الدعم السريع» هي التي أطلقت الرصاصة الأولى. هنالك كثير من المؤشرات أبرزها الهجوم المباشر على مقر رئيس المجلس السيادي، واختطاف المفتش العام الفريق علي كوتي وعدد من الضباط والمعلمين والدارسين في معهد الاستخبارات.

عودة الكويتيين في الظروف الحالية... إنجاز عظيم

قدّم السفير السوداني التهنئة للكويت حكومة وشعباً بمناسبة عيد الفطر، كما قدم التهاني بمناسبة عودة المواطنين الكويتيين الذين كانوا في السودان، معتبراً ما حصل «إنجازا عظيما في الظروف الحالية» التي تمرّ بها بلاده. وأشاد بالجهات الرسمية الكويتية المتمثلة بوزارة الخارجية التي اهتمّت منذ البداية برعاياها، وقامت بالتنسيق مع الجهات المختصّة بنقلهم سالمين من الخرطوم إلى السعودية، ثم إلى الكويت.

السودان ثالث بلد إفريقي في الصناعة العسكرية

قال السفير بلة، إن «السودان هو ثالث بلد إفريقي من حيث الصناعة العسكرية»، لافتاً إلى أنه شرع من أوائل تسعينيات القرن الماضي في إنشاء منظومة للصناعات الدفاعية.

وأوضح أنه أصبح يكتفي بنسبة 90 في المئة ذاتياً من صناعاته العسكرية التي تشمل طائرات «الدرون»، والدبابات، والمدفعية، والأسلحة الخفيفة، والذخائر بكل أنواعها، وبات يصدّر الأسلحة والذخائر لبعض الدول في المنطقة.وتابع: أصبح السودان في الترتيب الثالث في إفريقيا بصناعة الأسلحة بعد جنوب إفريقيا ومصر، وبات من بين الدول الرئيسية التي تشارك سنوياً في معرض دبي للأسلحة «آيدكس».

back to top