الاستقصائي سيمور هيرش: كيسنجر ينشئ قناة اتصال سرية لسفراء أميركا «الأخيرة»

• خلال إصداره كتاب The Price of Power

نشر في 20-04-2023
آخر تحديث 19-04-2023 | 16:15
يكشف الصحافي الاستقصائي سيمور هيرش في كتابه The Price of Power «ثمن القوة» معلومات قيمة حول فترة حساسة جداً في الولايات المتحدة الأميركية، ويعتبر الكتاب تقريراً حول السياسة الخارجية الأميركية التي أشرف عليها هنري كيسنجر، خلال ولاية ريتشارد نيكسون الأولى في البيت الأبيض، كما يستكشف العلاقة بين رجلَين تعاونا لتحقيق ما يوحي أنه سلسلة لافتة من الانتصارات الدبلوماسية. خلال تلك السنوات، كانت الدبلوماسية الأميركية تهتم بالصين، وتم التفاوض على اتفاق يستحق الإشادة للحد من الأسلحة الاستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي، وتمت تسوية خلاف معقّد في برلين الغربية، ووصلت مشاركة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وهي من أهم المسائل التي تعاملت معها الرئاسة الأميركية في تلك الحقبة، إلى نهاية دراماتيكية عبر التوقيع على اتفاقية باريس للسلام في يناير 1973، بعد 3 أيام من بدء ولاية نيكسون الثانية. بدأ التحضير لهذا الكتاب، الذي تتناوله «الجريدة» على 5 حلقات، انطلاقاً من تجارب هيرش كمراسل في واشنطن لمصلحة صحيفة نيويورك تايمز، خلال السنوات التي شهدت فضيحة «ووترغيت»، عندما أدركت الصحافة، وأميركا كلها، حجم التباعد بين الحقيقة والقصص، لكن حتى في ذروة السخط العام إزاء أساليب وأخلاقيات كبار المسؤولين، تبقى السياسة الخارجية مقدسة في الولايات المتحدة... وإلى تفاصيل الحلقة الاخيرة:

تشمل المصادر الأساسية لكتاب سيمور هيرش أكثر من 1000 مقابلة مع مسؤولين أميركيين ودوليين، بعضهم متقاعد والبعض الآخر لا يزال في الحكومة، وقد شاركوا جميعاً في صناعة السياسة وتنفيذها بطريقة مباشرة.

ويقول هيرش في كتابه: «وافق معظم من قابلتُهم على ذكر أسمائهم، وقد استندتُ أيضاً إلى وثائق داخلية ومذكرات منشورة تعود إلى شخصيات شاركت في صنع التاريخ في تلك الحقبة». لكن رغم طلباته المتكررة، لم يوافق كيسنجر ونيكسون على مقابلة هيرش في المرحلة التحضيرية لهذا الكتاب.

على مر هذه الفترة الأولية، بقيت المؤشرات العلنية حول حقيقة ما يحصل ضئيلة. في بداية شهر أبريل، لاحظت شبكة يو إس نيوز آند وورلد ريبورت هيمنة كيسنجر التي تكلّم عنها البعض خلال رحلة نيكسون إلى أوروبا في شهر فبراير.

اقرأ أيضا

يبدو أن كيسنجر هو المسؤول الذي «يقدّم معظم البيانات إلى المراسلين»، وهو من يتكلم باسم الرئيس. لكن الشبكة الإعلامية حاولت أن تحافظ على موضوعيتها عبر تذكير القرّاء بأن روجرز كان «صديقاً مقرباً من الرئيس وكاتم أسراره»، وهو يستفيد من «صلاحيات لا يملكها الكثيرون داخل الإدارة الأميركية».

كان عدد من المسؤولين في الإدارة يعرف الحقيقة، لكن لم يجرؤ أحد على التكلم. وكان المدعي العام ميتشل من بين المسؤولين الداخليين الذين لم يخفوا ازدراءهم لروجرز أمام المقرّبين منه. ويتذكر أحد المساعدين أنه دخل يوماً إلى مكتب ميتشل في وزارة العدل، في بداية عام 1969، فوجد هناك كيسنجر وهو يخوض حديثاً معيّناً. لوّح ميتشل بيده أمام مساعده وحذّره لاحقاً: «يجب ألا تخبر أحداً بأنك شاهدتَ كيسنجر هنا. كلانا غاضب من روجرز».

وبعد مرور بضعة أشهر، كان ذلك المساعد يجيب على مكالمات ميتشل خلال رحلة خارج المدينة، فاتصل روجرز وطلب التكلم مع ميتشل، لكن أمره هذا الأخير بأن يخبره بأنه غير موجود. أمام احتمال الكذب على وزير الخارجية، فضّل الموظف أن يقول إن ميتشل يعجز عن الوصول إلى الهاتف. فقال له روجرز متوسّلاً: «أرجو أن تخبره أنني لا أفهم ما يحصل في باريس. يحصل أمر ما، ولا أعرف ما هو». حين نقل المساعد كلام روجرز، قال ميتشل من دون تفسير إضافي: «يُفترض ألّا يعرف أصلاً». أدرك المساعد لاحقاً أن كيسنجر كان يجري في تلك الفترة اجتماعات سرّية مع لو ديو ثو، كبير مفاوضي السلام باسم شمال فيتنام.



لم يكن نيتز يتصور أن يطلب منه أحد التجسس على سميث... كان الرجلان صديقَين قديمَين وهما يتبادلان الاحترام والتقدير

التطورات الداخلية

فوجئت جهات خارجية أخرى بمجريات الأمور، واندهش أيضاً بعض المسؤولين الذين يعتبرون أنفسهم مطّلعين على التطورات الداخلية. في شهر يونيو من تلك السنة، طلب روجرز من بول نيتز، موظف حكومي مرموق عمل في إدارات جمهورية وديموقراطية طوال 25 سنة، أن يصبح عضواً بارزاً في الوفد الأميركي المشارِك بمحادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية مع السوفيات، وأن يعمل تحت إشراف الرئيس الجديد لوكالة الحد من التسلح ونزع السلاح في إدارة نيكسون، رئيس الوفد المشارك في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية في جنيف، جيرارد سميث.

كانت نوبات الرهاب المتقطعة التي تصيب كيسنجر بشأن «حرس القصر» في البيت الأبيض تعكس أحياناً خوفاً منطقياً من الرجل الوحيد الذي يهمّه في تلك الإدارة

أزمة ثقة

وافق نيتز على العرض. وتعليقاً على تلك الفترة، يقول: «لطالما كنتُ على وفاق مع نيكسون، وأخبرني روجرز بضرورة أن أذهب لمقابلة نيكسون وكيسنجر، فذهبتُ». لم يكن روجرز مدعواً، وعرف نيتز السبب فوراً: «قال لي نيكسون: «يا بول، أنا لا أثق ببيل روجرز في ملف محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية. لا أظن أنه يفهم شيئاً عن هذا الموضوع. وبكل صراحة، لا أثق بجيرارد سميث أيضاً». لم يتفوه نيتز المصدوم بأي كلمة. وأضاف نيكسون: «أريد منك أن تذهب إلى هناك وتبلغني مباشرةً بكل ما يحصل».

فأجابه نيتز: «سيدي الرئيس، لا تسير الأمور بهذا الشكل. لا يمكنني أن أذهب إلى هناك وأنقل الأخبار إليك سراً. يجب أن أثق بسميث ويُفترض أن يثق هو بي. لا يستطيع الوفد أن يُخفي الأسرار عن الوزير وسميث». لم يكن نيتز يتصور أن يطلب منه أحد التجسس على سميث. كان الرجلان صديقَين قديمَين، وهما يتبادلان الاحترام والتقدير.

الأسلحة الاستراتيجية

تراجع نيكسون سريعاً وقال: «الوضع قد يفرض عليك التواصل مع الآخرين». ثم أوضح له أن كيسنجر وهيئة الأركان المشتركة ابتكرا خط تواصل خاصا ومنفصلا، يُعرَف في الحكومة كقناة خلفية، لتمكين نيتز ومندوبين منتقين آخرين في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية من التواصل مع البيت الأبيض مباشرةً، ومن دون علم سميث. عرف نيتز أن أنظمة الاتصالات هذه، وما يرافقها من رسائل مشفّرة ومحطات طباعة خاضعة لحراسة مشددة، كانت جزءاً أساسياً من البيروقراطية في واشنطن، وكان الرجال في أعلى مراتب السلطة يتّكلون على هذا النوع من الأدوات السريعة والخاصة للتواصل مع مرؤوسيهم. وتابع الرئيس قائلاً إن نيتز يستطيع استعمال قناة خلفية، عند الحاجة، للتواصل مباشرةً مع كيسنجر الذي ينقل بدوره تقارير نيتز إلى مكتبه. لم يتكلم كيسنجر كثيراً، وانتهى ذلك الاجتماع بأضعف الطرق. يقول نيتز إنهما فَهِما أنني لن أقوم بهذا النوع من الأعمال.

كان التكيّف مع نيكسون ومحاولة إرضائه من أهم أولويات كيسنجر وأصبحت هذه المعايير أكثر أهمية من قناعاته الخاصة بشأن السياسة الخارجية

الرأي السلبي

لكن لم يكن الجميع يتمتعون بخبرة نيتز أو ضميره الحي. كان كيسنجر، على مرّ مسيرته المهنية كمستشار للأمن القومي ثم وزير الخارجية، يدعو كبار المسؤولين مراراً إلى نقل التقارير إليه مباشرةً عبر قناة خلفية، في محاولة منه لمتابعة السيطرة على المفاوضات المستمرة، إضافة إلى منع زملائه ومرؤوسيه من اكتشاف حقيقة ما يحصل. كان كيسنجر معتاداً على إطلاق هذا النوع من الأحاديث، تزامناً مع استعمال المجاملات. لكن من الواضح أنه شعر بضرورة أن يتكلم نيكسون عن القنوات الخلفية مع شخصٍ مثل نيتز الذي كان مستشاراً لشخصيات بارزة، مثل دين أشيسون عندما تسلّم وزارة الخارجية في عهد ترومان.

كان نيكسون يرفض أحياناً مجاراة الوضع. في أغسطس 1969، حضر ويليام بورتر، وهو دبلوماسي مخضرم كان حينها سفيراً لدى كوريا الجنوبية، لإجراء مشاورات، وتم استدعاؤه لمقابلة كيسنجر ثم نيكسون. ذكر السفير انطباعاته عن تلك اللقاءات في مذكراته قائلاً:

«رحّب بي (كيسنجر) بحرارة... وجاملني عبر التكلم عن مدى تقدير الرئيس لي ولأدائي... وطلب منه الرئيس أن يناقش مسألة مهمة معي. رغم الرأي السلبي الذي يحمله الرئيس عن وزارة الخارجية، قال إنه يعترف بوجود بعض «المسؤولين الصالحين» («مثلك أنت، يا بيل»). لكن تبقى الوزارة ككل مخيّبة للآمال. للتصدي لقلة فاعلية الوزارة والاستفادة من خدمات المسؤولين الكفوئين، قال كيسنجر إن الرئيس أعطاه الإذن بإطلاق اتصالات خاصة ومباشرة مع 6 «سفراء أساسيين» حول العالم («مثلك أنت، يا بيل»)، ثم سألني عن رأيي بالموضوع.

قلتُ له إن هذا التواصل هو شرف كبير لي. لكن هل ستمرّ الاتصالات «الخاصة والمباشرة» بوزارة الخارجية؟

كيسنجر: طبعاً لا. لا أحد سيعرف بهذا الترتيب.

بورتر: ما هي المواضيع التي يُفترض أن أنقل الأخبار عنها؟

كيسنجر: كل ما تعتبره مهماً لنا. لا حدود للمواضيع المحتملة.

بورتر: هل تقول إن الرئيس وافق على هذه العملية؟

كيسنجر: «هذا صحيح. هو سيكلمك عن هذه المسألة حين يقابلك بعد دقائق. هل تقبل العرض»؟

الخدمات الدبلوماسية السرية

وافق بورتر على مضض، وقال: «الرئيس هو صاحب القرار. إذا كان يفضّل هذه الطريقة، فسأتعاون معه». ثم سأل كيسنجر عمّا سيحصل إذا سمع بيل روجرز عن هذا الترتيب، فأجاب كيسنجر: «هذه مشكلتنا». بدا مستشار الأمن القومي «مبتهجاً» بعد ذلك الحديث، ففكر بورتر في نفسه، انطلاقاً من الخبرة التي كسبها على مر 32 سنة من العمل في السلك الدبلوماسي: «ها هي الخدمات الدبلوماسية السرية بين نيكسون وكيسنجر تتشكّل أمام أنظارنا، مع كل ما يرافقها من رموز سرية وسواها».

بعد دقائق معدودة، جمعه لقاء ممتع مع نيكسون الذي لم يذكر شيئاً عن موضوع التقارير السرية. يتابع بورتر عرض تفاصيل ذلك الاجتماع قائلاً: «عدتُ إلى مقر كيسنجر، حيث سألني إذا كنا تطرّقنا إلى تلك المسألة، فأجبتُ بالنفي. فقال إن عدم التكلم بالموضوع لا يعني شيئاً، لأن هذه الخطة حصلت على الموافقة أصلاً. ثم أضاف أننا سنبقى على تواصل، فودّعتُه في تلك اللحظة.

خلال رحلة العودة الطويلة إلى سيول، رحتُ أفكر بمعنى عرض كيسنجر... إنه وضع صعب على روجرز... لقد وصلوا إلى السلطة منذ أشهر قليلة... إذا وافق الرئيس على إنشاء شبكة خارقة من السفراء تحت إشراف مستشاره الأمني من دون علم وزير الخارجية، يعني ذلك أن شيئاً جديداً يحصل في تاريخ الولايات المتحدة... استنتجتُ أنني مجرّد فتى محلي بسيط، ومن الأفضل أن أطيعهم».

كان نيكسون يُعبّر عن غضبه بطريقة غير مباشرة حين يستاء من مستشار الأمن القومي فيرفض مثلاً تلقي مكالمات كيسنجر الهاتفية

نظام الاتصالات السرّي

حين عاد إلى سيول، اختبر بورتر نظام الاتصالات السرّي الذي حضّرته وكالة الاستخبارات المركزية، وجرى تحديد إشارة الاختبار الخاصة به سريعاً. هو يتذكر أنه استعمل القناة الخلفية مرة واحدة لنقل خبر بسيط عن الصين، قبل مغادرة كوريا الجنوبية عام 1971.

لكنّ قرار نيكسون بعدم الالتزام بالخطة المُعدّة مسبقاً للتكلم مع بورتر جعل كيسنجر يتوقف للتفكير: كان نيكسون يُعبّر عن غضبه بطريقة غير مباشرة حين يستاء من مستشار الأمن القومي، فيرفض مثلاً تلقّي مكالمات كيسنجر الهاتفية، أو يمتنع عن استدعائه إلى اجتماعات المكتب البيضاوي، أو يقرر في اللحظة الأخيرة ألا ينفذ الخطة المتفق عليها، كما حصل مع بورتر. لا شيء يثبت أن نيكسون اشتكى أمام كيسنجر بطريقة مباشرة يوماً. لطالما وجد نيكسون صعوبة في خوض المواجهات التي تزداد تعقيداً مع كيسنجر على الأرجح، بسبب نزعته المفرطة إلى التملق.

تسرّب الأخبار

كان كيسنجر إذاً يقيّم كلام هالدمان وإيرلشمان لتحديد موقف الرئيس منه في اللحظات العصيبة. إذا كانا يشتكيان أمامه من تسرّب الأخبار إلى الصحافة بنبرة غاضبة، أو يكلّمانه عن المقالات المتواصلة في المجلات للإشادة بأدائه في مجلس الأمن القومي، كان كيسنجر يعرف في هذه الحالة أنهما ينقلان آراء نيكسون. كانت نوبات الرهاب المتقطعة التي تصيب كيسنجر بشأن «حرس القصر» في البيت الأبيض تعكس أحياناً خوفاً منطقياً من الرجل الوحيد الذي يهمّه في تلك الإدارة. كان منطقياً أن يخشى الجميع هالدمان عندما يمثّل الرئيس. لكنه لا يطرح أي تهديد حين يحاول حماية مكانته في البيت الأبيض، وهو وضع استنتجه هالدمان سريعاً.

يتذكر برايس هارلو كيف خرج كيسنجر عن سيطرة هالدمان في مرحلة مبكرة من عهد نيكسون. خلال الأشهر الأولى التي تلت تنصيب الرئيس، يقول هارلو إنه كان ينضم إلى كيسنجر، وهالدمان، وإيرلشمان في مكتب الرئيس، في فترات الصباح وبعد الظهر من كل يوم لعقد الاجتماعات، حين كان لا يزال جزءاً من أوساطهم الداخلية.

بعد فترة قصيرة، طالب هالدمان، الذي أراد السيطرة على كل شيء منذ البداية، بتنظيم جلسات تخطيط قصيرة في مكتبه قبل الاجتماعات مع نيكسون: «بدأ هنري يفوّت تلك الاجتماعات فوراً، فقلتُ لبوب: «لا تسمح له بفعل ذلك». اضطررنا لربط السياسة الخارجية بالسياسات الداخلية. فأجبره بوب بهذه الطريقة على الحضور. لكن سرعان ما بدأ هنري يبتعد شيئاً فشيئاً، فيصل متأخراً بدرجة إضافية في كل مرة. في النهاية، بات كيسنجر يجتمع مع نيكسون وحده».

طالب هالدمان الذي أراد السيطرة على كل شيء منذ البداية بتنظيم جلسات تخطيط قصيرة في مكتبه قبل الاجتماعات مع نيكسون

مخاوف هالدمان بشأن دور كيسنجر

يروي الكتاب كيف تذكر روبرت فينش، الجمهوري الذي يمثّل ولاية كاليفورنيا، وكان أول وزير صحة وتعليم ورعاية اجتماعية في عهد نيكسون، أول المخاوف التي حملها هالدمان عن دور كيسنجر، فيقول: «كان يظن أن هنري يستهلك جزءاً مفرطاً من وقت نيكسون. كان واضحاً أن انشغال نيكسون بالسياسة الخارجية يكبح قدرة هالدمان على التحكم بجدول أعمال نيكسون». برأي فينش، كان هالدمان يحلم بتوسيع دور جون إيرلشمان، الذي تسلّم الشؤون الداخلية في نوفمبر 1969، عبر ترقيته إلى منصب يضاهي مكانة كيسنجر في الشؤون الخارجية. يوضح فينش: «كان هالدمان ليتمكن من استعادة التوازن في هذه الحالة، فقد اضطر كلاهما للمرور بكيسنجر قبل الوصول إلى نيكسون». إنه حلم آخر لم يتحقق في البيت الأبيض.

لم ينجح هالدمان في ترهيب كيسنجر، لكنه أصبح قدوة مثالية. عَكَس أسلوب هالدمان في إدارة منصبه المقاربة التي أرادها نيكسون لإتمام المهام. خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 1969، كرر كيسنجر تكتيكات كبير مساعدي الرئيس. عندما يمنع هالدمان تواصل الموظفين مع نيكسون بطريقة صارمة مثلاً، كان كيسنجر يقوم بالمثل. وعندما يسارع إلى معارضة هارلو وآرثر بيرنز، وهما اثنان من كبار المساعدين ذوي الآراء المستقلة، كان كيسنجر يعارض الأعضاء الذين يطرحون عليه أي تهديد في فريقه. كان ريتشارد آلن أول ضحية لهذه المقاربة، علماً بأنه استطاع في مرحلة معيّنة التواصل مع نيكسون مباشرةً، وكان يعرف أسرار نشاطات كيسنجر خلال الحملة الانتخابية. وسرعان ما انقلب كيسنجر على هذا النوع من الأشخاص، بما في ذلك مورتون هالبرن الذي اعتبره نيكسون وكبار مساعديه ليبرالياً أكثر من اللزوم.

كان التكيّف مع نيكسون، ومحاولة إرضائه، واكتشاف حقيقة ما يريده من أهم أولويات كيسنجر، وأصبحت هذه المعايير في مرحلة معيّنة أكثر أهمية من قناعاته الخاصة بشأن السياسة الخارجية الأميركية. حتى أنها باتت أهم من إيجاد مخرج للحرب في فيتنام.

back to top