الضوء أحمر ناري

نشر في 16-04-2023
آخر تحديث 15-04-2023 | 16:59
 حـنان بدر الرومي

تحكي الأساطير أن الكذب نجح فى التقرب من الصدق وأقنعه بالخروج معه للتنزه، فاليوم جميل والجو صاف، ارتاح الصدق له فالجو فعلاً صافٍ واليوم جميل، فلا داعي للشك والريبة في نوايا الكذب الخادعة، وأثناء سيرهما اقترح الكذب أن يسبحا فى البئر القريبة ويستمتعا بوقتهما، وهذا ما حدث، وفي لحظة غفلة من الصدق أسرع الكذب للخروج من البئر وارتداء ملابس الصدق والهرب بعيداً، خجل الصدق من الخروج أمام الناس فملابسه سرقت، ومنذ ذلك الوقت والصدق مختبئ خجلاً من الناس، بينما الكذب يسرح ويمرح في الدنيا، والناس مقتنعة بصدقه الذي ما هو إلا قشرة زائفة للكذب والخداع.

هذه الأسطورة تحكي واقعاً تعيشه الكويت منذ سنوات، «حاضرنا مرهق ومستقبلنا غامض» جملة تختصر واقعنا الذي يزداد غرابة، وطن يتصارع الأفراد من دول ومناطق مختلفة للحصول على فرص عمل فيه وشبابه يريدون الهجرة، مزورون ومزدوجون للجنسية الكويتية لديهم حرص غريب واستعجال للحصول على مكتسبات عديدة وفي كل شيء، بينما المواطن متذمر وقلق وبوصلته مشتتة وحكومة تمشي كالسلحفاة في الإنجاز المفترض، ولا نعلم هل هي تعلم بما يحدث أم لا.

الكل يدّعي الوطنية والخوف على الكويت، خطابات قوية لمن يمثلون الأمة وأتباعهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، وفي الواقع هم يجتهدون لمصالحهم الشخصية فقط، تراشق في الاتهامات مع الحكومة لم يتوقف عبر السنوات، تغيرت الوجوه ولم تتغير لغة الخطاب بل ازدادت شقة الخلاف معها، وسحبت بساط الأمان ليقف المواطن العادي حائراً بين حب الوطن والخوف من الحاضر والرعب من التفكير في المستقبل.

وطن انقلبت حاله عبر السنوات، وتاريخ البلد محارب، وهناك تزوير غريب لأحداث وشخصيات الكويت، مواقع وأفراد جندوا وبحبكة متقنة للتحدث عن مصطلحات فى اللهجة الكويتية ومعاني الكلمات بأسماء مختلقة، حتى أحواض رسو السفن، وهو ما يعرف بالنقعة وجمعها (نقع)، سميت بغير أسمائها الأصلية، اللهجة الكويتية يراد الاستبدال بها بالإجبار لهجة دولة أخرى ليستندوا أن الفرع يعود للأصل، والشخصيات الكويتية عبر التاريخ يراد محوها والاستبدال بها أسماء أخرى غير معروفة.

الحرب الخفية عبر سنوات خططت لضرب طوائف البلد ببعضها، سنّة وشيعة وحضراً وبدواً، حتى التاريخ البحري بكل تراثه العريق يراد شطبه، والتركيز على أمور أخرى لإثارة الحساسية البغيضة بين المواطنين، ونحن ندرك أن الكويت وطن يضم البحر والبر والقرى بكل ثقافات أهلها المتنوعة، وما يثير الغضب أن الإعلام الحكومي من تلفزيون وإذاعة خُطف من أيدينا ولا أرى أي محاولة جادة من قيادات وزارة الإعلام لاسترداده وحمايته.

شبكة نتنة تريد هدم كل نجاح في البلد ونشر السلبية وقتل الطموح وانعدام الثقة في الحكومة والشعب الأصيل، فالتجار محاربون، والكتاب المخلصون هم أعداؤهم، وأي قيادي يسعى إلى محاربة الفساد المستشري وإعادة تصحيح المسار هو خائن وفاسد، والحديث عن الهوية الوطنية جريمة، أما الشخصيات الوطنية الصادقة فلا بد من التشكيك في مصداقيتها ونشر الإشاعات حولها، ومهاجمة أصحابها بقوة وخسة، على سبيل المثال لا الحصرما تعرض له السادة الأفاضل صالح الفضالة وعادل الزواوي ومنيرة الغانم.

لا أعلم هل لدى أصحاب القرار وعي بما يحدث من نخر في الجسد الكويتي الأصيل وأن الوطنية أصبحت محاربة، وكل كويتي صادق محارب، وتاريخ الكويت محارب؟ وهل التنازل عن تاريخنا ومكتسباتنا سيضمن التقدم والأمان؟

إن سكوتنا اليوم لا يجوز فقد وصلنا إلى الضوء الأحمر الناري، والعالم حولنا يتغير بسرعة، فهناك دول تتصالح وتجتهد لتنمية مواردها ورسم بصمة خاصة لها ونحن نعيش بين القال والقيل والتشكيك والاتهام، وأكثر ما أخشاه أن يأتي يوم يتصارع أهل الكويت لتبعيتهم السياسية والفكرية والدينية لأشخاص أو جماعات ويتعارفوا بولاءاتهم الفكرية والسياسية والطائفية وينعدم معها الولاء للكويت، وما خفي أعظم.

اللهم احفظ الكويت وأهلها وثرواتها يا حافظ يا كريم.

back to top