افهم حدودك

نشر في 14-04-2023
آخر تحديث 13-04-2023 | 16:58
 د. فيصل ملفي المطيري

لا يشارك الفرد إحساسه بذاته بالكامل مع أي شخص آخر، لا سيما خصائصه النفسية والشخصية، لأنه من الصعب جداً على الفرد أن يكشف عن هويته الأصلية ما لم يكن متأكداً تماماً من سلامة جوهرها، فالهوية تعكس بالضرورة حقيقته ووعيه الذاتي وفهمه للعالم من حوله الذي قد يتحدى الحدود، والأفكار، والمعتقدات السائدة بجانب الرغبة الملحة في التخلي عن الممارسات الراسخة في المجتمع، وذلك حتى لا يعرض نفسه للضغوط الاجتماعية والسياسية، التي قد تبدأ بغضب وسخط الناس وتنتهي بالعزل السياسي أو المساءلة القضائية.

في أحيان كثيرة ومواضع مختلفة يميز علماء النفس بين نوعين من الوعي الذاتي، وهما الخاص والعام، فالخاص عبارة عن نزعة لاستبطان وفحص الذات والمشاعر الداخلية كما يراها الفرد نفسه بنفسه، أما العام فهو وعي للذات كما يراها الآخرون وهو الدافع الرئيس للمراقبة الذاتية والقلق الاجتماعي والمخاوف السياسية.

وللتفاوت بين هذين النوعين من الوعي الذاتي لدى الفرد أثر بالغ على سلوكه، فعلى سبيل المثال، حينما يلجأ الفرد إلى اللف والدوران عند الجدل والمناقشات، أو التنكر خلف حسابات وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، أو اللجوء الى النفاق في المواقف السياسية الحاسمة هي في الحقيقة عملية إخفاء لهويته الأصلية، ليقلل من خلالها ولو بشكل مؤقت من وعيه الذاتي الذي يؤدي بدوره الى سلوك غير مقيد يعتقد أنه مفيد بالرغم من أنه مدمرٌ لذاته، وصحته النفسية، ووضعه الاجتماعي، ومستقبله السياسي إن كان سياسياً.

وهنا تكمن أهمية الذكاء العاطفي الذي يساعد الفرد في الموازنة بين وعيه الذاتي الخاص والعام، من خلال التقييم الدقيق لوعيه، والإدراك العميق لمشاعره، وثقته بنفسه وقيمه، وكيفية تأثيرها في سلوكه وتفاعله مع الآخرين، فالفرد الذي يتحلى بهذا النوع من الذكاء هو فقط من يتمتع بشخصية جذّابة، وقيادية يلتف حولها الجميع، وهو على استعداد تام للتعبير عن الأفكار والقضايا الحساسة والمصيرية التي يخشى الآخرون التطرق إليها، بأسلوب محترم، ومقنع، وفريد من نوعه.

فلا يشترط أن يكون هذا الفرد ذا مكانة اجتماعية عالية أو نفوذ سياسي مهيب، ولكن الطامة الكبرى تقع حينما يتبوأ الفرد أحد هذه المناصب العليا وهو متأرجح بين ذات وضيعة وذات أخرى تدّعي السمو والحكمة.

back to top