كان أوباما يرغب في تلقي تطمينات تضمن استهداف الولايات المتحدة للرجل الصحيح. جاء الإثبات المنتظر عن طريق الحمض النووي الخاص ببن لادن. حضر المخططون لمساعدة كياني وباشا اللذين طلبا من أمير عزيز، طبيب ورائد في الجيش الباكستاني، أخذ العيّنات لفحصها. بعد فترة قصيرة على تنفيذ الغارة، علمت الصحافة أن عزيز كان يقيم في منزل بالقرب من مُجمّع بن لادن: اكتشف المراسلون المحليون اسمه باللغة الأردية على لوحة فوق الباب. أنكر المسؤولون الباكستانيون ارتباط عزيز ببن لادن، لكن أخبرني المسؤول المتقاعد أن عزيز تلقى حصة من المكافأة التي عرضتها الولايات المتحدة، بقيمة 25 مليون دولار، لأن عيّنة الحمض النووي أثبتت بشكلٍ قاطع أن ذلك الرجل في «أبوت آباد» كان بن لادن فعلاً. (قال عزيز، في الشهادة التي أدلى بها لاحقاً أمام لجنة باكستانية للتحقيق بالغارة التي استهدفت بن لادن، إنه كان شاهداً على الهجوم في «أبوت آباد» لكنه لم يعرف هوية المقيم في ذلك المُجمّع وأمره مسؤول أعلى رتبة منه بالابتعاد عن ذلك المكان).

Ad

استمرت النقاشات حول طريقة تنفيذ المهمّة لاحقاً. يوضح المسؤول المتقاعد: «وافق كياني على العملية في نهاية المطاف، لكن من دون استعمال قوة هجومية كبرى. يجب أن تُستعمل أقل وأخف المعدات الممكنة. ويجب أن يُقتَل الرجل المستهدف بشكلٍ مؤكد وإلا فسينهار الاتفاق».

أُبرِم الاتفاق في نهاية يناير 2011، وحضّرت قيادة العمليات الخاصة قائمة أسئلة يُفترض أن يجيب عنها الباكستانيون: «كيف يمكننا التأكد من عدم حصول تدخّل خارجي؟ وما هي الدفاعات القائمة داخل المجمّع السكني وما تفاصيل أبعادها الدقيقة؟ أين تقع غرف بن لادن وما هي مساحتها؟ وما عدد درجات السلالم؟ وأين أبواب غرفه وهل هي محصّنة بالفولاذ...»؟ وافق الباكستانيون على السماح لخلية أميركية مؤلفة من أربعة رجال بفتح مكتب اتصال في «تاربيلا غازي» استعداداً للهجوم المرتقب. بحلول تلك المرحلة، كان الجيش بنى تصميماً للمجمّع السكني في «أبوت آباد» في موقع سرّي سابق للتجارب النووية في نيفادا، وبدأ فريق نخبوي من قوات البحر والجو والبر يتدرب على الهجوم.

تخفيف المساعدات

بدأت الولايات المتحدة تُخفف مساعداتها إلى باكستان. تأخّر وصول 18 طائرة مقاتلة جديدة من طراز «إف - 16»، وتم تعليق مبالغ نقدية سرّية لكبار القادة. في نيسان 2011، اجتمع باشا مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ليون بانيتا، في مقر الوكالة. تعليقاً على ذلك اللقاء، يقول المسؤول المتقاعد: «حصل باشا على وعد أميركي بتسليم الأموال مجدداً، وحصلنا نحن على ضمانة تمنع نشوء أي معارضة باكستانية أثناء تنفيذ المهمّة المرتقبة. أصرّ باشا أيضاً على أن توقف واشنطن تذمّرها من غياب التعاون الباكستاني مع الحرب الأميركية على الإرهاب». في مرحلة معينة من الربيع في تلك السنة، أوضح باشا للأميركيين صراحةً سبب إخفاء باكستان لمكان بن لادن وأهمية هذه الخطوة لإبقاء دور وكالة الاستخبارات الباكستانية سرياً. قال باشا: «كنا نحتاج إلى رهينة لمراقبة القاعدة وطالبان». كانت وكالة الاستخبارات الباكستانية تستعمل بن لادن كورقة ضغط ضد نشاطات «طالبان» و«القاعدة» داخل أفغانستان وباكستان. هم أقنعوا قادة الجماعتَين بأنهم سيسلّموننا بن لادن إذا نفذوا عمليات تتعارض مع مصالح وكالة الاستخبارات الباكستانية. إذا اتضح إذاً أن الباكستانيين كانوا يتعاونون معنا للنيل من بن لادن في «أبوت آباد»، فسيدفع المعنيون ثمناً كارثياً.

وفق معلومات المسؤول المتقاعد ومصدر آخر داخل وكالة الاستخبارات المركزية، سأل مسؤول بارز في الوكالة باشا، خلال واحد من اجتماعاته مع بانيتا، إذا كان يفكر بأن يصبح عميلاً لدى «القاعدة» و«طالبان»، فأجاب بالنفي. لكنه أضاف أن وكالة الاستخبارات الباكستانية كانت تحتاج إلى فرض شكلٍ من السيطرة. برأي المسؤول المتقاعد، أدركت وكالة الاستخبارات المركزية المغزى من ذلك الجواب، فقد اعتُبِر بن لادن «مورداً بحد ذاته، ويبدو أن الباكستانيين يهتمون بصمودهم أكثر من صمود الولايات المتحدة».

أخبرني مسؤول باكستاني على صلة بكبار القادة في وكالة الاستخبارات الباكستانية عن صفقة مع كبار المسؤولين الأميركيين، فقال: «كنا مترددين جداً بشأنها، لكنها كانت ضرورية، لا لتحقيق مكاسب شخصية، بل لأن جميع برامج المساعدات الأميركية كانت لتتوقف من دونها. أخبرنا الأميركيون بأنهم سيجعلوننا نتضوّر جوعاً إذا لم نبرم تلك الصفقة، ثم صدرت الموافقة حين كان باشا في واشنطن. لم تكن تلك الصفقة تهدف بكل بساطة إلى ضمان استمرار تدفق المساعدات، بل سمع باشا بوصول مكافآت أخرى إلينا». قال المسؤول الباكستاني إن «زيارة باشا أسفرت عن التزام أميركي بتوسيع هامش حرية باكستان في أفغانستان بعدما بدأ الأميركيون انسحابهم العسكري من هناك. ثم برّر كبار المسؤولين الباكستانيين تلك الصفقة باعتبارها تصبّ في مصلحة بلدنا».

كان باشا وكياني مسؤولَين عن منع الجيش الباكستاني وقيادة الدفاع الجوي المحلية من تعقب المروحيات الأميركية المستعملة لتنفيذ المهمّة أو التواصل معها. في غضون ذلك، كُلّفت الخلية الأميركية في «تاربيلا غازي» بتنسيق الاتصالات بين وكالة الاستخبارات الباكستانية، وكبار المسؤولين الأميركيين في مركز قيادتهم في أفغانستان، ومروحيتَين من طراز «بلاك هوك». كانت هذه الترتيبات تهدف إلى منع أي طائرة مقاتلة باكستانية تقوم بدورية على الحدود من رصد الدخلاء واتخاذ أي خطوات لوقف مسارهم. وكانت الخطة الأولية تقضي بعدم الإعلان عن حصول الغارة بشكلٍ فوري. تنشط جميع الوحدات في قيادة العمليات الخاصة المشتركة بسرّية تامة، وكانت هذه القيادة تظن، مثل كياني وباشا، أن مقتل بن لادن لن يتم الإعلان عنه قبل سبعة أيام على الأقل، ثم يُنشَر هذا الخبر على الصفحات الأولى بطريقة مدروسة، فيعلن أوباما أن تحليل الحمض النووي أكد مقتل بن لادن عبر غارة جوية بطائرة مسيّرة في «هندوكوش»، على الجانب الأفغاني من الحدود. اتّضح للجميع في هذه المرحلة أن بن لادن لن ينجو. يقول المسؤول المتقاعد: «أخبرنا باشا خلال اجتماع في شهر أبريل أنه لا يستطيع المجازفة بترك بن لادن في المُجمّع بعدما عرفنا أنه هناك. كان عدد مفرط من المسؤولين في سلسلة القيادة الباكستانية على عِلْم بحصول العملية. لذا اضطر هو وكياني لإخبار مديري قيادة الدفاع الجوي وعدد صغير من القادة المحليين بالقصة كاملة. كان المسؤولون يعرفون طبعاً أن بن لادن هو المستهدف وأنه يخضع هناك لسيطرة باكستان، وإلا ما كانوا لينفذوا المهمّة من دون تغطية جوية. تدخل تلك العملية بكل وضوح في خانة القتل مع سبق الإصرار».

قال لي قائد سابق في قوات البحر والجو والبر، شارك في عشرات المهام من هذا النوع خلال العقد الماضي: «نحن لن نترك بن لادن حياً ولن نسمح لذلك الإرهابي بالعيش. بموجب القانون، نعرف أن ما نفعله داخل باكستان جريمة قتل. لقد تقبّلنا هذه الحقيقة. حين يقوم كل واحد منا بهذا النوع من المهام، نقول لأنفسنا دوماً: يجب أن نواجه الواقع. نحن نرتكب جريمة». زعم البيت الأبيض في البداية أن بن لادن كان يلوّح بسلاح. يهدف هذا الخبر إلى إلهاء المعسكر الذي يشكك بقانونية برنامج الاغتيالات المستهدفة الذي تطبّقه الإدارة الأميركية. رغم تعليقات شائعة لأشخاص معنيين بتلك المهمة، أصرّت الولايات المتحدة في مناسبات متكررة على أن بن لادن كان ليُساق من هناك حياً لو أنه استسلم فوراً.

«خط الجرذان»

في عام 2011، قاد باراك أوباما تدخلاً عسكرياً مع قوات الحلفاء في ليبيا من دون استشارة الكونغرس الأميركي. وغداة هجوم الغوطة بغاز السارين في ضواحي دمشق، في شهر أغسطس من عام 2013، كان مستعداً لإطلاق ضربة جوية تهدف هذه المرة إلى معاقبة النظام السوري على تجاوز «الخط الأحمر» الذي حدّده في عام 2012 بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية. لكن قبل أقل من يومَين على إطلاق الضربة المُخطط لها، أعلن الرئيس أنه سيحاول نيل موافقة الكونغرس لتنفيذ التدخّل. تأجّلت الضربة لأن الكونغرس كان يستعد لتنظيم جلسات استماع، ثم أُلغِيت بالكامل حين وافق أوباما على عرض الأسد الذي يقضي بالتخلي عن ترسانته الكيماوية عبر صفقة لعبت فيها روسيا دور الوساطة. لكن لماذا قرر أوباما تأخير التحرك ضد سورية ثم تخلى عنه بالكامل مع أنه لم يتردد في استهداف ليبيا؟ يكمن الجواب في الصدام القائم بين مسؤولين ملتزمين بالخط الأحمر الآنف ذكره في الإدارة الأميركية، والقادة العسكريين الذين اعتبروا خوض الحرب تحركاً كارثياً وغير مبرر.

غيّر أوباما رأيه بسبب مختبر «بورتون داون» الكيماوي في «ويلتشير»، بريطانيا. تلقّت الاستخبارات البريطانية عيّنة من غاز السارين الذي استُعمِل في هجوم 21 أغسطس، وكشفت التحليلات أن ذلك الغاز لا يتطابق مع الكميات الموجودة في ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يملكها الجيش السوري. تبلّغت هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة سريعاً أن السبب الذي يبرر مهاجمة سورية لن يكون مقنعاً. جاء التقرير البريطاني ليؤجج الشكوك داخل البنتاغون. كانت هيئة الأركان المشتركة تستعد أصلاً لتحذير أوباما من احتمال اندلاع الحرب على نطاق أوسع في الشرق الأوسط إذا نفّذ خططه باستعمال قنبلة بعيدة المدى وإطلاق هجوم صاروخي ضد البنية التحتية السورية. نتيجةً لذلك، تلقى الرئيس في اللحظة الأخيرة تحذيراً من المسؤولين الأميركيين، مما أدى إلى إلغاء الهجوم.

جماعات إسلامية متمردة

ذكر هيرش أن مخاوف كبرى سادت وسط كبار القادة العسكريين والاستخباريين طوال أشهر حول دور جيران سورية في الحرب، لا سيما تركيا. كان دعم رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان لـ «جبهة النصرة» وجماعات إسلامية متمردة أخرى معروفاً.

وأضاف: قال لي مسؤول استخباري أميركي سابق كان مطّلعاً على المعلومات الاستخبارية المستجدة: «كنا نعرف أن البعض في الحكومة التركية كان مقتنعاً بقدرته على محاصرة الأسد عبر المجازفة بحصول هجوم بغاز السارين داخل سورية وإجبار أوباما على تنفيذ تهديده عند تجاوز الخط الأحمر الذي حدّده».

وتابع: خضعت سلسلة من الاعتداءات بالأسلحة الكيماوية، في مارس وأبريل 2013، للتحقيق خلال الأشهر القليلة اللاحقة من جانب بعثة الأمم المتحدة في سورية. أخبرني مصدر مطّلع على نشاطات الأمم المتحدة هناك بوجود أدلة تربط المعارضة السورية بأول هجوم بالغاز، في 19 مارس، في بلدة خان العسل، بالقرب من حلب. تحت ضغوط البيت الأبيض، تطورت خطة الهجوم الأميركي وتحولت إلى «ضربة وحشية». نُقِل جناحان من قاذفات «بي- 52» إلى قواعد بحرية قريبة من سورية، ونُشِرت غواصات بحرية وسفن مزوّدة بصواريخ «توماهوك». كانت قائمة الأهداف تطول يوماً بعد يوم. بدت هذه القائمة الجديدة مُصمّمة للقضاء على أي قدرات عسكرية يملكها الأسد، وشملت شبكات الكهرباء، ومستودعات النفط والغاز، وجميع مستودعات الأسلحة والمعدات اللوجستية، ومنشآت القيادة والتحكم، والمباني العسكرية والاستخبارية المعروفة.

أدلة أكثر أهمية

يذكر هيرش في كتابه أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، أصبح في نهاية المطاف المسؤول عن التخطيط للهجوم وتنفيذه، ومنذ بدء الأزمة. ويقول مسؤول استخباري سابق، إن هيئة الأركان المشتركة كانت تشكك بكلام الإدارة الأميركية التي أعلنت أنها تملك حقائق تؤكد على مسؤولية الأسد عن الهجمات الكيماوية. سرعان ما ضغط هؤلاء على وكالة استخبارات الدفاع ووكالات أخرى لتلقي أدلة أكثر أهمية. ويوضح المسؤول: «هم لم يصدقوا أن سورية كانت لتستعمل غاز الأعصاب في تلك المرحلة لأن الأسد كان يتجه إلى الفوز في الحرب». أزعج ديمبسي الكثيرين في إدارة أوباما لأنه حذر الكونغرس مراراً من مخاطر التورط الأميركي العسكري في سورية. في شهر أبريل حينها، بعد تقييم تفاؤلي طرحه وزير الخارجية جون كيري عن تقدّم الثوار أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، تكلّم ديمبسي أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ عن «احتمال وصول هذا الصراع إلى طريق مسدود».

ويقول المسؤول الاستخباري السابق إن ديمبسي، بعد 21 أغسطس، اعتبر الضربة الأميركية ضد سورية خطأً استراتيجياً، على افتراض أن نظام الأسد كان مسؤولاً عن الهجوم بغاز السارين. دفع التقرير الصادر من مختبر «بورتون داون» بهيئة الأركان المشتركة إلى نقل مخاوف أكثر جدّية إلى الرئيس: قد يكون الهجوم الذي يسعى البيت الأبيض إلى تنفيذه عملاً عدوانياً غير مبرر. كانت هيئة الأركان المشتركة مسؤولة عن تغيير مسار أوباما. وأوضح البيت الأبيض رسمياً أن هذا التحول في المواقف حصل حين كان الرئيس يتجول في «حديقة الورود» مع كبير موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو، فقرر فجأةً أن يحصل على موافقة الكونغرس المنقسم قبل شن الضربة، علماً أنه كان على خلاف معه منذ سنوات. لكن أخبرني مسؤول سابق في وزارة الدفاع أن البيت الأبيض طرح تفسيراً مختلفاً أمام أعضاء القيادة المدنية للبنتاغون، فقيل إن عملية القصف أُلغِيت بسبب معلومات استخبارية مفادها أن «الشرق الأوسط سيتدمّر» في حال تنفيذها.

في البداية، اعتبر كبار المساعدين في البيت الأبيض قرار الرئيس باللجوء إلى الكونغرس تكراراً لمناورة جورج بوش الابن، في خريف عام 2002، قبيل غزو العراق. يقول المسؤول الاستخباري السابق: «حين اتّضح أن العراق يخلو من أسلحة الدمار الشامل، تحمّل البيت الأبيض والكونغرس الذي دعم حرب العراق اللوم، وتكلّما مراراً عن جمع معلومات استخبارية خاطئة. إذا صوّت الكونغرس الحالي لدعم الضربة العسكرية، قد يحقق البيت الأبيض منفعة مزدوجة، فيستهدف سورية بهجوم هائل ويؤكد على التزام الرئيس بالخط الأحمر الذي حدّده، تزامناً مع تقاسم اللوم مع الكونغرس إذا تبيّن أن الجيش السوري لم يكن مسؤولاً عن الاعتداء». كان تغيير المواقف مفاجئاً بالنسبة إلى قادة الحزب الديموقراطي في الكونغرس أيضاً. في شهر سبتمبر، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن أوباما اتصل بزعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، قبل ثلاثة أيام من خطابه في «حديقة الورود»، للتكلم عن الخيارات المتاحة. وفق مصادر الصحيفة، أخبرت بيلوسي زملاءها لاحقاً بأنها لم تطلب من الرئيس أن يجري تصويتاً في الكونغرس بشأن عملية القصف.

طريق مسدود

يروي هيرش في كتابه أن توجّه أوباما للحصول على موافقة الكونغرس (على ضربة عسكرية لسورية) سرعان ما وصل إلى طريق مسدود. يقول مسؤول استخباري سابق: «لم يكن الكونغرس ليسمح بحصول ذلك. أعلن الكونغرس إجراء جلسات استماع مكثفة، على عكس ما حصل عند السماح بإطلاق حرب العراق». في هذه المرحلة، ساد جو من اليأس في البيت الأبيض وسرعان ما لجأ المسؤولون إلى خطة احتياطية. يمكن إلغاء عملية القصف المرتقبة شرط أن يوقّع الأسد معاهدة حول الحروب الكيماوية بشكلٍ أحادي الجانب، ويوافق على تدمير جميع الأسلحة الكيماوية تحت إشراف الأمم المتحدة. خلال مؤتمر صحافي في لندن، في 9 سبتمبر، تابع كيري التكلم عن التدخّل المحتمل، فقال: «قد يقرر إعادة كل واحد من أسلحته الكيماوية إلى المجتمع الدولي بحلول الأسبوع المقبل... لكنه لا يوشك على فعل ذلك، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف طبعاً».

في اليوم التالي، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الاتفاق الذي لعبت فيه روسيا دور الوساطة خضع للنقاش في البداية بين أوباما وفلاديمير بوتين، في صيف عام 2012. رغم إلغاء خطط القصف، لم تغيّر الإدارة الأميركية تقييمها العام لتبريرات خوض الحروب. تعليقاً على مواقف كبار المسؤولين في البيت الأبيض، يقول المسؤول الاستخباري السابق: «لا يمكن تحمّل أي نوع من الأخطاء في هذه الأوساط. هم لا يستطيعون الاعتراف بأنهم ارتكبوا أي خطأ». (قال مدير الاستخبارات الوطنية حينها: «نظام الأسد وحده قد يكون مسؤولاً عن هجوم 21 أغسطس بالأسلحة الكيماوية).