قتل بن لادن عامل أساسي لضمان إعادة انتخاب أوباما «2/5»

• الصحافي الاستقصائي سيمور هيرش يروي تفاصيل مغايرة للرواية الأميركية

نشر في 10-04-2023
آخر تحديث 09-04-2023 | 17:01
يقدم الصحافي الاستقصائي سيمور هيرش في كتابه قتل أسامة بن لادن رواية أخرى أكثر «واقعية» عن قتل أسامة بن لادن غير الرواية الرسمية التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، وظهرت في الفيلم الروائي Zero Dark Thirty، والتي تقوم على أساس أن الوصول لبن لادن تم من خلال تتبع أحد حاملي الرسل الموثوقين. رواية سيمور، التي اعتمدها من خلال مصادره التي تتنوع بين ضباط في CIA، وضباط في المخابرات الباكستانية ISI، وعلى رأسهم أحد المديرين السابقين لـ ISI تؤكد أن الوصول لبن لادن تم من خلال وشاية أحد جنرالات المخابرات الباكستانية عن مكانه مقابل الحصول على المكافأة المرصودة لمن يخبر عن مكانه. رواية سيمور تحمل الكثير من الحقائق والمعلومات حول عملية القتل وحيثياتها.
أُقيل ماكريستال من منصبه في يونيو 2010، بعد نشر سلسلة تعليقات مسيئة بحق الرئيس ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض على لسانه، هو ومساعدوه، في مجلة «رولينغ ستون». أدلى ماكريستال بتعليقات كثيرة، فاعتبر اجتماعاً مباشراً سابقاً مع الرئيس تافهاً وغير مثمر، فكان أشبه بـ«جلسة تصوير من عشر دقائق» تقريباً. بحلول تلك المرحلة، انتشرت مخاوف كثيرة حول جانب أساسي من طريقة تعامل ماكريستال مع الحرب، فقد كانت تقضي بالعثور على عناصر «طالبان» وقتلهم. في شهر يونيو نفسه، تلقيتُ زيارة من مسؤول مرموق في اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقضي مهمّتها الإنسانية بمراقبة ظروف المدنيين وسجناء الحرب سراً، في محاولة منها لضمان الالتزام باتفاقيات جنيف من العام 1949. حتى أن تلك اللجنة حصلت على صلاحيات محدودة للدخول إلى معتقل غوانتانامو ومنشآت أخرى خلال فترة الحرب على الإرهاب شرط ألا تنشر نتائجها علناً. لم يرغب المسؤول الذي بحث عني في مناقشة نظام السجن في أفغانستان، علماً أن معلومات كثيرة انكشفت عنه علناً. كان موضوعه الأساسي يتعلق بأسلوب فريق أوباما في إدارة الحرب بشكل عام. هو حضر إلى واشنطن على أمل مقابلة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ومسؤولين مرموقين آخرين في وزارة الخارجية، لكنه تعرّض للرفض. كانت رسالته واضحة وصريحة: راح رجال ماكريستال يقتلون مجموعة خاطئة من الأشخاص. أضاف قائلاً: «مفتّشونا هم الزوار الوحيدون من مؤسسة علمانية، وهم الجهة الوحيدة التي تتقبّلها قيادة «طالبان»، وأنتم الأميركيون تقتلون من يدعمون نشاطاتنا. أنتم تقتلون عناصر «طالبان» غير الجهاديين، وهم أشخاص لا يريدون الموت ولا يأبهون بقصف «تايمز سكوير». هم لا يحملون أي مشاعر بغض تجاه الولايات المتحدة». من وجهة نظره، لا مفر من أن يصل استهداف كل من ينتمي إلى حركة «طالبان» بهذه الطريقة العشوائية إلى نقطة اللاعودة في مرحلة معينة، وقد بدأ العناصر الأكثر تشدداً وتطرفاً يكثّفون نشاطاتهم».

ثم تكلم عن حصول نقاش داخلي محتدم بين قادة «طالبان» حول استعمال الأسلحة الكيماوية لشن هجوم على العاصمة الأفغانية كابول، وسرعان ما فرض المعتدلون رأيهم. لم تذكر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ما فعلته للاطلاع على ذلك النقاش، لكن أضاف المسؤول نفسه: «الأميركيون قضوا على الذين منعوا استعمال تلك الأسلحة في نهاية المطاف (اغتالهم عناصر من قيادة العمليات الخاصة المشتركة). نتيجةً لذلك، بدأ المعتدلون يتعثرون».


أكبر كذبة فاضحة تتعلق بعدم إبلاغ أهم قائدَين عسكريَين في باكستان الجنرال أشفق برويز كياني رئيس أركان الجيش والجنرال أحمد شجاع باشا مدير عام وكالة الاستخبارات الباكستانية بالمهمّة الأميركية

ضعف محاربة الارهاب

اعتبر مستشار قديم في أوساط العمليات الخاصة مقاربة القتل الطائشة في أفغانستان «مؤشراً على ضعف السياسة الأميركية في محاربة الإرهاب: يتعلق العامل الأساسي بالتكتيك، ولا أحد من الجمهوريين أو الديموقراطيين طرح رؤية استراتيجية. يكتفي المسؤولون في وحدة العمليات الخاصة بتنفيذ الأوامر بكل بساطة، بما يشبه الكلب الذي يتوق إلى التخلص من طوقه بأي طريقة للركض في الغابة. هم لا يفكرون بتداعيات هذه المقاربة. لقد واجهنا فشلاً ذريعاً على مستوى القيادة العسكرية والسياسية».

أعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة انتهاء الحرب الأفغانية بشكلٍ أحادي الجانب مع اقتراب نهاية العام 2014. وكما كان متوقعاً على نطاق واسع، لا يزال الجيش الأفغاني المدعوم من إدارة أوباما بكلفة سنوية تصل إلى مليارات الدولارات غارقاً في الفساد ويفتقر إلى حس القيادة والاندفاع. قرر أوباما مجدداً إرسال المزيد من القوات العسكرية في السنة الماضية، على اعتبار أنه قرار مبني على توصيات المستشارين، وسرعان ما انجرّ هؤلاء الجنود طبعاً إلى القتال. هم يقتلون الآخرين ويتعرّضون للقتل باسم «الديموقراطية»، علماً أن هذه الكلمة بدأت تفقد جاذبيتها وتخسر أهميتها وسط عدد كبير من الأفغان.

هل احتسب أي واحد من عشرات التحليلات والتقديرات المطروحة، حين كان الرئيس يراجع الخيارات المتاحة أمامه في العامَين 2009 و2015، عدد الأبرياء المعرّضين لخسارة حياتهم نتيجة زيادة القوات العسكرية الأميركية؟ وهل تمكّن مستشارو الرئيس، الذين شككوا بقدرات وحوافز أي جيش أفغاني مستحدث ومعاصر، من إيجاد مكانٍ لهم على طاولة التخطيط في البيت الأبيض؟ وهل يرغب أي جندي أميركي في أن يصبح آخر من يموت في أفغانستان؟

ليس الوقت مبكراً للتطرق إلى إرث أوباما، وهو تقييم يثير قلق أي رئيس حين تقترب نهاية عهده. يسهل أن نعتبر ذلك الإرث مختلطاً كونه تَرافق من الناحية الإيجابية مع إقرار قانون الرعاية الصحية وتعافي الولايات المتحدة من الفوضى الاقتصادية التي تركتها إدارة بوش وراءها. واجه أوباما مأزقاً لا يمكن تجاوزه في الكونغرس بسبب معارضة الجمهوريين التي ازدادت تطرفاً. لكن لا يزال أوباما، بغض النظر عن أفكاره الخاصة، يتكلم عن الاستثنائية الأميركية وهو مقتنع حتى الآن، أو يتصرف وكأنه مقتنع بأن الحرب على الإرهاب، وهي حرب ضد إيديولوجيا معيّنة، يمكن الفوز بها عن طريق القاذفات الأميركية، والاعتداءات بالطائرات المسيّرة، والقوات الخاصة. لكن لم تبرز أي أدلة على صحة هذه القناعة بعد.

على غرار جميع رؤساء المراكز في وكالة الاستخبارات المركزية، كان بانك عميلاً متخفياً لكن انتهت هذه المرحلة من عمله في بداية ديسمبر 2010 حين اتُّهِم علناً بجريمة قتل بسبب شكوى جنائية رفعها ضده كريم خان في إسلام أباد

أهم حدث في ولاية أوباما

مرّت أربع سنوات منذ أن اغتال فريق من قوات البحر والجو والبر التابعة للبحرية الأميركية أسامة بن لادن، خلال غارة ليلية استهدفت موقعاً عالي الجدران في «أبوت آباد»، باكستان. كانت عملية القتل هذه أهم حدث في ولاية أوباما الأولى وعاملاً أساسياً لضمان إعادة انتخابه. لا يزال البيت الأبيض يُصِرّ على اعتبار تلك المهمّة أميركية محض، ما يعني عدم إبلاغ كبار الجنرالات في الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات الباكستانية عن تلك العملية مسبقاً. لكنها معلومة خاطئة، وتتعدد الأخطاء في المعلومات التي نشرتها إدارة أوباما.

تتعلق أكبر كذبة فاضحة بعدم إبلاغ أهم قائدَين عسكريَين في باكستان، الجنرال أشفق برويز كياني، رئيس أركان الجيش، والجنرال أحمد شجاع باشا، مدير عام وكالة الاستخبارات الباكستانية، بالمهمّة الأميركية. يُصِرّ البيت الأبيض على هذه المعلومة رغم وفرة التقارير التي تشكك بها، بما في ذلك تقرير كارلوتا غال في مجلة «نيويورك تايمز»، في 19 مارس 2014. كانت غال قد عملت كمراسلة لصحيفة «تايمز» في أفغانستان طوال 12 عاماً، وقد كتبت أنها سمعت من «مسؤول باكستاني» أن باشا كان يعلم أن بن لادن موجود في «أبوت آباد» قبل وقوع الغارة الجوية. أنكر مسؤولون أميركيون وباكستانيون هذا الخبر واكتفوا بهذا القدر من التعليقات. يذكر إمتياز غول، المدير التنفيذي لمركز الأبحاث والدراسات الأمنية في إسلام أباد، في كتابه Pakistan: Before and after Osama (باكستان قبل أسامة وبعده)، في العام 2012، أنه تكلم مع أربعة ضباط استخبارات متخفّين، فأكدوا له أن الجيش الباكستاني يُفترض أن يكون على عِلْم بالعملية. عادت هذه المسألة إلى الواجهة في شهر شباط، حين صرّح الجنرال المتقاعد أسد دوراني، الذي كان رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية في بداية التسعينات، لقناة «الجزيرة» بأن عدم معرفة كبار الضباط في الاستخبارات بمكان اختباء بن لادن «احتمال ممكن»، لكنّ «الاحتمال الأكبر هو أنهم كانوا يعرفون مكانه. وفق هذا المنطق، كان يُفترض أن ينكشف مكانه في الوقت المناسب. ويصبح الوقت مناسباً حين تسمح الظروف بالقيام بالمقايضة المطلوبة: عندما تتعلق المسألة بشخصٍ مثل أسامة بن لادن، لا يمكن تسليمه إلى الولايات المتحدة بكل بساطة».

الأميركيون كانوا يخشون أن ينقل الباكستانيون بن لادن إلى مكان آخر إذا انكشف مصدر المعلومات لهذا السبب لم يطّلع إلا عدد صغير جداً من الأشخاص على ذلك المصدر والقصة التي يحملها

اقرأ أيضا

مصادر استخباراتية

كان مسؤول استخباري مرموق ومتقاعد أهم مصدر أميركي للمعلومات الواردة في ما يلي، فهو اطّلع على المعلومات الاستخبارية الأولية التي تتعلق بوجود بن لادن في «أبوت آباد». ويرتبط مصدران أميركيان آخران بمستشارَين قديمَين لقيادة العمليات الخاصة. تلقيتُ معلومات أيضاً من داخل باكستان حول حجم الاستياء وسط كبار القادة في الأوساط الاستخبارية والعسكرية بسبب قرار أوباما الإعلان عن خبر مقتل بن لادن فوراً. رفض البيت الأبيض التعليق على هذه المسألة.

بدأ كل شيء بمبادرة شخصية حيث عرض أحد المخبرين خدماته. في أغسطس 2010، قصد ضابط استخباري باكستاني سابق جوناثان بانك الذي كان حينها رئيس مركز وكالة الاستخبارات المركزية في السفارة الأميركية في إسلام أباد. فعرض عليه أن يخبر الوكالة بمكان وجود بن لادن مقابل مكافأة كانت قد عرضتها واشنطن في العام 2001. تعتبر وكالة الاستخبارات المركزية هذا النوع من المبادرات غير جديرة بالثقة، لذا قررت في تلك الحالة استدعاء فريق كشف الكذب، فتجاوز المُخبِر الاختبار بنجاح. أخبرني المسؤول الأميركي الاستخباري المتقاعد بأن الوكالة انشغلت في المرحلة اللاحقة بكيفية التأكد من وجود بن لادن في مجمّع سكني في «أبوت آباد» بعد تلقي دليل على اختبائه هناك.

أخفت الولايات المتحدة ما تعرفه عن الباكستانيين في البداية. يقول المسؤول المتقاعد: «كان الأميركيون يخشون أن ينقل الباكستانيون بن لادن إلى مكان آخر إذا انكشف مصدر المعلومات. لهذا السبب، لم يطّلع إلا عدد صغير جداً من الأشخاص على ذلك المصدر والقصة التي يحملها. كان أول هدف تصبو إليه وكالة الاستخبارات المركزية يتعلق بالتحقق من نوعية المعلومات التي نقلها المُخبِر». ثم خضع المُجمّع المستهدف للمراقبة عبر الأقمار الاصطناعية. استأجرت وكالة الاستخبارات المركزية منزلاً في «أبوت آباد» لاستعماله كقاعدة للمراقبة وملأته بموظفين باكستانيين وأجانب. تحولت هذه القاعدة لاحقاً إلى نقطة اتصال مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، وهي لم تلفت الأنظار لأن «أبوت آباد» تُعتبر منطقة لتمضية العطلة وهي مليئة بمنازل يتم استئجارها لفترات قصيرة. (تم تهريب المُخبِر وعائلته إلى خارج باكستان وسرعان ما استقروا في واشنطن. أصبح اليوم مستشاراً لوكالة الاستخبارات المركزية).



يضيف المسؤول المتقاعد: «بحلول أكتوبر، كان الجيش ومجتمع الاستخبارات يناقشان العمليات العسكرية المحتملة. هل يجب أن نرمي قنبلة على المُجمّع أم نقضي عليه بضربة جوية بطائرة مسيّرة؟ أو ربما نرسل شخصاً لقتل بن لادن؟ لكننا لن نحصل في هذه الحالة على دليل يثبت هويته. كنا نشاهد رجلاً يتجول ليلاً، لكننا لم نكن نعترض أي إشارات نظراً إلى غياب الاتصالات الصادرة من ذلك الموقع».

بحلول أكتوبر كان الجيش ومجتمع الاستخبارات يناقشان العمليات العسكرية المحتملة هل يجب أن نرمي قنبلة على المُجمّع أم نقضي عليه بضربة جوية بطائرة مسيّرة أو ربما نرسل شخصاً لقتله؟

تعاون باكستاني- أميركي

أردف المسؤول نفسه قائلاً: «لم يمرّ وقت طويل قبل أن نحصل على المساعدة التي نحتاج إليها لأن الباكستانيين أرادوا أن يضمنوا استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية، علماً أن جزءاً كبيراً منها كان عبارة عن تمويل لحملة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تمويل الأمن الشخصي لقادة وكالة الاستخبارات الباكستانية عبر تزويدهم بسيارات ليموزين مضادة للرصاص، وحراس أمن، وأماكن إقامة. شملت هذه الحزمة أيضاً «حوافز» شخصية ضمنية تم تمويلها عبر أموال الحالات الطارئة وغير المسجّلة في البنتاغون. كانت الأوساط الاستخبارية تعرف البنود التي يُفترض أن يوافق عليها الباكستانيون لنيل المكافآت. سرعان ما اختاروا الاستفادة من تلك المكافآت، وهو اتفاق يرضي الطرفَين. لجأنا أيضاً إلى شكلٍ من الابتزاز، فأخبرناهم بأننا سنسرّب معلومة مفادها أنهم يخفون بن لادن في أرضهم. كنا نعرف أن أصدقاءهم وأعداءهم، أي حركة «طالبان» والجماعات الجهادية في باكستان وأفغانستان، لن يحبذوا هذا الوضع».

كان التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والباكستانية وثيقاً طوال عقود في مجال مكافحة الإرهاب في جنوب آسيا، رغم استمرار الخلافات العلنية بين الطرفَين. أدرك المعسكران في معظم الأوقات أنهما يستفيدان من الخلافات العلنية «للتغطية على تحركاتهما الشائكة»، كما يقول المسؤول المتقاعد، لكنهما لم يكفّا عن تبادل المعلومات الاستخبارية التي تُستعمَل لشن اعتداءات بالطائرات المسيّرة والتعاون في عمليات سرّية. في الوقت نفسه، يتفهّم المسؤولون في واشنطن اقتناع عناصر من وكالة الاستخبارات الباكستانية بضرورة الحفاظ على علاقتهم مع قيادة «طالبان» داخل أفغانستان لحماية الأمن القومي. كان هدف الاستخبارات الباكستانية الاستراتيجي يتعلق بالتصدي للنفوذ الهندي في كابول. كذلك، تُعتبر «طالبان» في باكستان مصدراً للقوات الجهادية التي تبدي استعدادها لدعم باكستان ضد الهند في كشمير المتنازع عليها.

تصاعد التوتر بين الطرفين بسبب ترسانة باكستان النووية التي تعتبرها الصحافة الغربية في معظم الأوقات «قنبلة إسلامية» قد تنقلها باكستان إلى دولة محاصرة في الشرق الأوسط في حال وقوع أزمة مع إسرائيل. تغاضت الولايات المتحدة عما فعلته باكستان حين بدأت تبني نظام أسلحتها خلال السبعينيات، ويظن الكثيرون أنها تملك الآن أكثر من مئة رأس حربي نووي. يدرك المعنيون في واشنطن أن الأمن الأميركي يتوقف على حماية العلاقات العسكرية والاستخبارية القوية مع باكستان. إنها قناعة شائعة في إسلام أباد أيضاً.

يقول المسؤول المتقاعد: «الجيش الباكستاني يعتبر نفسه جزءاً من عائلة واحدة. الضباط يعتبرون الجنود أبناءهم وجميع الضباط «إخوة». يختلف الوضع في الجيش الأميركي. يظن كبار الضباط الباكستانيين أنهم يمثّلون النخبة ومن مسؤوليتهم أن يهتموا بجميع الناس باعتبارهم حاملي الشعلة ضد الأصولية الإسلامية. كذلك، يدرك الباكستانيون أن ورقتهم الرابحة ضد العدائية الهندية تتعلق ببناء علاقة قوية مع الولايات المتحدة، ما يعني أنهم لن يقطعوا روابطهم الشخصية معنا مطلقاً».

ماكريستال أُقيل من منصبه في يونيو 2010 بعد نشر سلسلة تعليقات مسيئة بحق الرئيس ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض على لسانه مع مساعديه في مجلة «رولينغ ستون»

عميل متخف

على غرار جميع رؤساء المراكز في وكالة الاستخبارات المركزية، كان بانك عميلاً متخفياً لكن انتهت هذه المرحلة من عمله في بداية ديسمبر 2010، حين اتُّهِم علناً بجريمة قتل بسبب شكوى جنائية رفعها ضده كريم خان في إسلام أباد. كان خان صحافياً باكستانياً قُتِل ابنه وشقيقه، وفق التقارير الإخبارية المحلية، من جراء ضربة أميركية بطائرة مسيّرة. كان السماح بتسمية بانك انتهاكاً للبروتوكول الدبلوماسي من جانب السلطات الباكستانية، وقد أطلق هذا الحدث حملة دعائية غير محبذة. تلقى بانك أمراً بمغادرة باكستان من وكالة الاستخبارات المركزية، ثم صرّح المسؤولون فيها لوكالة «أسوشيتد برس» بأنه نُقِل خوفاً على سلامته الشخصية. في هذا السياق، تطرقت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى زيادة الشكوك حول دور وكالة الاستخبارات الباكستانية في تسريب اسم بانك إلى خان. وسادت توقعات عن احتمال طرده انتقاماً لنشر أسماء قادة من وكالة الاستخبارات الباكستانية وربطهم باعتداءات مومباي الإرهابية في العام 2008، خلال دعوى قضائية في نيويورك في الشهر السابق. لكن افترض المسؤول المتقاعد وجود سبب آخر وراء استعداد وكالة الاستخبارات المركزية لإعادة بانك إلى الولايات المتحدة. كان الباكستانيون يحتاجون إلى أداة للتغطية على تحركاتهم في حال انكشف تعاونهم مع الأميركيين للتخلص من بن لادن. يستطيع الباكستانيون في هذه الحالة أن ينكروا تورطهم على اعتبار أنهم طردوا رئيس مركز الوكالة الأميركية.

التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والباكستانية كان وثيقاً طوال عقود في مجال مكافحة الإرهاب في جنوب آسيا رغم استمرار الخلافات العلنية بين الطرفَين

كان المجمّع السكني الذي يقيم فيه بن لادن يقع على بُعد أقل من ميلَين من الأكاديمية العسكرية الباكستانية، وكان مقر كتيبة قتالية تابعة للجيش الباكستاني يقع على بُعد ميل آخر تقريباً. وتقع «أبوت آباد» على بُعد أقل من 15 دقيقة بالمروحية من قاعدة «تاربيلا غازي» التي تُعتبر مهمة لتنفيذ عمليات وكالة الاستخبارات الباكستانية السرية، وهي المنشأة التي يتدرب فيها حراس ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية. يقول المسؤول المتقاعد: «كانت قاعدة «غازي» السبب الذي جعل وكالة الاستخبارات الباكستانية تضع بن لادن في أبوت آباد، لإبقائه تحت مراقبة متواصلة».

كانت المخاطر المطروحة على أوباما عالية في هذه المرحلة الأولية، نظراً إلى وجود سابقة شائكة من هذا النوع: إنها المحاولة الفاشلة لإنقاذ الرهائن الأميركيين في طهران، في العام 1980. كان ذلك الفشل عاملاً أساسياً وراء خسارة جيمي كارتر أمام رونالد ريغان. بدت مخاوف أوباما مبررة إذاً برأي المسؤول المتقاعد: «هل يتواجد بن لادن هناك فعلاً؟ هل كانت تلك القصة كلها مجرّد خدعة باكستانية؟ ماذا عن التداعيات السياسية إذا فشلت العملية؟ في النهاية، سيصبح أوباما مجرّد نسخة سوداء من جيمي كارتر إذا فشلت المهمّة وستنهار فرص إعادة انتخابه».

back to top