الغموض يلف وثائق «البنتاغون» المسرّبة... تضليل أميركي أم روسي؟

كييف تعدِّل خطط «هجوم الربيع» وموسكو تتبرأ... وبكين تحذّر حلفاء أميركا من الاعتماد عليها

نشر في 11-04-2023
آخر تحديث 10-04-2023 | 17:28
جنود أوكران خلال تدريبات في دونباس (رويترز)
جنود أوكران خلال تدريبات في دونباس (رويترز)
لا يزال الغموض يحيط بالمصدر والدوافع وراء أكبر تسريب للوثائق الأميركية الحساسة منذ سنوات، ففي حين يرى البعض أن موسكو قد تكون مستفيدة، يتحدث خبراء عن إمكانية قيام واشنطن بعملية تضليل مقصودة.

تعمل الولايات المتحدة على تقييم المخاطر المحتملة على أمنها القومي التي قد تترتب على تسريب وثائق سرية تتعلّق خصوصا بالغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أمس الأول، في حين لا يزال الغموض بشأن المصدر والدوافع وراء أكبر تسريب للمعلومات الأميركية السرية عن الحرب في أوكرانيا، منذ الغزو الروسي الشامل قبل 14 شهرا. وذكرت شبكة سي إن إن أمس، نقلا عن مصدر مقرب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن أوكرانيا اضطرت إلى تعديل بعض خططها العسكرية، قبل هجوم مضاد تفاخرت به كثيرا، بسبب التسريب.

هذا التسريب الذي كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي بعد أيام من انتشاره على الإنترنت، لا يشمل فقط تقارير ووثائق متعلقة بالنزاع في أوكرانيا، لكنه يتعلق أيضا بتحليلات حساسة جدا بشأن حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك كوريا الجنوبية وإسرائيل.

وقالت المتحدثة باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ: «بوشر التعاون بين الوكالات لتقييم تأثير (تسريب) هذه الوثائق المصورة على الأمن القومي وعلى حلفائنا وشركائنا».

وحسب تحليل وسائل إعلام أميركية، قد تكون هذه التسريبات مفيدة لموسكو، حيث إن هذه الوثائق تظهر مدى اختراق أجهزة الاستخبارات الأميركية لأجزاء معيّنة من الجهاز العسكري الروسي. وفي كييف، تحدّث مسؤولون عن حملة تضليل محتملة من قبل روسيا، لكن مدونين عسكريين آخرين أشاروا إلى عكس ذلك، معتبرين الأمر جزءا من مؤامرة غربية لتضليل القادة الروس.

وقال مساعد الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولياك، لـ «رويترز»، إن الخطط الاستراتيجية لأوكرانيا لم تتغير، لكن الخطط التكتيكية الأكثر دقة تخضع دائما للتغيير، مضيفا: «هناك مهام استراتيجية. إنها غير قابلة للتغيير».

وذكر أوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، لـ«رويترز»، «نعمل على خططنا... رأي أولئك الذين لا علاقة لهم بالأمر لا يهمنا... دائرة من يمتلكون المعلومات محدودة جدا». ويرى بعض الخبراء أنه من الممكن أن يكون مصدر التسريب أميركيا.

وأفاد مايكل مولروي، المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، لـ«رويترز»، في مقابلة، «التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة، لأن العديد من هذه الوثائق كان بحوزة الولايات المتحدة فقط»

من ناحيتها، رأت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية الناطقة بالإنكليزية أن التسريب برأي الخبراء الصينيين، قد يكون ناتجا عن انقسام سياسي داخل الولايات المتحدة نفسها، وإن وقوف روسيا وراء ظهور هذه الوثائق في الإنترنت أمر مستحيل، لأن ذلك سيسفر عن فقدان المخابرات الروسية للمصادر التي قدّمت لها هذه الوثائق، وأضافت أنه ينبغي على حلفاء أميركا التفكير فيما إذا كان يمكن الوثوق بها.

7 سيناريوهات محتملة حول مصدر ودوافع التسريب بينها ضلوع نشطاء يمينيين

وتحاول وزارة العدل الأميركية، التي فتحت تحقيقا السبت، تحديد مصدر التسريبات وما زالت تدرس مدى صحة الوثائق التي تم نشرها. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين أن هذه الوثائق جرى تزوير بعضها لتخدم مصلحة روسيا، لكنّ معظمها أصلية وتتوافق مع تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية متداولة في البيت الأبيض و«البنتاغون» ووزارة الخارجية، وفق المصدر نفسه.

وبعضها يحتوي معلومات تتعلّق بالمناقشات الداخلية للحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة.

على سبيل المثال، سلطت إحدى الوثائق الضوء على مناقشات حكومية في كوريا الجنوبية حول إمكان إمداد أوكرانيا بقذائف مدفعية أميركية بضغوط من واشنطن.

وقال المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، إن «تسريبات» الوثائق السرية من «البنتاغون» مثيرة للاهتمام، ويتم دراستها وتحليلها بدقة كبيرة، وأضاف تعليقا على مزاعم تورّط روسيا في هذه «التسريبات»، قائلا: «أصبح الميل إلى إلقاء اللوم على روسيا في كل شيء يحصل حول العالم، وفي كل زمان ومكان، مرضا شائعا، لا يوجد شيء للتعليق عليه هنا».

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال، في تقرير موسّع لها عن هذه الوثائق العسكرية، إنها تسربت في البداية خلال محادثة دردشة بين أعضاء مجموعة صغيرة على منصة الرسائل «ديسكورد»، ثم أعاد مستخدم آخر نشر العشرات من تلك الوثائق في مجموعة أخرى ذات جمهور أكبر، قبل أن تنتشر بين مجتمع لعبة «Minecraft» الإلكترونية.

ويقول الخبير الاستخباراتي الأميركي، جوناثان أكوف، وهو من قسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا الساحلية، وعمل في السابق محللا عسكريا في المكتب الوطني للبحوث الآسيوية، كما خدم ضابطا احتياطيا في القوات البرية الأميركية لعدة سنوات إن موضوع التسريبات شديد التعقيد، خصوصا مع توافر احتمالات مختلفة وراء مصدر التسريب، لكنّه يشير إلى محدودية تأثيره على موقف واشنطن الداعم بقوة للجانب الأوكراني، أو على مسارات القتال والحرب. وهو يتحدث عن 7 سيناريوهات حول من يقف وراء التسريبات:

أولا: تم تسريب الوثائق في الأغلب من قبل أحد العاملين بقطاع الاستخبارات الأميركي، وينتمي إلى تيار اليمين المتطرف الذي يسعى لتقويض المجهود الحربي الأميركي الداعم لأوكرانيا.

ثانياً: التسريبات قد تكون جاءت من شخص يحاول فضح مخالفات الحكومة الأميركية، لا سيما ما يتعلق بتجسس الاستخبارات الأميركية على حلفاء واشنطن الذين تعهدت الحكومة الأميركية بوقف التجسس عليهم.

ثالثاً: لأن بعض التسريبات تُظهر مدى الضرر الذي لحق بروسيا بسبب الحرب، وكذلك كيف أن الخسائر الأوكرانية أسوأ مما أُبلغ عنه، ويمكن للمرء أن يكتشف أن الدافع وراء هذه التسريبات هو الإسهام في تحقيق السلام.

رابعاً: قد تكون التسريبات مضللة، وتكون روسيا أو الصين وراءها، وتكون جمعتها أجهزة التجسس الخاصة بهما وسرّبتها لتقويض الجبهة الموحدة لحلف الناتو. وقد تكون روسيا ضمنت معلومات تُظهرها بصورة ضعيفة، وهو ما يوفر حجة مقنعة بأنها ليست مصدر التسريبات.

خامساً: أن يكون التسريب جزءا من استراتيجية التضليل والخداع الأميركية، أي إن «التسريبات معلومات مضللة أميركية»، وقد يكون ذلك أمرا غير قابل للتصديق، لكنه ممكن.

سادساً: أن يكون مصدر التسريبات من شخص مؤيد بشدة لأوكرانيا من داخل أجهزة الاستخبارات الأميركية، إلا أن هذا السيناريو كذلك غير مرجح، لما يشمله من احتمال الإضرار بمصالح أوكرانيا.

سابعاً: التسريبات من قراصنة ليست لديهم أهداف سياسية معيّنة، وقد يكونون فقط ممن يستمتعون بنشر الفوضى على سبيل التسلية.

back to top