ناجي جبر... النجم الاستثنائي للكوميديا والمسرح «1-6»

• العمل في المسرح خلال السبعينيات شكّل انطلاقته الأولى

نشر في 06-04-2023
آخر تحديث 06-04-2023 | 17:39
شخصية متفردة في عالم التمثيل، «الزكرت» المشاكس والشرير الذي أحبه الجميع، وظلمه الدور. لاعب أساسي متمرس على المسرح بثقافته وموهبته، احتضنته المسارح في بداياته فاحتضنها مدى الحياة في قلبه مدافعاً شرساً عن الخشبة صانعة النجوم وملهمة الفنانين. صنع لنفسه شخصية «أبو عنتر» الدرامية والسينمائية، التي لم تتكرر رغم كثرة قبضايات الأعمال الفنية. ساهم مع نجوم عصره، حسني البورظان وغوار وياسينو وفطوم وأبو كلبشا وغيرهم، في خلق كوميديا جديدة للمشاهد العربي بلهجة شامية سلسة. أبو عنتر الفارس الذي ألقى خنجره تاركاً صورة مازالت قائمة في مخيلة الناس رغم رحيله، يثيرها واقعهم ويتناقلونها شاهداً حياً على ظروفهم وحياتهم اليومية، مرددين باستظراف أهم كلماته «باطل، عرضية، مالها فكاهة ولا مزية».

ولد ناجي جبر في مدينة شهبا العريقة الواقعة على بعد تسعين كيلومتراً جنوب العاصمة السورية دمشق وتسعة عشر كيلومتراً شمال مدينة السويداء، وجاءت عراقة تلك المنطقة من خلال آثارها الموجودة في كل مكان بدءاً من مسرحها الروماني ومدفن «الفيلبيون» إلى الشمال منه، وهو ضريح إمبراطوري مربع الشكل مبني من الحجر البازلتي القاسي كمعبد جنائزي لعائلة الإمبراطور فيليب العربي، بهدف تأليه والده كارلوس مارينوس، وتضم المدينة أيضاً معبداً أثرياً هو المعبد الروماني والحمامات الأثرية الكبرى التي تطل إلى الجنوب الشرقي من الساحة العامة للمدينة، ويحيط بمدينة شهبا القديمة سور حجري مستطيل الشكل.

النشأة

في هذه المدينة التاريخية ولد الفنان ناجي جبر في التاسع من فبراير عام 1940، جبر الذي يفتخر بأصوله القديمة العريقة التي شكلت بالنسبة له شرفاً كبيراً على حياته الاجتماعية والمهنية، التي تعود إلى أجداده الذين تواجدوا في حي «التيامنة» منذ 800 عام، الحي الدمشقي القديم في منطقة باب مصلى، أحد أبواب دمشق السبعة، والمعروف عن دمشق كغيرها من مدن المنطقة تعرضها لهجرات جماعية، كان أشهرها هجرة «التيامنة» من وادي تيم التابع حالياً لقضاء راشيا في لبنان. وبعد أن استقروا فيها، سمي أحد الأحياء باسمهم.

كانت أسرة الفنان ناجي مهتمة بالفن إذ سبقه إلى خشبة المسرح أخوه محمود الذي يكبره بخمس سنوات ثم لحق بهما هيثم. ومن الطبيعي أن يبدأ الفتى مشواره بالمسرح المدرسي لينتقل بعدها إلى المسرح القومي في أواخر الخمسينيات حيث ترافق تأسيسه مع الوحدة في سورية ومصر، وبداية العروض الخاصة بهذا المسرح بدأت في أوائل الستينيات بعد أن اقتصر المسرح في سورية على فرق خاصة. ونذكر أن أول فرقة مسرحية شكلت في سورية عرضت أول أعمالها سنة 1960 وتم إقرارها رسمياً بعد ذلك كما أن وزارة الثقافة والإرشاد القومي أقرت وقتها إنشاء ثلاثة مسارح هي مسرح العرائس ومسرح الفنون الشعبية وسمي بفرقة آمية، والثالث كان المسرح القومي الذي يعتبر الفنان نهاد قلعي «حسني البورظان» مؤسساً أساسياً له. وأول عمل قدم على هذا المسرح كان «مشكلة الحكم، أو راكسا جولا» من إخراج الدكتور رفيق الصبان فشكّل وجود الأخ محمود داعماً أساسيا لناجي في الدخول إلى عالم التمثيل من بوابة فرقته المسرحية التي أسسها.



العمل في المسرح

بدأ الفنان ناجي جبر مسيرته الفنية في عام 1967، من خلال المشاركة في المسرح القومي إلى جانب أخيه الفنان محمود جبر، ثم عام 1968 في الفرقة التي شكلها شقيقه محمود أيضا حيث قدّم في تلك الفترة العديد من المسرحيات، منها: (صياد وصادوني - ليلة أنس - إعلانات قاووش خمس نجوم - اليوم أحسن من بكرا - مغامرة رأس المملوك جابر - سراديب الضايعين - ترفيع استثنائي - طارت البركة، النهب - حط بالخرج – ليش هيك صار معنا) وغيرها من المسرحيات التي وصفت وقتها بالكوميدية الاجتماعية الناقدة، كما أُطلق عليها أيضا «مسرح تجاري» إلا أنه وفي حياة ناجي جبر المسرحي وقبل أن ينفرد بتقديم مسرحياته الكوميدية الخاصة، لم يكن الطابع العام لها مقتصراً على ما يسمى «المسرح الكوميدي الشعبي» الذي قدمه برفقة شقيقه محمود، بل قدم مسرحيات في تجربة أخرى تحمل طابعاً متميزاً مختلفاً عن النمط الشعبي، إذ شارك في عرض مسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» بعد اختياره من كاتب النص، الروائي والأديب السوري سعد الله ونوس سنة 1972، وهو مخرج العمل أيضاً، شارك ناجي وقتها باسم فرقة (المسرح) التي كانت تتبع نقابة الفنانين، وقدمت العديد من العروض الهامة.

كما شارك في العرض نفسه (فرقة نقابة الفنانين) في مسرحية «لا تسامحونا» التي كتبها وأخرجها علاء الدين كوكش وفيصل الياسري، باسم «فرقة المسرح المعاصر». المسرحية كانت تتألف من عدة لوحات كوميدية ناقدة ساخرة، وما ميزها أنها كانت ذات طرح ثقافي وسياسي مختلف وجريء. هذا الإطار الذي شكلت به دفع الرقابة إلى رفض تمديد عروضها التي كانت تقدم على خشبة مسرح القباني.

وفي تلك الفترة عمل ناجي جبر على خشبة المسرح العسكري مع مجموعة من زملائه وقدموا العديد من المسرحيات التي لاتزال في ذاكرة من بقي منهم والذين أصبحوا نجوم الشاشات العربية لاحقاً ومنهم الفنانة القديرة منى واصف.

كان المسرح شغفاً دائماً لدى ناجي جبر منذ بداياته وحتى آخر أيامه فأينما حل ضيفاً في لقاء أو حوار صحافي أو تلفزيوني رغم قلتها لا بد أن يكون للمسرح تلك المساحة الكبيرة التي يرغب أن يحصل عليها فيستفيض جبر في الحديث عن مميزاته وهمومه في الوقت نفسه مشجعاً الفنانين على اعتناقه ومحفزاً الجهات المسؤولة على دعمه، ففي أحد أهم حواراته مع صحيفة الشروق قبل سنة من رحيله أعرب عن أمله في استمرار الحركة المسرحية وأن الخطوات المتبعة لاستمراريته تؤكد أنه لا يزال بخير، فهو فن راسخ لا يمكن لأحد أن يلغيه لأن فسحة المشاهدة والاستمتاع اليوم تعبر عن معادلة أساسية بين الجمهور والفنان وهي معادلة صعبة وفي نفس الوقت تمتلك مفردات واضحة كالسهل الممتنع، لذلك عندما يكون فريق العمل جاداً في تقديم الكوميديا الاجتماعية بإيماءات تعبيرية تلامس وتدغدغ مشاعر وأحاسيس أي عائلة فإنه يحقق الوصول قدر المستطاع إلى رسم ضحكة حقيقية وابتسامة بعيدة عن التزييف على وجوههم

من ناحية أخرى فإن أغلب الفرق المسرحية كما يراها جبر لم تصل حتى الآن إلى تحليل المعادلة الاجتماعية وأن معظم ما يتم تقديمه يعتبر خارج لياقة وحميمية المسرح ومن الملاحظ عدم استمرار فرق كثيرة بل وسقوطها أحياناً بسبب ابتعادها عن المسرح الذي لا يجسد الواقع الحياتي المعيش بطريقة كوميدية وفيه اقتراب من الخلاعة معتبراً المسرح مدرسة كبيرة ومنبراً شريفاً ومن حق المواطن اليوم تحت ظل الكثير من التداعيات التي يعيشها الحصول على ابتسامة حقيقية دون استجداء بعيدة كل البعد عن البذاءة والتهريج والتسويف، والمواطن نفسه يحتاج أيضاً مسرحاً يناقش كل الجوانب الاجتماعية في حياته ويطرح أيضاً إسقاطات سياسية تزيل عنه الاجواء الصاخبة الواقعة تحت ثقل المآسي التي تتعرض لها الأمة العربية كل يوم، خصوصاً بعد أن أضحت السياسة تجري في دماء كل مواطن في الوطن العربي والتي بدورها أثقلت هذا المواطن بالأخبار والكوارث والحروب فهو كما نلاحظ يشمل حديثه العادي اليومي السياسة، ومن هنا فإن الإسقاطات الدرامية السياسية جاءت مواكبة لاشتداد حمى وسائل الإعلام على اختلاف أطيافها وأصبحت اليوم تدون في فكر وذهن الناس من خلال مشاهدة الفضائيات وتعرفهم على معظم الأحداث الجارية في العالم.



6 أعوام متتالية

ويذكر أن ناجي جبر أسس لنفسه مسرحاً متميزاً حقق من خلاله جماهيرية كبيرة ممزوجة بمحبة لا توصف إذ تتناقل الكثير من المصادر أن مسرحيته «ليل أنس» للكاتب السوري من أصل فلسطيني «إسماعيل أحمد قبلاوي» والتي بدأ عرضها في دمشق سنة 1984 وبقي العرض مستمراً ستة أعوام متتالية، كانت أول مسرحية تقدم على الخشبة في سورية كل هذه الفترة من الزمن، أما مسرحية «إعلانات قاووش خمس نجوم» فقد استمر عرضها سنتين أو أكثر.

ومن المميز في بداية السبعينيات أن ناجي جبر انضم إلى نقابة الفنانين السوريين عام 1972 وهو نفس العام الذي بدأ فيه العمل في التلفزيون السوري على الشاشة، حيث أصبحت ملامح الشهرة تتضح عند الممثل المجتهد وكانت المرحلة الأساسية في حياته الفنية كاملة، حيث انضم إلى الثنائي دريد لحام (غوار الطوشي) ونهاد قلعي (حسني البورظان) في بدايات السبعينيات من القرن المنصرم مشاركاً الثنائي في مسلسلات طبعت في الذاكرة «صح النوم»، وحمام الهنا، ومقالب غوار، ووين الغلط، ووادي المسك، وفيلم «غرام في إسطنبول» وغيرها الكثير. كما كان له دور كبير في العديد من الأعمال التلفزيونية مثل «أولاد بلدي»، وحكايا الليل.

مسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» التجربة المسرحية الأهم

«مغامرة رأس المملوك جابر» للروائي السوري سعد الله ونوس، مسرحية جدلية توقف عندها النقاد كثيراً، حيث يصور نصها واقع الشعوب العربية، في حكاية تحمل في طياتها جملة من القضايا الشائكة بشكل ممتع، حيث تروي واقع بغداد المتردي نتيجة صراع بين الوزير والخليفة، بينما يترصدها العجم منتظرين فرصة سانحة للسيطرة عليها. ومع احتدام الصراع بين الخليفة والوزير ومحاولات إطاحة كليهما بالآخر عن طريق تدبير المكائد كان الشعب يدفع ثمن ما يحدث مكتفياً بالصمت، فمن وجهة نظرهم أن الصمت هو مفتاح الأمان، وبدأ الوزير يشعر بالضعف وتزايد الإحساس بالخطر، ووجد أن الحل الأمثل هو الاستعانة بالعجم على الخليفة فباشر البحث عن طريقة لإيصال رسالته لهم مع التشديد الذي يجريه الخليفة من تفتيش للجميع.

هنا يأتي دور جابر « ناجي جبر» الذي استقبله الوزير محذراً، ليقدم خطته، التي تقوم على أن (يحلق شعره ويكتب الرسالة على رأسه ثم ينتظر أياماً حتى ينمو ويتوجه إلى بلاد العجم بأسرع ما يمكن، مقابل تزويجه الجارية زمردة. فوافق الوزير على الخطة ووعده بالكثير. نفذ جابر أفكاره واتجه لبلاد العجم آملاً بتحقيق الوعود كاملة من قبل الوزير. وعند وصوله بلاد العجم رحبوا به وقاموا بحلق شعره ليقرؤوا ما كتب. حيث كتب الوزير على رأسه مضمون ما يريد وختم بعبارة «في النهاية اقطع رأس حامل الرسالة» وتم ذلك. ثم لاحقاً دخل العجم إلى بغداد فاستباحوا الأرض والعرض وأخذوا البلاد.


محمود جبر محمود جبر

محمود جبر... بصمة مميزة على المسرح في سورية

يعتبر الراحل محمود جبر، شقيق ناجي، صاحب بصمة مميزة على المسرح في سورية في الخمسينيات وما تلاها.

ولد محمود، في محافظة السويداء بمدينة شهبا سنة 1935 وبدأ نشاطه على مسرح المدرسة في خمسينيات القرن الماضي ثم تابع دراسته ونشاطه في المدرسة الثانوية في حي الميدان في دمشق، شكل بعد ذلك فرقة من الهواة، تاركاً الدراسة في المدرسة الحكومية لينتقل لإحدى المدارس الخاصة التي تتيح الدراسة ليلاً. حتى يتسنى له التفرغ للعمل على المسرح. حصل على الشهادة الثانوية وبعد ذلك عمل موجهاً في مدرسة العلوم والآداب، ليبدأ لاحقاً أولى خطوات المسرح الفعلية بتعيينه خبيراً مسرحياً في مديرية الفنون وتم اختياره من وزارة الثقافة إلى جانب الفنان الكبير الراحل عمر حجو، إذ أدى دور البطولة في عدد من المسرحيات كان أبرزها مسرحيتا ثمن الحرية والبرجوازي النبيل. عمل أيضاً في المسرح العسكري في الستينيات، وكان الافتتاح وقتها بمسرحية «العطر الأخضر» حيث أدى دور البطولة إلى جانب الفنانة القديرة منى واصف.

وفي عام 1960 كان الفنان محمود جبر حاضرا في بداية إطلاق التلفزيون السوري، إلى جانب كل من نهاد قلعي ودريد لحام، وقدم عدداً من المسلسلات التلفزيونية، منها الإجازة السعيدة ورقصة الحباري والموظف وغيرها الكثير، ترافق ذلك مع تقديمه أكثر من عشرة أفلام سينمائية. يذكر أن محمود جبر تسلم منصب نائب نقيب الفنانين لستة أعوام بين 1984-1990، وترشح لمجلس الشعب في دورة 1986 – 1990، واستمر في المجلس في الدورة التي تليها عام 1990 – 1994. قدم جبر ما يزيد على 40 عملاً فنياً، توزعت بين المسرح والسينما والتلفزيون، حيث شارك في أعمال سينمائية للقطاع الخاص مثل: فيلم ساعي البريد - قطط شارع الحمراء - قاهر الفضاء - خياط للسيدات. لكن المسرح حاز حصة الأسد من أعماله الفنية من خلال تقديمه ما يقارب تسعة عشر عملاً مسرحياً، توفي في 27 من يوليو عام 2008 عن عمر ثلاثة وسبعين عاماً.

لم يكن تعلقه بالمسرح عادياً فكان مثابراً مجداً رغم كل الظروف التي مر بها ومقتنعا بأن المسرح لا بد أن يصل إلى المستويات التي يستحقها حيث قال في حديث مع صحيفة «الحياة» في عام 1999: «إن المسرح باق ما بقيت هذه الحياة».

back to top