الكويت «عاصمة التحول الرقمي»

نشر في 03-04-2023
آخر تحديث 02-04-2023 | 17:27
 د. بلال عقل الصنديد

من مفردات الترويج العصري الإعلان عن بعض العواصم والمدن كمركز استقطاب لنشاط اقتصادي أو تنموي معين، فتسوّق إحداها على أنها «عاصمة للصناعة» وتعلن أخرى «عاصمة للتنمية العمرانية»، وتسمّى ثالثة «مركز الجذب الاستثماري» وتعرف رابعة بأنها «عاصمة السياحة» الى ما هنالك من عناوين وشعارات جذّابة... إلخ.

لا يؤدي هذا النوع من الترويج إلى جذب المستثمرين والمهتمين لزيارة هذا البلد أو تلك المدينة فقط، بل يتعدى الأمر الى خلق نوع من الالتزام الرسمي والشعبي بعنوان الترويج الذي تتبناه الدول في خططها التنموية وتجعله محور التركيز في موادها الإعلانية وحملاتها الدعائية خارج الحدود وداخلها، فترى المؤسسات الرسمية متأهبة لخدمة تحقيق الشعار المتبنى، ويكرس القطاع الخاص كامل طاقاته وكل إبداعاته لاقتناص الفرص والمشاركة في السباق، وترى المواطنين والمقيمين والزوّار متفاعلين بقوة مع ما يتفرع عن ذلك من فعاليات ونشاطات.

لقد خبرت الكويت هذا النوع من الترويج، فتفاوتت نسب نجاحها وإخفاقاتها جزئياً أو كلياً وفقاً للظروف والمراحل، فقد كانت «دانة الخليج» رائدة عربياً وخليجياً في إشعاعها الحضاري، وكانت قبلة للمهتمين بالثقافة والمسرح والكتابة، ومن ثم كان مهرجان «هلا فبراير» من المهرجانات السبّاقة خليجياً في استقطاب سياحة التسوق والترفيه، وفي المقابل لم تتح الظروف الداخلية والتحولات الخارجية والأزمات الاقتصادية العالمية لشعار «تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري» بأن يحقق كامل النجاح المرتقب. وننتظر بصدق التمني وبيقين الدعاء بأن يكتب الله التوفيق لشعار «كويت جديدة» وأن تصدق النوايا وتتضافر الجهود لتحويل مشاريع خطة 2035 الى إنجازات على أرض الواقع.

من جانب آخر، وفي سياق البحث عن هوية للقطاع الأكثر احتمالية في النجاح بتعزيز النشاط الاقتصادي وتحريك عجلة التجارة في الكويت، طُرحت فكرة إعلان الكويت «عاصمة للمطبخ العالمي»، وهذه الفكرة بقدر ما قد تبدو للبعض أنها سطحية أو تعلّق بأمل تنموي قد يكون واهياً، تشكل في حقيقتها طرحاً جدياً اذا ما أخذ بالاعتبار المقومات الكثيرة والنجاحات الملحوظة لقطاع الفندقة والمطاعم في الكويت.

إلا أنه من العوائق الرئيسة لمثل هذا القطاع الخدمي تأثره السريع والكبير بما قد يمر الى جانبه من أزمات اقتصادية أو أمنية وحتى سياسية، حيث تتذبذب مستويات نجاحه أو إخفاقه على إيقاع الظروف الداخلية والإقليمية المحيطة، وتبعاً للتحولات في المقدرة الشرائية للمهتمين به، لذا وإلى جانب هذا القطاع لا بد من البحث عن قطاعات تنموية أخرى تتصف بالصلابة والاستدامة وبإمكانية التحقيق والنجاح.

***

من منطلق البحث عن الممكن من القطاعات التنموية والمتاح من أنشطتها، وبنظرة موضوعية الى الواقع الكويتي، وبمحاولة تمييز العنوان التنموي للكويت عن السائد في المحيط الذي يلفت الأنظار اليه من خلال التنمية السياحية أو العمرانية أو العقارية، ومع التسليم بأهمية المضي بكل مسارات التنمية الاقتصادية والصناعية واللوجستية والسياحية والعمرانية وغيرها... قد يكون مناسباً وممكناً أن يتم العمل الجدّي لجعل الكويت مركزاً أو عاصمة للتحول الرقمي.

هذا الطرح، بقدر ما يشي الظاهر من صعوبة أو تعقيد في تحقيقه، هو الأكثر إمكانية للتحقق في الكويت بالنظر الى توفّر كل إمكانات ترجمته على أرض الواقع من مقدرات بشرية وعلمية، ناهيك عن عدم تطلبه لبنية تحتية مكلفة ومساحات جغرافية مقارنة بغيره من القطاعات، مع سهولة العمل عليه والترويج له إذا ما خطط له بشكل جدّي ونفّذ بحس وطني.

لا شك أن جعل الكويت عاصمة للتحول الرقمي في المنطقة العربية والخليجية يحقق كثيراً من النتائج الايجابية على كافة المستويات والآجال وبخاصة انه يقع في صلب مواكبة المستجدات العالمية، ويستجيب بجدارة لتطلعات الشباب الكويتي المؤهل بأحدث المعارف والخبرات العلمية، والباحث عن وظائف لائقة ومناسبة، والطامح الى الإنجاز والنجاح.

ونشير في هذه العجالة الى أهمية الطرح على المستوى التنموي، ففي المدى المنظور يخلق هذا الطرح هوية حضارية مميزة لدولة الكويت تشكل مفخرة لأبنائها ومحبيها وتضعها على خريطة الجذب الاستثماري والاهتمام الإقليمي والدولي، أما على المستوى الاقتصادي والتجاري فمن شأن هذا الطرح أن يربط الاقتصاد الكويتي بكبرى الشركات المختصة والمهتمة بتكنولوجيا الاتصال والمعلومات بكل تفرعاتها.

وعلى مستوى العلاقات الدولية ومن منظور استراتيجي تضع هذه الفكرة دولة الكويت في صلب الاهتمام العالمي، وتجعلها بمنأى عن التداعيات السلبية لأي تحول إقليمي محتمل أو تهديد أمني قد يطول مصالحها وأراضيها، فمن المنطق أن يدافع جميع أصحاب الشأن من دول وشركات عن مصالحهم المركّزة على الأراضي الكويتية.

***

وبنظرة موضوعية متفائلة نجد أن إرهاصات تحقيق الفكرة بدأت بالظهور من خلال توقيع الاتفاقية الإطارية للشراكة الاستراتيجية بين حكومة دولة الكويت وشركة «غوغل كلاود العالمية» التي بموجبها تتمكن الشركة من افتتاح مكتب لها في دولة الكويت والاستثمار في إنشاء منطقة سحابية خاصة فيها بهدف دعم وتمكين التحول الرقمي الشامل في الجهات الحكومية والشركات الرئيسة المملوكة لدولة الكويت، وتمكين الاستفادة من تكنولوجيتها المبتكرة وخبرتها في تحليل البيانات والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وهذا من أهم ممكنات رؤية «كويت جديدة 2035» ومن أهم أولويات حكومة دولة الكويت للسنوات المقبلة، وفق ما ورد في بيان مجلس الوزراء الذي تبنى وبارك هذه الخطوة التي حققتها الجهود المشتركة والتعاون المثمر بين كل من هيئة تشجيع الاستثمار المباشر والجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات.

***

ليس المجال متاحاً للغوص في المفردات الخاصة بالتحول الرقمي، ولا يمكن في سطور إيجاز خارطة الطريق اللازمة لجعل الكويت رائدة في هذا المجال وقبلة للمهتمين بهذا الشأن، ولكنها فكرة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية واهتماماً مناسباً، وأن يتم العمل عليها وتحقيقها بأسرع ما يمكن لما فيه خير البلاد والعباد.

* كاتب ومستشار قانوني

back to top