في ظلال الدستور: لا بطلان بغير نص أو مقتضى ولا جزاء إلا عدل الفعل (3-3)

نشر في 02-04-2023
آخر تحديث 01-04-2023 | 17:40
صحة اجتماع المجلس الذي توافر نصاب انعقاده مقرر لمصلحة المجلس، وهو حق دستوري أصيل له لا يجوز له النزول عنه إعمالاً للمادة (50) من الدستور التي تحظر على كل سلطة النزول عن اختصاصها المنصوص عليه في الدستور، كما لا يجوز للحكومة أن تزعم ببطلان اجتماع للمجلس تكون قد تسببت فيه بغيابها.
 المستشار شفيق إمام

تناولت الأسبوع الماضي في مقالين متتاليين، تحت عنوان هذا المقال، أن اجتماعات مجلس الأمة هي حق من الحقوق الدستورية، التي تمارس من خلالها الأمة سيادتها، متى اكتمل نصاب الاجتماع بحضور أكثر من نصف أعضاء المجلس إعمالاً لأحكام المادة (97) من الدستور، وإن إخلال الحكومة بتمثيل الوزارة في جلسات المجلس، ولو بوزير واحد، المنصوص هذا الالتزام في المادة (116) من الدستور، لا يبطل اجتماع المجلس، إذ لا يجوز لعضو واحد أن يشق بحقيبته الوزارية التي يحملها نصاب انعقاد المجلس وأن يكون غيابه عن تمثيل الوزارة (فيتو) على الاجتماع، ولو كان قد حضره كل أعضاء المجلس المنتخبين، علماً أن الحكومة بكامل تشكليها (ثلث أعضاء المجلس)، ليس لها أي ميزة على سائر الأعضاء المنتخبين في التصويت على القرارات التي يصدرها، فكيف يكون لعضو واحد من أعضائها هذه القوة السحرية في تعطيل اجتماعات المجلس؟

نظرية البطلان

وكنت قد تطرقت إلى نظرية البطلان التي تستمدّ أساسها من المبادئ العامة للقانون، وبينت أن الدستور قد سلك مسلكين متكاملين في تطيبقها، المسلك الأول هو ترتيب البطلان بنص صريح في المادتين (71) و(90) من الدستور، عندما كان الأمر يستوجب البطلان فيهما، والمسلك الثاني وهو مكمل للمسلك الأول، عدم ترتيب البطلان- بحق- على عدم الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في المواد (65) و(86) و(87) و(107) و(111) بل رتب جزاءً هو عكس البطلان الذي يراه البعض في إخلال الحكومة بالالتزام بتميثل الوزارة في جلسات المجلس، ولو بوزير واحد، كان هذا الجزاء هو عدل الفعل، وإن عدل فعل الإخلال بهذا التمثيل هو المساءلة السياسية، إن كان لها مبرر أو مقتضى.

التحقق من البطلان

البطلان باعتباره جزاءً على مخالفة العمل القانوني بوجه عام للشروط والقواعد التي نص عليها القانون، هو بطلان لا يتقرر كأصل إلا بنص صريح، كما فعل دستور الكويت في المادتين (71) و(90) عندما أجاز لمجلس الأمة اعتماد نفاذ المراسيم بقوانين في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر، وهي المراسيم التي اعتبرت كأن لم تكن لعدم عرضها على المجلس في الميعاد الذي حددته هذه المادة.

كما أجازت المذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها للمادة (90) من الدستور التي تنص على بطلان كل اجتماع للمجلس يعقد في غير الزمان والمكان المقررين له، وبطلان القرارات التي تصدر فيه، أجازت رغم النص الصريح على البطلان، أن يكون الاجتماع صحيحاً إذا دعت الضرورة إلى عقد الاجتماع في غير الزمان والمكان المقررين لذلك.

الغاية من العمل القانوني

وتعني التشريعات المختلفة في هذا السياق بالغاية من الشكل الذي يتطلبه الدستور أو القانون، فلا يبطل العمل القانوني الذي تخلف فيه الشكل ولو نص القانون على بطلانه:

- إذا تحققت الغاية من العمل القانوني.

- إذا لم يترتب على تخلف الشكل ضرر.

وتقرر أيضاً:

- أنه لا يحوز أن يتمسك بالبطلان إلا من شرع البطلان لمصلحته.

- ولا يحوز التمسك بالبطلان من الطرف الذي تسبب فيه.

- ويزول البطلان إذا نزل عنه- صراحة أو ضمنا من شرع لمصلحته.

ويذهب بعض الفقه إلى أنه لا يحكم بالبطلان إلا إذا توافر شرطان:

أولهما، أن تحصل المخالفة في شكل جوهري.

ثانيهما: أن يترتب على هذه المخالفة تفويت ما قصد القانون حمايته وصيانته من حقوق ومراكز قانونية.

وبتطبيق ما تقدم على ما يترتب على غياب الحكومة عن تمثيلها في اجتماعات المجلس فإننا لا ننكر أن حضور الحكومة هو شكل جوهري يحقق ما نصت عليه المادة (50) من الدستور من وجوب التعاون بين السلطتين لسلامة العمل التشريعي والرقابي المنوط بالسلطة التشريعية الممثلة في مجلس الأمة، ويقابل ذلك ما قصد الدستور صونه وحمايته، وهو حماية مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو جوهر الحكم الديموقراطي وأساسه المكين من أن ينفرط عقد المجلس ويبطل اجتماعه إذا كان عقد هذا الاجتماع رهناً بإرادة سلطة أخرى هي السلطة التنفيذية.

ومن المبادئ المسلّم بها في أصول الفقه القواعد الآتية:

- إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.

- يختار أهون الشرين.

- درء المفاسد أولى من جلب المنافع.

- الضرر يدفع بقدر الإمكان.

الأمر الذي نخلص معه باطمئنان ويقين إلى:

أولاً- أن حضور الحكومة اجتماعات المجلس هو أمر جوهري وضروري لمصلحة الأمة فيما يصدره المجلس من قرارات وتشريعات وما يناط به من محاسبة ومساءلة الحكومة سياسيا، وفي غيابها ضرر أيما ضرر، ولكن الضرر الأكبر والمفسدة الأعظم هي بطلان اجتماع المجلس في غياب تمثيل الوزارة في هذا الاجتماع إعمالاً لأحكام المادة (116) من الدستور، والضرر الأخف هو ألا يترتب على غياب الحكومة بطلان الاجتماع، وقد لا يكون في غيابها ضرر أصلاً إذا كان لدى المجلس وعلى جدول أعماله ما يعينه على إنجاز بعض أعماله وخاصة تلك التي لا تتطلب أخذ رأي الحكومة أو الاعتماد على ما تقدمه من معلومات.

ثانياً- إن صحة اجتماع المجلس الذي توافر نصاب انعقاده مقرر لمصلحة المجلس، وهو حق دستوري أصيل للمجلس لا يجوز له النزول عنه إعمالا للمادة (50) من الدستور التي تحظر على كل سلطة النزول عن اختصاصها المنصوص عليه في الدستور، كما لا يجوز للحكومة أن تزعم ببطلان اجتماع للمجلس تكون قد تسببت فيه بغيابها.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top