د. محمد بن ناصر يرصد التعابير الكويتية

نشر في 29-03-2023
آخر تحديث 28-03-2023 | 17:07
 خليل علي حيدر

«معجم التعابير الاصطلاحية الكويتية» جهد لغوي اجتماعي ضخم جدير بالشكر والثناء أنجزه الأستاذ بجامعة الكويت د. محمد جاسم بن ناصر، وأصدره عام 2020 عارضاً هذه التعابير بالعربية الفصحى والعامية مع الترجمة الإنكليزية التي هي في الواقع جهد مواز وإضافة لمكتبة الثقافة والتراث الكويتيين، وللكتاب كذلك ملاحق يدرج في أحدها أسماء سائر المعاجم والقواميس، نحو (80)، حاول مؤلفوها منذ عام 1951 شرح مفردات وتعابير اللهجة الكويتية، أو دراسة الأمثال والأزياء والألقاب والحلي والطيور.

يضم المعجم 920 عبارة اصطلاحية كويتية، شرحت شرحا وافيا ومترجما، وهو بذلك يجدد ويضيف إلى جهود من سبقه في مجال توثيق ودراسة اللجنة الكويتية من الذين ينوه د.بن ناصر بفضلهم في المقدمة كل من أيوب حسين وأحمد البشر الرومي وغانم شاهين الغانم وخالد الرشيد البداح، ود.عادل العبدالمغني وعبدالله خلف، ود.يعقوب الغنيم، وغيرهم من الباحثين والباحثات مثل بزة الباطني وسلوى المغربي ود.وسمية الحوطي وغنيمة الفهد ود.ليلى السبعان.

بذل د.بن ناصر جهدا كبيرا في اختيار وشرح التعابير الكويتية، ولكن شرح نحو ألف تعبير شرحاً أوفى، كان ربما سيضاعف حجم الكتاب الحالي (322) صفحة! وربما تدارك المصنف الحاجة الى شرح بعض التعابير التي سأورد بعضها من متن الكتاب.

فتعبير «بلاغة شف»، (ص52)، وتعني الفضولي، كلماته بحاجة الى بعض التوضيح؟ فما البلاغة هنا؟ وما «الشف»؟ وعبارة «تَبرْيِدَت عظامه» بمعنى صدمه الموقف، فهل لكلمة «تبريدت» أصل في الفصحى مثل «تبرجدت» وهل لها معنى ما؟ إذ يقول قاموس المنجد عن «البُرجد» إنه «كساء غليظ مخطط»، وهناك تعابير أخرى بحاجة إلى المزيد من الشرح والتوثيق مثل «داس برُمّته» و«داش بدالغه» و«بالطقاق» أو «بالطكاك». (ص46).

ومن محاسن الكتاب أنك تطالع فيه ما لم تسمع من التعابير والمصطلحات من الخطاب المتداول ومنها «انهرق بطنه» بمعنى خاف وارتعد. (ص38) و«اندفق قلبه»، (ص36)، بعكس «انربط لسانه» مثلا الواضحة المعنى.

ومن التعابير «إيده بالدهن» للدلالة على الحياة المرفهة، بينما الحياة المرفهة اليوم «خالية الدسم»، ولا يد في الدهن إلا أيدي مصلحي السيارات، بعكس تعابير مثل «إيده خفيفة» و«إيده طويلة»، (ص40) و«بالع رادو» (ص46). ومن التعابير ذات الدلالة «أضْبَط من ساعة الملا»، أي أدق من المؤذن وتعبير «المكان يتعذرك»، ويشرحه «د.بن ناصر» كالتالي: «المعنى: لا وجود لك عندنا، فلا تزرنا مرة أخرى، غير مرحب بك. مثال سياقي: آسفين أخوي، المكان يتعذرك.

الترجمة: you are a persona non grata، never darken my door again». (ص31).

ونحن نسمع دائما في بعض نشرات الأخبار لدى إبعاد السفراء تعبيراً يشبه «المكان يتعذرك» بالكلام الدبلوماسي أي: persona non grata.

ولا شك أن هذا التعبير، «المكان يتعذرك» فيه من حسن الأدب والحرص على مشاعر الطرف الآخر الشيء الكثير، وكنت أتساءل: كيف سيترجم أو يختار التعبير المماثل للتعبير «مفتّح في اللبن» بمعنى الداهية ذي الخبرة الواسعة، فرأيته يحسن الترجمة أو اختيار التعبير الإنكليزي المقارب، وهو: «Butter would not melt in his/ her mouth» بمعنى أنه لفطنته، «لا تذوب الزبدة في فمه»!

العديد من الأمثال والتعابير العربية وغير العربية تنتقص من قدرات المرأة والتعبير الذي يورده الكتاب هنا معروف وهو «فلان أردى من أمه» للدلالة على ضعف الشخص وجبنه، وواضح أنه تعبير قد لا يكون مستقى من البيئة الصحراوية أو البحرية، وربما هو من الحياة في بعض المدن أو القرى التي تفرض عزلة شديدة على المرأة، كما لا يمكن أن يجرؤ أحد على السخرية من خصمه بالقول إنه «أردى من أبيه»، والأب بينهم.

بعض التعابير والكلمات في اللهجة الكويتية من أصل فارسي أو هندي كما هو معروف، ومنها تعبير «أَشْكَره»، أي جهاراً أو علناً أو واضح وضوح الشمس. (ص20) ويترجمها مؤلف الكتاب In evidence وأصلها كلمة متداولة في اللغة الفارسية المعاصرة وهي «آشكار» بالمعنى نفسه، وهناك تعبير آخر فيه ربما كلمة فارسية عامية وهو القول «بينهم غَمَنْدة» وقد يكون أصلها «قامندة» بمعنى مخبّأ أو مخفي في بعض اللهجات.

من التعابير الكويتية المرصودة في معجم د.محمد جاسم بن ناصر مجموعة طريفة ومضحكة أحيانا نختتم بها المقال:

من هذه التعابير في نقد المرأة التي تبالغ في لبسها! يقول التعبير عنها «لابسة السوق وياية» كقول بعضهم «شفيها نورة لابسة السوق ويايّه؟ ترى طلعة خفيفة»، بمعنى over dressed والمثل المضحك الثاني تهديد لشخص يزعجك فتحذره مهددا «وخِّر عني لا أطلّع لك زيراني»، أي لا تدعني أصب جام غضبي عليك، ويترجمها بالتعبير الإنكليزي «let fly at you» ولم أسمع هذا التعبير لكني راجعت قاموس المورد فرأيته يقول في معنى «to let fly»: «يقذف، يسدد ضربة إلى، يشتم»، أما عن ماهية «الزيران» ولا أعرف المفرد من «الزيران» وهل هو «الزار»؟

فالشرح قد يطول، وربما الزيران في المعتقدات الشعبية فصيل من الجن الذي يصيب البشر، فلا يتحكم الإنسان بتصرفاته بعد ذلك! ومن التعابير الطريفة في الذم، أن تصف شخصا ما بأنه «لا ينفع.. لا طبلة ولا طار»! وتعبير شديد الواقعية في اللهجة الكويتية يقول: «ودِّي.. بس الهوا ضدي»!

وقد لفت نظري في وصف الازدحام الشديد تعبير «الناس مدازز»، أي الناس تتدافع! وقد وجدت في قاموس المنجد «دزَرَه دزراً: دفعه».

ومن التعابير الرمزية المعبرة عن الثراء الخفي قولهم عن شخص ما إنه «بارك على حلال». (ص44).

يقول د.محمد بن ناصر في شرح التعبير: «المعنى يملك مالا دون علم الآخرين» lay away money، «he is raking it in. (ص44).

ومن التعابير المعبرة بمعنى سأساعدك لله في لله، والتعبير الكويتي «باخذ فيك ويه (وجه) الله»، أي ابتغاء وجه الله، وتعبير آخر عن وصول شخص ما إلى حدود تحمله «باد حيله»، أي خارت قواه.

ومن التعابير الواسعة التداول الغامضة المعنى قولهم «بال بِذْنه»، بمعنى أن التبول في أذن أحدهم يجعله يغير رأيه... فهل يُعقل هذا؟

أطرف تعابير كتاب د.محمد جاسم بن ناصر هو أن تصف شخصا ما بأنه «بخور السوق»، فهو لا يكتم أي سر وينتشر انتشار البخور في السوق!

back to top