سعاد حسني... سندريلا الفن والألم والألغاز

• روايات متضاربة عن زواجها السري من حليم... وليلى مراد رفضت اقترانها بابنها

نشر في 29-03-2023
آخر تحديث 28-03-2023 | 15:28
صعدت النجمة سعاد حسني إلى قمة الشهرة، وقدمت نحو 80 فيلماً خلال مسيرتها السينمائية، وتخللت حياة السندريلا زيجات وقضايا وشائعات، وداهمها المرض، وتضاربت الأقوال حول لغز سقوطها من شرفة شقتها في لندن، ورحيلها على نحو مأساوي يوم 21 يونيو 2001، وعمرها 58 عاماً. تعددت مواهب الفنانة سعاد حسني، بين التمثيل والغناء والفن الاستعراضي، ومزجت بين الكوميديا والتراجيديا في أفلامها السينمائية، واشتهرت بلقب "سندريلا الشاشة العربية"، وانضمت بعض أفلامها إلى قائمة أفضل مئة فيلم مصري، واختيرت في احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996، لتكون في المركز الثاني ضمن استفتاء أفضل ممثلة في القرن العشرين. ونالت السندريلا العديد من الجوائز والتكريمات، منها شهادة تقدير من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في عيد الفن عام 1979 لعطائها الفني، وحصلت على جائزة من وزارة الثقافة خمس مرات، وأفضل ممثلة من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية عام 1971 عن دورها في فيلم "غروب وشروق"، وجائزة من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن آخر أفلامها "الراعي والنساء" (1991).

تركت سعاد حسني رصيداً متميزاً من الأعمال السينمائية، منها “الزوجة الثانية” (1967) للمخرج صلاح أبوسيف، و”الاختيار” (1970) إخراج يوسف شاهين، و”خلي بالك من زوزو” (1972) إخراج حسن الإمام، و”الكرنك” (1975) إخراج علي بدرخان، و”موعد على العشاء” (1982) إخراج محمد خان.

وجذبها سحر الشاشة بعيداً عن المسرح، رغم ترشحها لبطولة مسرحيات عديدة، وفضّلت أن تكون ممثلة سينمائية، لمعاناتها من نزلات البرد المتكررة، وعدم قدرتها على الالتزام اليومي بالعرض المسرحي، واعتبرت أن السينما بيتها الأول، ومن خلالها حققت نجاحها الجماهيري، وطموحاتها في تقديم أعمال جيدة.

وأطلت السندريلا على الشاشة الصغيرة من خلال مسلسلها الوحيد “حكايات هو وهي” (1985)، وشاركها البطولة أحمد زكي وتحية كاريوكا وأبوبكرعزت، وتأليف سناء البيسي وسيناريو وحوار صلاح جاهين وإخراج يحيى العلمي، وحقق العمل نجاحاً جماهيرياً كبيراً.


سعاد حسني وعزت العلايلي وماجدة الخطيب سعاد حسني وعزت العلايلي وماجدة الخطيب

نزلات البرد المتكررة منعتها من أدوار البطولة على خشبة المسرح

حسن ونعيمة

بدأت رحلة سعاد حسني منذ طفولتها، وكان حلمها أن تكون مطربة مثل شقيقتها نجاة، وشاركت خلال الخمسينيات في البرنامج الإذاعي الشهير “بابا شارو” وجلست مع الأطفال، وغنت “أنا سعاد أخت القمر- بين العباد حسني اشتهر”.

والغريب أنها لم تفكر أبداً في أنها ستظهر ذات يوم على الشاشة، وكان الراديو والأسطوانات عالمها الوحيد، وظلت موهبة التمثيل كامنة في أعماقها، وذات يوم سمعت إحدى قريباتها تقول لأمها وهي تشير نحوها هذه البنت تصلح أن تكون ممثلة سينما، وعلقت الكلمة في ذاكرة الفتاة الصغيرة ذات الوجه الجميل والعينين اللامعتين ببريق الذكاء.

وبعد سنوات اكتشفها الفنان عبدالرحمن الخميسي، وأشركها في مسرحية “هاملت” لشكسبير، ثم أسند لها المخرج هنري بركات دور البطولة في فيلم “حسن ونعيمة” عام 1959 أمام المطرب الصاعد ـ آنذاك ـ محرم فؤاد، وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً، لتبدأ السندريلا رحلتها في عالم الأضواء والشهرة.

أصيبت بشلل في الوجه وتسبب العلاج بالكورتيزون في زيادة وزنها

ابنة الخطاط

وُلدت سعاد حسني البابا في 21 يناير عام 1943، في حى بولاق بالقاهرة، لأب سوري يعمل خطاطًا وأم مصرية، وبعد فترة قرّر والداها الانفصال، وعاشت سعاد مع والدتها التي تزوجت من رجل آخر، وحالت الظروف دون إكمال تعليمها، واقتصرت على تعلم بعض الدروس بالمنزل.

وكان لسعاد 16 من الأشقاء، وترتيبها العاشر بينهم، فلها شقيقتان فقط (كوثر وصباح)، وثمانية أشقاء من أبيها منهم أربعة ذكور وأربع إناث، وست أخوات لأمها منهم ثلاثة ذكور وثلاث فتيات، ومن أشهر أخواتها من الأب المطربة نجاة الصغيرة.


السندريلا والعندليب السندريلا والعندليب

الزوج الأول

تزوجت سعاد حسني خلال حياتها خمس مرات، وكان أول زواج من العندليب عبدالحليم حافظ، وأكده بعض أفراد عائلتها والمقربون منها، والإعلامي مفيد فوزي، وقال الأخير خلال إحدى الندوات في مدينة الإسكندرية الساحلية، إنه يحتفظ بمستندات وشريط كاسيت هام لهذا الزواج، لكنه لا يريد استغلال مثل هذه القضايا الشخصية.

وذكر الإعلامي الراحل أن العندليب رفض إعلان هذا الزواج، قائلاً: “فني أولى”، وكان شديد الغيرة عليها، ويراقب السيارات التي تقف أمام منزلها، وأن السندريلا كانت تذهب إلى حليم في ساعات متأخرة من الليل لكي تطمئن عليه.

رواية أخرى سردها الموسيقار هاني مهنى، في مقابلة تلفزيونية، ونفى حدوث هذا الزواج، وقال إن عبدالحليم أبدى انزعاجه من مفيد فوزي لحديثه في هذا الأمر، وكانت هناك علاقة طيبة بين المطرب والنجمة، ولكن الأطباء منعوه من الارتباط بسبب حالته الصحية.

تزوجت 5 مرات ولم ترتدِ فستان الزفاف مطلقاً

وظل هذا الزواج غير معترفٍ به من قبل عائلة السندريلا حتى وفاتها، وقالت جانجاه عبدالمنعم، أختها غير الشقيقة في كتابها عن السندريلا بعد وفاة سعاد حسني، إن العائلة اعترفت أخيراً بزواج سعاد من عبدالحليم حافظ، وأضافته لقائمة أزواجها ليصبح عدد زيجاتها خمس زيجات.

ومن المفارقات أن تاريخ رحيل سعاد حسني (21 يونيو 2001) يطابق نفس يوم مولد المطرب عبدالحليم حافظ في 21 يونيو 1929، ودام زواجهما العرفي قرابة ستة أعوام حيث افترقا عام 1965.

الحب الذي كان

وبعد عام تزوجت سعاد من المصوِّر السينمائي صلاح كريم مدة عامين، وانفصلا في عام 1968، ثم اقترنت بالمخرج علي بدرخان في عام 1979، واستمر زواجها أحد عشر عاما، إلى أن افترقا عام 1981.

وكوَّن بدرخان والسندريلا ثنائياً فنياً ناجحاً، وقدّما العديد من الأفلام الجيدة، منها “الحب الذي كان” (1973)، و”الكرنك” (1975)، و”شفيقة ومتولي” (1979)، و”أهل القمة” (1981)، و”الجوع” (1986)، و”الراعي والنساء” (1991).

فستان الزفاف

تزوجت السندريلا في عام 1981، من الممثل والمخرج زكي فطين عبدالوهاب ابن المطربة ليلى مراد، ووقتها كان طالباً في السنة النهائية بقسم الإخراج في معهد السينما، إلا أنّهما انفصلا بعد عدة أشهر فقط، بسبب رفض والدة “فطين” لتلك الزيجة، لفارق السن بين ابنها الوحيد والنجمة الشهيرة.

وكانت آخر زيجاتها في عام 1987 من كاتب السيناريو ماهر عواد، وامتد زواجهما حتى رحيلها، وعلى الرغم من كثرة زيجاتها، فإنّها لم ترتدِ فستان الزفاف، وعقدت قرانها من دون احتفال بالعُرس، ولم تنجب أبداً، رغم تعدد مرات حملها من زوجها علي بدر خان، وكان ينتهي بالإجهاض، بسبب الإجهاد والضغوط خلال أعمالها الفنية.

حملت عدة مرات من زوجها المخرج علي بدرخان انتهت جميعاً بالإجهاض

آلام السندريلا

وبدأت معاناة السندريلا أثناء تصوير مسلسل “هو وهي”، وشعرت بآلام في العمود الفقري، وتآكل في الفقرتين “العجز والقطنية” وزادت الآلام أثناء تصويرها فيلم “الدرجة الثالثة” (1987)، وأصيبت بضغط في الأوعية الدموية وتمزُّق في الشرايين جعلها تشعر بآلام لا تُطاق في القدمين، وتسبب الفشل الجماهيري للفيلم في تدهور حالتها النفسية، ودخولها في نوبات اكتئاب.

وفي تلك الفترة، عرض عليها المشاركة في فيلمها الأخير “الراعي والنساء” (1991)، ورغم الأوجاع وافقت على العمل، وتفاقم وضعها الصحي، واضطرت في العام التالي إلى السفر في رحلة علاجية إلى فرنسا لإجراء جراحة في عمودها الفقري، حيث قام الجراح المعالج بتثبيت الفقرتين من خلال صفيحة معدنية، لتعود بعدها إلى القاهرة وتمارس حياتها بشكل طبيعي.

وبعد شهور عادت إليها الآلام بقوة أشد من سابقاتها، وأصيبت بشلل في الوجه، نتج عن التهاب فيروسي في العصب السابع، وخضعت للعلاج بالكورتيزون، ما سبّب لها زيادة كبيرة في الوزن، وأثّر ذلك في حالتها النفسية.

وتدهورت حالتها الصحية بشكل كبير بعد وفاة والدتها، وأوقفت العلاج بالكورتيزون فجأة ودون تمهيد، لتصاب بعد ذلك بانتكاسة أجبرتها على السفر إلى لندن للعلاج على نفقتها الشخصية، وصدر قرار العلاج على نفقة الدولة بعد بدء مراحل العلاج الفعلي بسبع سنوات، وسرعان ما تم قطعه، وتدخل الفنان يوسف شعبان نقيب الممثلين آنذاك لدى المسؤولين، لاستئناف علاجها، لكنها كانت قد وصلت إلى مرحلة متأخرة في صراعها مع المرض.

رحيلها المأساوي بالسقوط من شرفة شقتها في لندن مازال لغزاً

الوصايا والرحيل

رحلت سعاد حسني إثر سقوطها من شرفة شقة في الطابق السادس بمبنى “ستوارت تاور” في لندن في 21 يونيو 2001، وقد أثارت حادثة وفاتها جدلاً لم يهدأ حتى الآن، وتدور شكوك حول مقتلها وليس انتحارها كما أعلنت الشرطة البريطانية.

وكان للفنانة الراحلة ثلاث وصايا طلبتها من صديقها الدكتور عصام عبدالصمد، طبيب التخدير وعلاج الأورام، وشرع في تنفيذها بعد رحيلها، وأول وصية إصدار كتاب “سعاد حسني ـ بعيداً عن الوطن ـ ذكريات وحكايات”، والوصية الثانية أن يزور قبرها في كل مرة يزور مصر، وهو أمر يلتزم به بشكل مستمر، والوصية الثالثة التي التزم بتنفيذها عدم نشر أي صور تخص فترة إقامتها في لندن. ورغم النهاية المأساوية، تركت السندريلا وراءها تاريخاً فنياً طويلاً لا يمكن نسيانه.


صورة نادرة مع شقيقتها المطربة نجاة الصغيرة صورة نادرة مع شقيقتها المطربة نجاة الصغيرة

حكم قضائي بدفعها نفقة لوالدها!

فوجئ جمهور النجمة سعاد حسني بخبر منشور في مجلة “آخرساعة” يوم 6 مارس 1961، مفادة صدور حكم من محكمة الأحوال الشخصية بالقاهرة، لصالح الخطاط محمد حسني البابا، بنفقة شهرية قدرها خمسة جنيهات، على ثلاث من كريماته هن المطربة نجاة والسندريلا سعاد حسني وشقيقة ثالثة، كما حكمت له بنفقة قدرها ثلاثة جنيهات على ابنه الملحن عزالدين حسني.

سر وصاياها الثلاث بعد صراعها مع المرض والغربة

وبعد صدور الحكم، قالت السندريلا إن والدها في سعةٍ من العيش وأنها تدفع له نفقة أكثر من التي قررتها له المحكمة، وتوازي النفقة التي تدفعها له نجاة، أي عشرين جنيهاً شهرياً، وأنه يتقاضى ما يقرب من هذه النفقة من شقيقها عزالدين، وبذلك يتقاضى منهم حوالي 60 جنيهاً (مبلغ كبير في ذلك الوقت)، أي أكثر مما قضت به المحكمة، ولا يمكن بحال أن تسيء إلى والدها، ولا تنسى تشجيعه لها على احتراف التمثيل.

وتبين أن السر في دعوى الخطاط محمد حسني البابا ضد أبنائه، أنه ينفق مبالغ كبيرة على هوايته في اقتناء “الخُردة”، وفي ذلك الوقت كان يعمل خطاطاً في إحدى الصحف المصرية، وأُغلِق ملف هذه القضية، ولم يعرف أحد هل تصالح مع أبنائه أم ظلت الخصومة قائمة حتى وفاته في 6 يوليو 1969، أي بعد ثمانية أعوام من دعوى النفقة.

«حكايات هو وهي» دراما استثنائية على الشاشة الصغيرة

طبيب السندريلا يكشف تفاصيل أيامها الأخيرة

كشف الدكتور عصام عبدالصمد أسراراً في حياة الفنانة الراحلة سعاد حسني، وأنها أخبرته بأنها تزوجت عرفياً، بناء على شرط من عبدالحليم حافظ، وخشيته من تراجع شعبيته بين المعجبين، والحفاظ على صورته كفتى أحلام لكل الفتيات.

وقال طبيب السندريلا إنها أبلغته بوصيتها الأخيرة، وطلبت منه تنفيذها إذا ما أصابها سوء، وتضمنت تعهده بعدم نشر أي صور تخص فترة مكوثها في العاصمة البريطانية لندن، حفاظاً على صورتها المعروفة لدى جمهورها، خاصة أن شكلها ومظهرها تغيَّر كثيراً بسبب الوزن الزائد والتقدُّم في العمر.

وسافرت سعاد إلى لندن لإجراء عملية زراعة أسنان بالكامل، مع إنقاص وزنها، وأنفقت الحكومة المصرية على علاجها أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني.

واستبعد الطبيب المصري فرضية انتحار سعاد حسني، لأنها كانت تنوي العودة إلى مصر في شهر أغسطس، لكنها توفيت في يونيو، وكانت قد خططت للسفر إلى منتجع شرم الشيخ على أن تنتظرها سامية جاهين، شقيقة الشاعر والصحافي والفنان الراحل صلاح جاهين، وتجلس في شقته التي اشتراها في مدينة نصر (شرق القاهرة).

وكانت النجمة الراحلة تتاهب لاستئناف نشاطها الفني، حتى أنها تلقت ثلاثة سيناريوهات، لتختار أحدها لتمثيله عندما تصل إلى مصر، ومن بينها المشاركة في فيلم كارتون مع الفنان العالمي عمر الشريف.

وقال الدكتور عصام عبدالصمد إن سعاد حسني توفيت في الساعة التاسعة مساء و20 دقيقة بعد سقوطها من الطابق السادس من الشقة التي تقطنها في لندن، بعد نحو 4 سنوات عاشتها في بريطانيا.

back to top