إسرائيل تنزلق إلى فوضى

• إضراب عام وصدامات وانشقاقات سياسية وأمنية
• نتنياهو يرضخ لمطالب وقف إقرار التعديلات القضائية

نشر في 28-03-2023
آخر تحديث 27-03-2023 | 18:55
متظاهرون في تل أبيب (أ ف ب)
متظاهرون في تل أبيب (أ ف ب)
على وقع تعبئة تعتبر من الأكبر في تاريخ إسرائيل، احتدمت الخلافات وتحوّل تمسك الائتلاف الديني الحاكم، بقيادة بنيامين نتنياهو، بالتعديلات القضائية، من خلاف سياسي إلى انقسام مجتمعي فوضوي ينذر بمواجهة خطيرة في الشارع بين اليسار واليمين المتطرف، خصوصاً في ظل تمدده إلى جميع الأجهزة الأمنية والمدنية الخدمية.

بدا في الساعات الأخيرة الماضية أن إسرائيل تنزلق نحو فوضى شاملة، مع تصاعد الاعتراض الشعبي والسياسي والأمني على قانون التعديلات القضائية الذي يقيّد المحكمة العليا، التي تسهر على تطبيق «القوانين الأساسية» للبلاد في ظل غياب دستور مكتوب، وذلك لمصلحة البرلمان والحكومة.

وتطوّرت الأوضاع بسرعة واتخذت بعداً دراماتيكيا بعد إقدام بنيامين نتنياهو رئيس أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، على إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي ينتمي إلى حزب «ليكود» (يمين) بزعامة نتنياهو، بعد دعوته إلى تجميد إجراءات إقرار القانون لما يشكله من خطر على الأمن القومي، مع تزايد أعداد طياري وجنود الاحتياط الذين يرفضون الالتحاق بتدريباتهم؛ احتجاجاً على مضي الائتلاف اليميني في إقرار القانون.

وحاول المتظاهرون، الذين يواصلون تحركهم منذ 3 أشهر، اقتحام منزل نتنياهو بالقدس، في حين حذّر الجيش من فقدان السيطرة على مناطق واسعة من البلاد بسبب الفوضى العارمة التي يتسبب فيها المحتجون الذين قطعوا بعض الطرق، ومنعوا الوصول إلى المنافذ الجوية والبحرية والطرق الداخلية الحيوية.

ودعا الاتحاد العام لنقابات العمال في إسرائيل إلى «إضراب عام» فوري سيشمل المطارات، وأعلنت عدة قطاعات عمالية، بينها نقابة الأطباء، الالتزام به، وانضمت بلديات وبنوك ومؤسسات اقتصادية وخدماتية للإضراب.

ودعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى «وقف فوري» للإصلاحات، بينما بدأ نشطاء يمينيون الإعداد لتظاهرات مضادة مؤيدة للإصلاح وسط احتكاكات في الشارع بين الجماهير المعبأة.

سياسياً، تزايد الشرخ داخل حزب «ليكود»، بعد خطوة غالانت، في حين قال وزير القضاء الليكودي ياريف ليفين عراب القانون المثير للجدل، إنه سيقبل قرار نتنياهو أياً كان، وسط توجه لإرجاء إقراره.

وأظهر وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريش إشارت على استعداده للبقاء في الحكومة إذا أقدم نتنياهو على إرجاء القانون تحت الضغط، إلا أن الظهير الآخر المتطرف داخل الحكومة وزير الأمن ايتمار بن غفير هدد بالخروج من الحكومة، لكن دون إسقاطها مع استمرار دعمها في الكنيست. إلا أن بن غفير اتهم من أسماهم «العلمانيين وطياري الجيش وسكان المدن» بفرض آرائهم، داعياً شبان اليمين إلى النزول للشارع.

وفي تفاصيل الخبر:

في أعقاب ليلة مثيرة وغير مألوفة بتاريخ إسرائيل، انزلق ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حالة من الفوضى، في ظل تأجج الاحتجاجات الحاشدة الرافضة للتعديلات القضائية والمستمرة منذ ثلاثة أشهر، والتي فاقمتها إقالة وزير الدفاع وإصرار حلفائه المتطرفين على تمريرها.

وأرجأ نتنياهو بيانا متلفزا كان من المقرر أن يعلن فيه وقف خطط التعديلات القضائية، التي يقول إنها ضرورية لإعادة التوازن إلى نظام الحكم، لكنه تراجع أمام تهديدات حليفه المتطرف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بحل الحكومة.

ورغم محاصرة الآلاف لمنزله في القدس المحتلة، أجرى نتنياهو مشاورات جديدة امتدت لساعات مع حلفائه لتقييم الأوضاع السياسية عقب إقالته وزير الدفاع، قبل توجيهه خطابا للتعليق على الإصلاحات القضائية، التي أبلغ الإدارة الأميركية نيته تجميدها تحت ضغط من قادة حزبه الليكود، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت والقناة 12، في خطوة قد تؤدي إلى انقسام ائتلافه الديني.

وكتب بن غفير، في تغريدة، «هذا اليوم حدث شيء ما في إسرائيل. أصوات الطيارين تساوي أكثر من أصوات جولاني، وأصوات قوات حرس الحدود أكثر من أصوات ديمونة وبئر السبع، وأصوات التكنولوجيا العالية أكثر من الأصوات اليدوية العمال، لا يجب وقف إصلاح النظام القضائي ولا يجب أن نستسلم للفوضى»، وقال: «أدعو مؤيدي حزب الليكود والحزب الحاكم والصهيونية الدينية إلى الخروج في مظاهرات مضادة في شوارع إسرائيل».

ولاحقا، أفادت القناة بأن بن غفير أبلغ نتنياهو نيته الاستقالة من الحكومة مع البقاء في الائتلاف ودعمه من الخارج.

وغداة خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع، رفضا لعزل نتنياهو وزير الدفاع، نجت الحكومة الائتلافية أمس من اقتراحين لحجب الثقة قدمتهما المعارضة احتجاجاً على التعديلات القضائية.

وبعد عدة مقاطعات للجلسة من قبل نواب المعارضة، أعلن رئيس الكنيست أن المقترح الأول رُفض بأغلبية 59 صوتا مقابل موافقة 53، بينما سقط الثاني بأغلبية 60 صوتا مقابل تأييد 51.

كما أزالت اللجنة القضائية عقبة أخرى أساسية أمام الإصلاح القضائي المثير للجدل، بموافقتها على مشروع قانون لتغيير تكوين لجنة اختيار القضاة وإحالته إلى الكنيست للتصويت عليه في القراءات النهائية.

وعلى غرار بن غفير، عارض وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تجميد نتنياهو للإصلاح القضائي، وقال حزبه «الصهيونية الدينية» المتطرف، في بيان، «بعد الكثير من المداولات والمشاورات، موقفنا هو أنه لا ينبغي وقف التشريع بأي شكل من الأشكال، لأنه سيكون بمنزلة استسلام للعنف والفوضى واستبداد الأقلية وسيفسد نتائج الانتخابات».

وأكد وزير العدل ياريف ليفين، الذي يقود العملية، أنه بصفته عضوا في حزب ليكود الحاكم فإنه سيحترم أي قرار يتوصل إليه نتنياهو.

وقال ليفين، في بيان، «الوضع الذي يفعل فيه الجميع ما يحلو لهم من شأنه أن يؤدي إلى سقوط الحكومة على الفور وانهيار ليكود، ويجب علينا جميعا أن نسعى جاهدين إلى تحقيق الاستقرار في الحكومة والائتلاف».

واستدعى تفاقم الوضع وتزايد الانقسامات الناجمة عن خطط التعديلات، تدخل رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، الذي من المفترض أن ينأى بنفسه عن أروقة السياسة ودوره شرفي إلى حد كبير، بدعوته «إلى وقف الإجراءات التشريعية على الفور من أجل وحدة شعب إسرائيل ومن أجل المسؤولية».

وفيما دعا الحاخام الأكبر ديفيد لاو إلى الوحدة والحوار، اتهم زعيم المعارضة يائير لابيد، في خطاب أمام المتظاهرين، «الحكومة والمتطرفين فيها بعدم أخذ موقف المحتجين بعين الاعتبار، مشددا على أن حراك الشارع لن يتوقف حتى يكون لإسرائيل دستور.

وفي اليوم السابق، وجه غالانت، الذي لطالما اعتبر حليفا قويا لنتنياهو، نداء للحكومة في خطاب تلفزيوني لوقف خطط تعديل النظام القضائي، محذرا من أن «الانقسام الاجتماعي شق طريقه إلى الجيش والأجهزة الأمنية، وبات تهديداً واضحاً وفورياً وملموساً لأمن إسرائيل».

ومع عودة آلاف الإسرائيليين في عشرات المواقع بالمدن الرئيسية، مثل تل أبيب وبئر السبع وحيفا والقدس، إلى الاحتجاج على قانون إصلاح القضاء، نظم أنصار اليمين المتطرف تظاهرات لتأييد التعديلات القضائية خارج الكنيست بالقدس في المساء، وهددوا بأعمال عنف ردا على الاحتجاجات.

ورفع الجيش حالة التأهب تحسبا لأي طارئ، ودفعت شرطة القدس بالمئات من قواتها خوفاً من اشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الإصلاح القضائي، مشددة على أنها ستسمح بحرية التظاهر، ولن تتسامح مع العنف والاضطرابات.

ومع امتداد الاحتجاجات لجميع القطاعات، دعا نتنياهو جميع المتظاهرين من اليمين واليسار إلى التصرف بمسؤولية وتجنب العنف.

وبينما يعزز الجيش وحداته في الضفة الغربية المحتلة، إثر العنف المستمر منذ عام تقريبا، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 250 مسلحا ومدنيا فلسطينيا، وما يربو على 40 إسرائيليا، غذى عزل وزير الدفاع الاتهامات بأن الحكومة تضحي بالمصلحة الوطنية من أجل مصالحها الخاصة.

وخلال مشاهد غاضبة في الكنيست، هاجم أعضاء المعارضة أمس رئيس اللجنة سيمحا روتمان، الذي رعى القانون، وشبهوا مشروعه بالجماعات الإسلامية التي تريد تدمير إسرائيل، وقالوا إنه حينما وافقت لجنة الدستور على إحالته للمصادقة عليه «هذا استيلاء عدائي على دولة إسرائيل. لا حاجة لحماس ولا حاجة لحزب الله».

ومع اتساع رقعة المعارضة، دعا رئيس اتحاد العمال (الهستدروت) أرنون بار دافيد إلى إضراب «تاريخي» يشل إسرائيل لإجبار الحكومة على «وقف جنون» الإصلاحات القضائية.

وبعيد تصريحات دافيد، أعلنت النقابات عن إضراب شامل شمال قطاع الصحة والخدمات الطبية بالمستشفيات والموانئ البحرية والبنوك.

وأصدر رئيس نقابة عمال مطار بن غوريون بينشاس ايدان «أمراً فورياً بوقف عملية إقلاع الطائرات»، في خطوة ستؤثر على عشرات الآلاف من المسافرين بسبب تغير مواعيد الرحلات.

وفي بيانين منفصلين، أعلن ميناءي حيفا وأسدود الرئيسيان في إسرائيل أمس توقف العمليات.

وأظهرت رسالة لنقابة العاملين في وزارة الخارجية أن السفارات في أنحاء العالم تلقت تعليمات بالانضمام إلى الإضراب، مشيرة إلى أن أنشطتها في الداخل والخارج ستقتصر على خدمات الطوارئ.

وفيما أغلق بنك لئومي الإسرائيلي جميع فروعه، انخفض الشيكل، الذي شهد تقلبات كبيرة خلال الأسابيع الماضية، مع اندلاع الاضطرابات السياسية، في التعاملات المبكرة 0.7 في المئة، قبل أن يتعافى مع تنامي التوقعات بأن نتنياهو سيتخلى عن التشريع.

back to top