افتتاحية: دولة الكسل

نشر في 27-03-2023
آخر تحديث 27-03-2023 | 16:10
No Image Caption

كعادتها في رمضان كل عام، تتعالى الكثير من الأصوات للمطالبة باعتبار العشر الأواخر من الشهر الكريم عطلة رسمية في البلاد، وفي كل مرة لا تعير لها الحكومة انتباهاً، غير أن تلك الدعوات تأتي هذه المرة ويد حكومة تصريف العاجل من الأمور مرتخية، وصورة أعمالها ضبابية، مما يوجب التنبيه إلى ما قد يترتب على تلك العطلة، إن كانت الحكومة تفكر في منحها، من تعطيل مصالح الناس، إلى جانب آثار جانبية سلبية عديدة نحن في غنى عنها.

ويبدو لكل مسلم يعلم الضروري من دينه أن حجة الداعين إلى «عطلة العشر» واهية لا تستقيم مع طبيعة الشهر الكريم، شهر النشاط والعمل والعبادات والجهاد، بل إن رمضان هو شهر الإنجازات والمعارك المصيرية الكبرى في تاريخ المسلمين، وهو ما تسطره تواريخ غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة القادسية، وعين جالوت، وبلاط الشهداء، وفتح عمورية، وفتح الأندلس، وفي العصر الحديث تشهد معركة العاشر من رمضان أو 6 أكتوبر ضد الكيان الصهيوني، بأن الشهر الكريم شهر النهوض بالأعباء وصناعة التاريخ لا شهر الكسل الذي باض في أرضنا وفرَّخ وترعرع.

ونحسب أن أولئك الداعين إلى عطلة «العشر الأواخر» لا يخفى عليهم أن قيام المسلم بمصالح العباد وقضاء حوائجهم هو من أجلّ الطاعات التي حثنا عليها الإسلام ورسوله الكريم، هذا إلى جانب ما سيترتب على تلك العطلة من ربكة واضطراب لكل خطط البلد من جداول دراسية وامتحانات وتأثير على المناهج المراد تحصيلها، وترحيل الإجازات، ومواعيد السفر الصيفية، فضلاً عن باقي مؤسسات الحكومة والقطاع الخاص، في ظل ارتباطات عديدة بالعالم الخارجي، وفيه شعوب غير مسلمة، إضافة إلى التأثير على المشاريع، بتأخير ما يسير منها وفقاً لجدوله، وزيادة تأخير المتأخر منها... إذن فما الداعي إلى كل هذا وما الذي يضطرنا إليه إذا كان فيه كل تلك المثالب؟!

من جانب آخر، فإن الدوام المرن الذي طرحه ديوان الخدمة المدنية للمؤسسات الحكومية إنما كان منبع فكرته ظروف رمضان وما فيه من عبادة، فمن أجل ذلك تم تأخير الدوام وتقليص ساعاته، أما من يستشعر الحرج، وأنه لن يستطيع أن يوفق بين الأمرين في ظل هذا الدوام المرن المخفض فلا بأس، فأمامه بدائل تجنبنا كل هذه الآثار السلبية، إذ يمكنه أن يأخذ إجازة بضعة أيام، كتلك التي يستطيع أي موظف أخذها طوال العام، والإجازات إنما وضعت لمثل هذه الحالات، هذا إضافة إلى أن أغلب الموظفين لهم إجازات بل يبيعون رصيدهم منها، ويحصلون على ثمنه، فما المانع أن يقتطع الموظف منها بضعة أيام إذا لم يكن بإمكانه التوفيق بين العمل والعبادة؟ بل إن تقديمه للحصول على إجازة في هذه الفترة يثبت مدى إخلاصه ورغبته الصادقة في أداء هذه العبادة.

ما أغنى الكويت عن مثل هذه النوعية من الدعوات التي نُقرّ بأن البعض قد يكون طرحها بحسن نية، غير منتبه إلى ما يترتب على تطبيقها من نتائج غير محمودة العواقب، لما تسببه من ارتباك كبير في مصالح البلاد والعباد، وعليه لابد أن نكون جادين في المحافظة على نظام البلد ونهج مؤسساته، والاتجاه نحو تحقيق الأهداف والخطط المرسومة في شتى قطاعات الدولة بلا تعطيل أو تأخير، ساعين إلى خدمة الإنسان ورفاهيته وقضاء مصالحه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولعل هذا هو جوهر المقاصد التي ينادي بها ديننا، أما العبادة فلابد أن ننأى بها بعيداً عن أن تكون سلعة يريد حيازتها كل راغب في اقتناص فرصة للتغيب عن العمل وعدم القيام بواجبه، ومعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

أما الكلمة الأخيرة فهي لكل من يغار على هذا الوطن الذي بات في ذيل ركب شعوب العالم بشتى مناحي الحياة من تعليم وصحة وإسكان وإنجازات ونهضة... أزفت الآزفة وحان الوقت لنستيقظ وننفض عن أنفسنا هذا الثوب المهترئ من التراخي والتراجع، اللهم إلا إذا كنا نريد حيازة قصب السبق في المؤشر المخزي لكسالى الشعوب، ليصبح وسمنا بين الأمم «دولة الكسل»!

back to top