حكم «الدستورية» في 19/ 3 انتصار للبرلمان والديموقراطية ومتفق وأحكام المادة (102) من الدستور

نشر في 27-03-2023
آخر تحديث 26-03-2023 | 17:21
 يوسف الشايجي

حكم المحكمة الدستورية الذي صدر يوم الأحد 19/ 3/ 2023م كان انتصاراً لمجلس الأمة الكويتي ومكسباً ديموقراطياً في تعزيز الإرادة الشعبية في اختيار ممثليها للبرلمان، بعكس ما يراه ويفسره مجموعة من النواب يمثلون المجلسين المجلس العائد والمجلس المنحل الذين سرعان ما استقبلوا الحكم بردود أفعال عصبية، واجتمعوا وهم بهذه الحالة وأصدروا بياناً غاضباً هاجموا فيه الحكم بحل محلس 2022، فاعتبروا ذلك إلغاء لإرادة ناخبيهم وتعدياً على صلاحيات السلطة العليا وتجاوزاً خطيراً على الدستور، ودعوا للوقوف ضده وحرضوا للخروج عليه.

وأعلن بعض نواب المجلس العائد عدم التعاون مع أي كتل أو أطراف برلمانية أخرى، بلغة تصعيدية تعيدنا للأجواء المشحونة والمتوترة التي عشناها قبل حل مجلس 2020، دون الاستفادة من تلك التجربة السابقة وتلافي تكرارها لما فيه المصلحة للجميع نواباً وناخبين.

وكان الأولى بهؤلاء، وقبل النظر لتداعيات ذلك الحكم الذي أودى بحل مجلس 2022، التمعن بأسباب إبطال حل مجلس 2020 فهو الأسبق، فلولا الحل المبطل لمجلس 2020 لما تم على أثره وبالتبعية الحل لمجلس 2022، فأساس الحكم قام على الحفاظ على انتظام واستمرار عمل مجلس الأمة والحرص على عدم تغييبه إلا في أضيق الحدود، يأتي ذلك منسجماً مع التوجه والسياق العام للدستور وما يتضمنه من مبادئ ديموقراطية وبناء على التطبيق الفعلي والدقيق لمواد الدستور المتعلقة بالحل كما في المادتين (102) و(107) والحكم المذكور اختص بمجلس 2020، ولكن في حقيقته يعتبر الحكم مرجعية قانونية يعتد بها وسابقة قضائية جديدة يمتد أثرها لتحصين أي مجالس أمة قادمة من أي مراسيم حل للتأكد من مدى التزام هذه المراسيم بالقيود والضوابط الدستورية، مما يضفي نوعاً من الاستقرار والاستمرار لمجالس الأمة، ولعله يضع حداً لمعاناة الناخب الكويتي من كثرة الحلول لمجالس الأمة في السنوات الماضية، وفي العقد الأخير منها تحديداً.

فكان من المفترض بهؤلاء النواب المعترضين أن يقابلوا ذلك الحكم بالثناء والمديح بدل الاعتراض، وأن يقدموا المصلحة العامة على المنفعة الخاصة والخصومات الشخصية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر جاء منطوق الحكم معززاً بالتوافق وأحكام المادة (102) من الدستور، حيث جاء فيها: «إذا رأى مجلس الأمة بـ(أغلبية أعضائه) عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة أو أن يحل مجلس الأمة».

وهذا ما تم عندما تقدم عشرة نواب في نهاية استجواب رئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ صباح الخالد بطلب عدم تعاون معه، وتزايد عدد النواب قبل الجلسة المحددة للنظر في ذلك الطلب إلى 26 نائباً منتخباً، مما دفع سموه بالتقدم باستقالة حكومته لسمو الأمير، فقبل سموه الاستقالة، وعين سمو الشيخ أحمد النواف مكانه رئيساً لمجلس الوزراء، وقبل أن تتم دعوة مجلس الأمة للانعقاد بحضور رئيس الوزراء الجديد لاستكمال مسيرة المجلس صدر مرسوم الحل المطعون بصحته لمجلس الأمة 2020، وهو إجراء لا يتفق وأحكام المادة (102) التي خيرت الأخذ بأحد الحلين، والإبقاء على الحل الآخر، فطالما تم قبول استقالة رئيس مجلس الوزراء وتعيين آخر بدلاً عنه لإنهاء الخلاف مع مجلس الأمة، كان الواجب الإبقاء على مجلس الأمة، فلا مبرر هنا لحله، وقد جاء حكم المحكمة الدستورية عند نظرها لمرسوم الحل المطعون فيه انتصاراً لمضمون المادة (102)، حيث لم تجد مبرراً لمرسوم الحل المرفوع من حكومة سمو الشيخ أحمد النواف بحجة إنهاء الخلاف مع هذا المجلس، وهو وحكومته لم يجتمعا معه بجلسة واحدة، ولم يقسما أمامه كأعضاء في المجلس بعد.

ولمن يطالبون ويحرضون على حل مجلس الأمة 2020 بعد عودته بحكم المحكمة الدسنورية بحجة تصحيح الأوضاع الراهنة واحترام إرادة الأمة كما يرونها ويتمنونها هم ومن وجهة نظرهم، فإن هذا لن يتم إلا بعد تشكيل الحكومة الجديدة بعد التكليف الجديد لسمو الشيخ أحمد النواف، ومن ثم الدعوة لانعقاد واستئناف المجلس لجلساته، وعند التئام اللقاء الحكومي النيابي من خلال تلك الجلسات وبداية تعاونهما عندها يكتمل المشهد السياسي الدستوري، وبعد ذلك يعود القرار للمجلس والنواب والحكومة بأن يستكمل المجلس مدته نحو (سنة ونصف) عند تعاونهما المشترك أو ألا يكمل مدته عند عودة خلافاتهم وإحياء صراعاتهم القديمة وتعطيل مصالح البلاد، يبقى احتمال أخير للحل رغم استبعاد حدوثه إلا أنه موجود وهو في حالة تقدم غالبية النواب المنتخبين باستقالاتهم.

في الختام نتمنى للمجلس العائد 2020 والحالم بتصحيح المسار والواعد بتحقيق الإنجازات الحقيقية والمأمولة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، كما بشر بها رئيس وأعضاء مكتب المجلس في أول اجتماع لهم بعد حكم المحكمة الدستورية، وخاصة القوانين والمقترحات المتعلقة بحسن إشراف وتنظيم وتأمين وسلامة العملية الانتخابية بمجملها، ويأتي على رأس تلك القوانين المقترحة مشروع قانون إنشاء (اللجنة الوطنية العليا للانتخابات) على أن تنجز تلك القوانين كما وعد وتعهد أعضاء مكتب المجلس في أول جلسة يلتئم فيها أعضاء المجلس والحكومة بعد انقطاع طويل، ونضم صوتنا لصوتهم بدعوة جميع النواب مع اختلاف توجهاتهم والتباين في مواقفهم إلى التوافق على تلك القوانين وإنجازها في أول جلسة للمجلس لأن في ذلك مصلحة الجميع، وعند إقرارها بإذن الله سيكون ذلك إنجازاً تاريخياً طالما حلم به المواطن والناخب الكويتي طوال مسيرة البرلمان الكويتي التي تجاوزت الستين عاماً، وهو أن يعيش أجواء انتخابات برلمانية نزيهة ونظيفة من كل الشوائب وتعبر تعبيراً حقيقياً عن إرادة ورغبة الناخب الكويتي في اختيار نائبه الذي يمثله في البرلمان، ومن سيقف ضد تحقيق هذا المطلب الوطني سيكشف نفسه، ونواياه السيئة.

back to top