إسماعيل يس... عاش ضاحكاً ومات مظلوماً

• ترك التعليم بعد وفاة أمه وسَجْن والده وطاردته الضرائب في نهاية حياته

نشر في 27-03-2023
آخر تحديث 26-03-2023 | 14:47
تفرد الفنان المصري إسماعيل يس في أداء المونولوج والتمثيل الكوميدي، وقدّم نحو 230 فيلماً و60 مسرحية خلال 33 عاماً، وتخللت حياة "الضاحك المظلوم" موجات من الأسى والدموع، وعلى الرغم من رحيله في عمر الستين في 24 مايو 1972، فإنه لا يزال يسكن قلوب الملايين من عشاق فنه الراقي. اشتهر إسماعيل يس بألقاب عِدة منها "أبوضحكة جنان"، و"ابن حميدو"، و"سُمعة"، ويُعد النجم المصري الوحيد الذي قدّم سلسلة أفلام تحمل اسمه، منها "إسماعيل يس في متحف الشمع"، و"إسماعيل يس في البوليس" (1956)، و"إسماعيل يس في حديقة الحيوان"، و"إسماعيل يس في الطيران" (1959). وقد تمتع بمقومات الممثل الكوميدي، بتلقائيته في الأداء، وخقة الظل من دون مبالغة أو إسفاف، واكتسب شعبية جارفة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وأصبح فارس الكوميديا الثالث مع نجيب الريحاني وعلي الكسار، وانفرد لسنوات بأدوار البطولة، قبل ظهور نجوم كوميديا الستينيات، مثل فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي ومحمد عوض ومحمد رضا.
سجَّل هذا النجم الاستثنائي رقماً قياسياً، سواء في غزارة أعماله، أو بطولاته السينمائية، وظهر على الشاشة خلال عام 1949 في 17 فيلما، وفي عام 1954 قدّم 18 فيلما، وكان يصوِّر ثلاثة أفلام شهريا، وانخفض المؤشر إلى فيلم واحد كل عام، بداية من 1963إلى 1972.

مطرب الأفراح

وُلد إسماعيل يس علي نخلة، في محافظة السويس (إحدى مُدن القناة) يوم 15 سبتمبر 1912، وعاش طفولة بائسة وحياة غير مستقرة، وترك المدرسة عقب وفاة أمه ودخول والده السجن، وعمل مُنادياً أمام محل بيع أقمشة، وظهرت موهبته في تلك الفترة، وأعد نفسه ليكون مطربا، وتأثر بالمطرب الشاب ـ آنذاك ـ محمد عبدالوهاب.

وغنى الصبي في الأفراح، ولكنه أثار ضحك الجمهور، بمظهره وخفة ظله، وتحوَّل مساره من الطرب إلى أداء المونولوجات، ولاقى نجاحاً كبيرًا، واتسعت دائرة شهرته من السويس إلى المدن المجاورة، وقرّر السفر إلى القاهرة.

وانضم يس إلى فرقة بديعة مصابني، ولفت الانتباه إلى موهبته الكوميدية، وقدّمه المخرج فؤاد الجزايرلي عام 1939 في فيلم “خلف الحبايب”، ثم انضم إلى فرقة علي الكسار المسرحية، وظل أحد رواد فن المونولوج على امتداد عشر سنوات من عام 1935 إلى 1945، حتى أصبح أحد أبرز نجوم الكوميديا في عصره.

تزوج مغنية مغمورة وطلقها بعد شهرين وانفصل عن ثريا حلمي بعد أسبوع


مع محمود المليجي وأبوالسعود الإبياري مع محمود المليجي وأبوالسعود الإبياري
الزوجات الثلاث

تزوج إسماعيل يس ثلاث مرات، الأولى من مغنية مغمورة تُدعى سعاد وجدي، لكنه طلقها بعد شهرين، ثم تزوج من الراقصة ثريا حلمي، وانفصل عنها بعد أسبوع واحد فقط، وشعر بمرارة الغدر والجحود، وبعد سنوات تزوج من سيدة اسمها فوزية وعرف معها معنى الحب والوفاء، واستمر ذلك الزواج حتى رحيله، وأنجب منها ابنه الوحيد يس إسماعيل يس، المخرج السينمائي المعروف، الذي رحل في عام 2008.

الوجه الآخر

ظهر الوجه الآخر للنجم إسماعيل يس، حين روت ابنة شقيقة زوجته السيدة إيمان أنور، والدة الشاعر أيمن بهجت قمر، ذكرياتها عن الفنان الراحل، وأنها تربت في منزله، منذ كان عمرها سنتين وحتى وفاته وهي بعمر 16 عامًا، وكان يعاملها كأنها ابنته، وتناديه “بابا إسماعيل”، ووصفته بالإنسان الطيب والحنون، وقالت إن شخصيته بالأفلام تختلف عنها في الواقع، فهو جاد ومحترم بجانب خفة ظله المعهودة.

ومن أكثر الصفات المرتبطة بشخصيته أنه كان عصبي المزاج، خاصة وقت مباراة نادي الزمالك، لأنه زملكاوي متعصب، وكان لاعبه المفضل حمادة إمام، ووقت المباراة يتحوّل المنزل إلى منطقة حظر تجوُّل وممنوع الكلام، منتبه للمباراة، ويندمج في المشاهدة، وترتعش يداه وقدماه من فرط التوتر، ومع فوز فريقه يسعد كثيراً ويصبح يومه جيدًا.

وكان النجم الضاحك يعشق طاجن البامية بلحم الضأن، وورق العنب بالكوارع، بجانب الملوخية والأسماك والمحاشي، وليس لديه طقوس خاصة على المائدة، ورغم بساطته، ظل شديد الاهتمام بأناقته، ويرتدي ملابس من أرقى الماركات الفرنسية والإيطالية، ويشتري البذل والكرافتات الغالية عند سفره بالخارج.

عرف معنى الحب والوفاء مع زوجته الثالثة التي أنجب منها ابنه الوحيد

واقتنى يس مكتبة كبيرة تضم مئات الكتب العربية والمؤلفات المترجمة، وعلّم نفسه بنفسه بعد تركه المدرسة حتى أنه أتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وبعد رحيله تم بيع أغلب مقتنياته بين الأصدقاء سواء من الملابس أو مكتبته الضخمة.

المسرح والمجهول

مرت حياة الفنان إسماعيل يس، كشريط سينمائي حافل بالإثارة والمواقف الدرامية، وفي ذروة نجاحه السينمائي الساحق، وخلال فترة الخمسينيات أقنعه الكاتب الصحافي موسى صبري أن ينشئ فرقة مسرحية، وبدأ النجم الكوميدي رحلة البحث عن دار مسرح، من دون إدراكه أنه يمضي نحو المجهول.

وتمكن من استئجار مسرح “ميامي” في شارع سليمان باشا بوسط القاهرة، (شارع طلعت حرب حاليًا)، نظير 460 جنيهاً شهريا، ويتسع لحوالي 700 متفرج، وبدأ العرض الأول بمسرحية “حبيبي كوكو” في 11 نوفمبر 1954، بطولته مع مجموعة من النجوم، منهم شكري سرحان، وتحية كاريوكا، ومحمود المليجي، وسناء جميل، واستيفان روستي، وعبدالمنعم مدبولي، وعبدالوارث عسر، وإخراج السيد بدير.

وظلت “فرقة اسماعيل يس” تقدِّم عروضها في القاهرة على خشبة مسرح ميامي، وفي الإسكندرية بفصل الصيف بمسرح إسماعيل يس، وقدّمت الفرقة نحو 60 مسرحية، أغلبها من تأليف صديقه الكاتب أبوالسعود الأبياري، منها “الست عايزة كده”، و”عريس تحت التمرين” (1964)، و”جوزى بيختشي”، و”صاحبة الجلالة”، و”من كل بيت حكاية” (1955).

وتعد “حكاية جواز” آخر مسرحية قدّمها إسماعيل يس عام 1966، وكانت وزارة الثقافة تدعمه بمبلغ مالي سنويًا، وبدأ المبلغ في الانخفاض عاماً بعد آخر، وتكاثرت عليه الديون، فأغلق المسرح وتوقف النشاط الفني تماماً في أعقاب نكسة 1967.

لم يفاجأ يس بإيقاف فرقته المسرحية فقط، بل وجد مصلحة الضرائب تطالبه بمبلغ 21 ألف جنيه قيمة ضرائب من عام 1950، والمفاجأة أنها طالبته بضرائب أفلام لم يقم بتمثيلها، مثل فيلم “إسماعيل يس في الجيش”، فقد كان اسمه الأول “إسماعيل يس دفعة”، فاعتبرت الضرائب أنهما فيلمان، وتم الحجز على بيته وسيارته.

أغلق مسرحه بعد تخفيض الدعم الحكومي

وأصيب الفنان الكبير بأزمة نفسية، وتدهورت حالته الصحية، وظهرت عليه بوادر شلل، واضطر أن يسافر إلى بيروت واستقر فترة هناك، وقبل أن يسافر تعرض لمشكلات كثيرة، منها منع ابنه الوحيد يس من السفر.

وظل إسماعيل يس يقف أمام كاميرات السينما حتى اللحظات الأخيرة في حياته، وكان آخر فيلم ظهر فيه “الرغبة والضياع” (1972)، وشاركته البطولة هند رستم ورشدي أباظة ونور الشريف، وعُرض الفيلم بعد وفاته.

وجاءت مشاركته في هذا الفيلم، بعد فترة طويلة من تجاهل المنتجين له، ما اضطره لتقديم المنولوجات في الملاهي الليلية، وعرض عليه المخرج أحمد ضياء الدين دوراً فى “الرغبة والضياع” فوافق على الفور، وعند ذهابه لموقع التصوير، فوجئ باستقبال حافل له، ولم يتمالك دموعه، وظل يبكي لأكثر من نصف ساعة، متأثراً بتصفيق العمّال والفنانين.



ورغم أن الدور الذي عُرِض على النجم الراحل يعتبر ثانويًا، ولا يليق بحجم مسيرته الفنية، فإنه اضطر لقبوله حتى يعود للأضواء مجدداً وعندما انتهى من تصوير مشاهده القليلة، وشاهد ملصق الفيلم، وجد اسمه في الترتيب الخامس بعد هند رستم ورشدي أباظة ونور الشريف وهياتم!

وتدهورت حالته النفسية والصحية مرة أخرى، ونصحه الأطباء بالابتعاد عن التوتر، والذهاب إلى الإسكندرية، لا سيما بعد صدمته لوفاة أقرب أصدقائه المخرج فطين عبدالوهاب.

فيلم “الرغبة والضياع” آخر ظهور سينمائي له وعُرض بعد وفاته

ومكث إسماعيل يس أسبوعاً في الإسكندرية، قبل أن يعود إلى منزله بالقاهرة، حيث دخل حجرة نومه وجلس فوق سريره، لإشعال سيجارة، ولكن الأزمة القلبية فاجأته، وحاول ابنه يس الاتصال تليفونياً بأي طبيب، ولكن الهاتف تعطّل، واستنجد بأحد أقاربهم للاتصال بالإسعاف، وعندما وصل الطبيب، كان الضاحك المظلوم قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وانطوت صفحة مضيئة لفنان أفنى عمره لإسعاد جمهوره.

سر الخلاف بين سُمعة والعندليب

تعاون الفنان الراحل إسماعيل يس مع عددٍ كبير من كبار النجوم، لكنه لم يلتقِ مع الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، سوى في فيلم واحد فقط طوال مشوارهما الفني، وروى المخرج الراحل عاطف سالم، في مقابلة صحافية تفاصيل الخلاف بين “سُمعة والعندليب”.

كانت بداية التعارف بينهما في حفلة غنائية في فترة الخمسينيات، وغنى المطرب الصاعد ـ آنذاك ـ عبدالحليم حافظ في تلك الحفلة، وقدّمه النجم إسماعيل يس للجمهور، ووصفه بأنه شاب موهوب وصاحب صوت جميل، وسيكون له مستقبل باهر.

وفي عام 1958 ظهر عبدالحليم مع كل من الفنانين الراحلين أحمد مظهر ومحمد توفيق، كضيوف شرف في فيلم “إسماعيل يس بوليس حربي”، بطولة إسماعيل يس، وإخراج فطين عبدالوهاب، وغنى إسماعيل في المشهد الذي جمعه بعبدالحليم حافظ، الأغنية الشهيرة للعندليب “في يوم من الأيام” بشكل كوميدي.

مشهد من أحد أفلامه مشهد من أحد أفلامه

النجم الاستثنائي ينفرد ببطولة سلسلة أفلام تحمل اسمه

وانقطعت العلاقة بينهما فجأة، ولم يشتركا في أي عمل فني آخر، وتبيّن أن سبب الخلاف يرجع إلى أن إسماعيل يس دعا عبدالحليم حافظ إلى حفل عيد ميلاد ابنه يس، ولكن العندليب لم يحضر واكتفى بإرسال هدية إلى المنزل، وغضب النجم الكوميدي واعتبرها إهانة، فقرّر رد الهدية، ومقاطعة المطرب العاطفي.

وفي بداية السبعينيات، توسّط أصدقاء الطرفين الفنانة تحية كاريوكا والمطربة مها صبري، والملحن حلمي بكر، لحل الخلاف بينهما، وبالفعل نجحوا في إنهاء المشكلة بين يس وعبدالحليم، بعد قطيعة كبيرة بينهما.

المطرب العاطفي يثير ضحك الجمهور بمظهره وخفة ظله

يس الابن يشارك والده في «نُص مليون جنيه»

ارتبط يس ارتباطا شديداً بوالده الفنان إسماعيل يس، وكان الابن الوحيد لنجم الكوميديا، ويحظى بحب وتدليل والده، واعتاد في طفولته الذهاب معه إلى استديوهات تصوير أفلامه، وتحرّكت بداخله رغبة الالتحاق بمعهد السينما، بعدما ترك دراسته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ليصبح مؤلفاً ومخرجاً سينمائيا.

وشارك يس إسماعيل يس خلال فترة طفولته في فيلمين من بطولة والده، الأول “إسماعيل يس بوليس حربي” (1953)، تأليف علي الزرقاني وإخراج فطين عبدالوهاب، والثاني هو الفيلم التلفزيوني “نُص مليون جنيه” (1971)، إخراج حمادة عبدالوهاب، ودارت أحداثه في إطار كوميدي، وكان أول فيلم يكتبه يس، وشارك في بطولته مع والده.

وواصل الابن الدراسة بمعهد السينما، واتجه إلى التخصص في الإخراج السينمائي وكتابة السيناريو معًا، وقدّم العديد من الأفلام ذات الطابع التشويقي، منها “بذور الشيطان”، و”حلقة الرعب”، و”الشيطان يغني”، ورحل ويرحل في عام 2008، قبل أن يحقق حلمه بعمل مسلسل درامي عن حياة والده.

وبعد عام من رحيل يس الابن، قدّم المخرج محمد عبدالعزيز مسلسل “أبوضحكة جِنان”، ويتناول قصة حياة نجم الكوميديا منذ كان مطرباً في مسقط رأسه بمدينة السويس حتى أصبح من عمالقة التمثيل الكوميدي، وقام بدور إسماعيل يس الفنان أشرف عبدالباقي.


مع زوجته وابنه مع زوجته وابنه


حفيدة نجم الكوميديا تنفي إفلاسه قبل الرحيل

كشفت سارة يس، حفيدة الفنان الراحل إسماعيل يس، بعض الأسرار الخاصة بحياة جدها خلال لقاء تلفزيوني، ونفت تعرضه للإفلاس، مثلما رددت الشائعات، وأكدت أنه كان لديه ممتلكات بعد سداد الضرائب قبل رحيله.

وذكرت أن المنتجين الذين مولوا أفلام إسماعيل يس في فترات توهجه هم أنفسهم من تنكروا له في أواخر رحلته الفنية، وليس كافياً تكريمه في ندوة بمهرجان، معقبة: “جدي كان نجم شباك أول، وكان يستحق التكريم خلال حياته وليس بعد مرور 110 سنوات من ميلاده، وتكريمه بمهرجان الإسكندرية السينمائي جاء متأخرًا بعد 50 عاماً من وفاته.”

وكان النجم الراحل يمتلك منزلاً في أحد أحياء القاهرة، لكنه عاش في شقته بضاحية الزمالك المكوّنة من سبع غرف، ومات مستوراً لم يتسوّل من أحد وكان عفيف النفس، ورغم أن الضرائب حجزت على بعض ممتلكاته، فإنه لم يحتج يوماً لشيء من أحد حتى رحيله.

back to top