أنور وجدي... نجم هوى في بئر الحرمان

• طرده والده وحاول الهروب إلى أميركا وحلم الثراء أنهى حياته

نشر في 26-03-2023
آخر تحديث 25-03-2023 | 16:56
تألق الفنان أنور وجدي ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً ومؤلفاً، وأصبح فتى الشاشة الأول في فترة الأربعينيات، ويعد من أهم صناع السينما المصرية، وتأرجح بين الصعود إلى قمة الشهرة، وهاوية الألم والمرض، ورحل بعد حياة قصيرة مزدحمة بالأسرار والكواليس في 15 مايو 1955 عن عمر يناهز 50 عاماً. قدّم أنور وجدي نحو 70 فيلماً سينمائياً، منها "ليلى بنت الريف" (1942)، و"أرض النيل" (1946)، و"قلبي دليلي" (1947)، و"عنبر" (1948)، و"غزل البنات" (1949)، و"حبيب الروح" (1950)، و"فيروز هانم" (1951)، و"ريا وسكينة" (1952). وودع فتى السينما الأول جمهوره في عام 1954، بأربعة أفلام، هي "جنون الحب" إخراج محمد كريم، و"الوحش" إخراج صلاح أبوسيف، و"قلوب الناس" إخراج حسن الإمام، وحالت ظروف مرضه دون قيامه ببطولة فيلم "الظلم حرام "من تأليفه وإخراج حسن الصيفي، وأسند دور البطولة إلى الفنان فريد شوقي.

بدأت رحلة أنور وجدي بمولده يوم 11 أكتوبر 1904 في القاهرة، ونشأ في أسرة من أصول سورية، واسمه الحقيقي “أنور يحيى القتال”، ولاحقاً أطلق على نفسه “أنور وجدي” كي يقترب من قاسم وجدي المسؤول عن الكومبارس، أثناء عمله في المسرح.

عاش أنور طفولة معذبة عانى خلالها الحرمان والفقر، وكان والده يعمل في تجارة الأقمشة في مدينة حلب السورية، لكنه تعرض للإفلاس فقرر الانتقال إلى مصر، وكانت والدته السيدة مهيبة الركابي بالنسبة إليه نموذجاً للمرأة التي تضحي من أجل عائلتها.

واستطاعت أسرته أن تُلحقه بمدرسة “الفرير” الفرنسية، وهي نفس المدرسة التي تعلّم فيها المخرج حسن الإمام وفريد الأطرش وأسمهان ونجيب الريحاني، وحرص وجدي على إتقان الفرنسية، لكن بسبب ظروفه المادية لم يتمكن من استكمال دراسته.

«أنور القتال» يغير لقبه من أجل ريجيسير الكومبارس

الهارب وهوليوود

وفي ذلك الوقت، كان يفكّر في السفر إلى أميركا، وبالفعل اتفق مع زميلين له على الهرب للعمل هناك في السينما بهوليوود، إلا أنه تم ضبطهم بعد أن تسللوا داخل باخرة في ميناء بورسعيد، وحينما علم والده برغبته في أن يصبح “مشخصاتي” طرده من المنزل.

اتجه الفتى المطرود إلى شارع عماد الدين، وهناك التقى نجوم وفناني الثلاثينيات، وقرر أن ينضم لفرقة رمسيس، وأثناء وقوفه على باب المسرح قابل الممثل يوسف وهبي، وتوسّل إليه أن يمنحه فرصة التمثيل، حتى لو كنس غرف الفنانين، لكن وهبي تجاهله.

وتلقى نجم المستقبل أول صدمة في طريق الفن، ولجأ إلى قاسم وجدي، ريجيسير الفنانين، وطلب منه أن يقابل يوسف وهبي، ليقنعه بمنحه فرصة في فرقة رمسيس، ووافق عملاق المسرح على أن يعينه عامل أكسسوارات براتب شهري ثلاثة جنيهات.


ملصق فيلم “أمير الانتقام” ملصق فيلم “أمير الانتقام”

غرفة السطح

واقترب وجدي من تحقيق حلم الصعود إلى خشبة المسرح، أثناء تواجده مع الفرقة في أميركا اللاتينية، وشعر يوسف وهبي أن هذا الشاب يتمتع بملامح تؤهله للتمثيل، بالإضافة لاجتهاده في عمله، والتزامه بالمواعيد، وقدمه من خلال دور كومبارس صامت لشخصية ضابط روماني في مسرحية “يوليوس قيصر” ورفع أجره إلى 4 جنيهات.

وقرر أنور أن يشترك مع عبدالسلام النابلسي في “غرفة على السطح” ووقتها اكتشف موهبته في التأليف، وكتب عدة مسرحيات لفرقة بديعة مصابني المسرحية، مقابل ثلاثة جنيهات للمسرحية، واستطاع أن يعمل في الإذاعة من خلال إخراج مسرحيات من تأليفه.

ثم بدأ مرحلة الانتشار، ولعب دور “عباس” في مسرحية “الدفاع” عام 1931 مع يوسف وهبي، وانتقل بعدها لفرقة عبدالرحمن رشدي، وتركها إلى الفرقة القومية، وأصبح راتبه 6 جنيهات، وقدّم دوراً كبيراً في مسرحية “تاجر البندقية”، وحصل على أدوار صغيرة في السينما، ليبدأ بعدها انطلاقته نحو النجومية من خلال مشوار حافل بالأعمال السينمائية المميّزة.

الشرطة تضبط عاشق الفن في باخرة متجهاً إلى الولايات المتحدة

القفص الذهبي

وفي حياته العاطفية كواليس كثيرة، فقد دخل أنور وجدي القفص الذهبي أربع مرات، وتزوج في بداياته الفنية من الراقصة قدرية حلمي، وكانت تعمل بفرقة بديعة مصابني، وانفصل عنها بعد فترة قصيرة، وبعدها تزوّج الممثلة إلهام حسين، وتوقع لها مستقبلاً في الفن، وبالفعل قدّمت العديد من الأعمال وقتها، منها فيلم “يوم سعيد” مع محمد عبدالوهاب، ورغم ترشيحه لها طلبت من مخرج الفيلم محمد كريم عدم الاستعانة بزوجها كونه وجهاً ليس معروفاً، لتبدأ الخلافات بينهما ويقع الطلاق بعد ستة أشهر.

وكان آخر ظهور فني لإلهام حسين من خلال فيلم “شهرزاد” أمام حسين صدقي وسامية جمال، لكنها قررت اعتزال الفن واتجهت للإنتاج، وبعد أن حققت ثروة طائلة باعت شركتها، واتجهت للتجارة والأعمال الحُرة، حتى حدث حريق القاهرة عام 1952، وخسرت كل أموالها، بينما لمع نجم الفنان أنور وجدي وأصبح فتى الشاشة، ولكن زوجته السابقة عاشت لسنوات طويلة، ورحلت عام 2003، وعمرها تخطى التسعين.

مفاجأة الموسم

كوّن أنور وجدي وليلى مراد ثنائياً فنياً شهيراً، وتزوجا في عام 1944، وكان أنور وجدي قد دعا الصحافة لحضور آخر يوم في تصوير فيلم “ليلى بنت الفقراء” وارتدت ليلى فستان زفاف، ليعلن أنه تم عقد القران قبل أيام.

ونشرت الصحف المصرية في نهاية ديسمبر 1944 تحت عنوان “مفاجأة الموسم” أن أنور وجدي وليلى مراد تزوجا. ولم يطلب منها أن تغيّر ديانتها اليهودية، إلا أن الجمهور وقتها لم يكن مُرحباً بهذه الزيجة، وتردد أنه تزوّجها من أجل الشهرة والنجاح الفني.

واستكمل الثنائي حياتهما، ومضت الأيام، وكانت قصة الحب بينهما قد أصبحت حديث الوسط الفني، وكان الفن مهماً لليلي مراد، التي أيقنت أن أنور لن يمنعها من الغناء والتمثيل، ولن يطالبها بالاعتزال كما فعل حبيبها القديم “الدبلوماسي” الذي طالبها بالاعتزال.

واستمر زواجهما لمدة ثماني سنوات، ولكن علاقتهما توترت بشكل كبير، ووصفته الفنانة ليلى مراد في أكثر من لقاء تلفزيوني بأنه كان شخصاً عصبياً وسريع الانفعال، وأنها حين تزوجته كانت في سن صغيرة، وتحملت كثيراً مراعاة للحالة المرضية التي كان يمر بها.

وظلت العلاقة الزوجية بينهما مستقرة حتى مضت بعض الشهور لتبدأ الخلافات بينهما، ولكنها على عكس المتوقع لم تكن خلافات أسرية، ولكن بعد ظهور المنتج أحمد سالم، وعرضه فيلماً جديداً من إنتاجه وبطولته وتكون البطلة أمامه ليلى مراد، حينها وجدت أنها فرصة مناسبة، وهنا ظهرت الغيرة عند أنور وجدي، وبدأ يحاول استفزاز سالم أثناء عرضه تفاصيل التعاقد وتفاصيل الفيلم على زوجته.

وأصرت ليلى على المشاركة في الفيلم، وأبدت إعجابها بفكر وطموح وذكاء سالم، وبعد ذلك غادر أنور المنزل، وغاب لمدة أسابيع لا يرضى بالرجوع إلا بعد أن تفسخ التعاقد من أجله، لكن سالم كان أسرع وقام بعمل حملة إعلانية للترويج للفيلم، وتعاقد مع الموسيقار محمد فوزي لتلحين أغاني الفيلم، ورفض كل المحاولات التي تطالبه بفسخ التعاقد.

وحينما عاد أنور إلى المنزل لم تعد الحياة بينه وبين ليلى كما كانت في البداية، بالرغم أنها أرادت الهدوء، لكن أنور لم ينه الحياة بينهما إلا بشكل كوميدي، فبينما هي نائمة، استيقظت على صوته يتصاعد من المطبخ، والأطباق تتطاير من يده، ووجدت ليلى في الصالة الفنان محمد البكار، فسألته عن ثورة أنور، فجاءها من خلفها صائحا: “البيت مافيهوش كمون يا ست هانم”، فقالت: “طب وإيه يعني يا أنور، نبعت نشتري”، فصرخ: “وإيه يعني؟ طب إنتِ طالق يا ليلى”، وفي هدوء خرجت ليلى من منزل الزوجية، وأصبحت مطلقة لأول مرة في حياتها.


مشهد من أحد أفلامه مشهد من أحد أفلامه

4 جنيهات أجر الممثل الصامت أمام «يوليوس قيصر»

الزواج الأخير

وتحقق حلم أنور وجدي في الزواج الرابع، لأنه كان يحب الفنانة ليلى فوزي في بداياته، إلا أن والدها رفضه، وفضل وقتّها أن يزوجها للفنان عزيز عثمان، ولكن عاد ليعرض الزواج مرة أخرى بعد أن أصبح أهم نجم على الساحة الفنية، وتزوجها بالفعل عام 1954.

تحولت حياة النجم المتألق إلى مأساة، وكان الفقر الشديد الذي عاشه أنور وجدي، قد جعله يتمنى دائماً أن يصبح ثرياً، حتى لو أصابته أمراض الدنيا، وبالفعل تحقق له ما أراد، فجمع ثروة قُدرت بحوالي نصف مليون جنيه، وهو رقم كبير في الخمسينيات ولكن أصابه المرض!

كان أنور وجدي في بداية مشواره الفني، لا يجد الأكل الكافي وبعد أن أصبح ثرياً مُنع من تناول العديد من الأطعمة، حين أُصيب بسرطان المعدة. وفي الوقت الذي اعتقد أنه حقق حلم حياته بزواجه من حبيبته ليلى فوزي، وأثناء قضائه شهر العسل في السويد، اشتد عليه المرض، وأُصيب بالعمى لمدة ثلاثة أيام، ولم يعلم أحد بهذا الأمر سوى زوجته. وقضى فتى الشاشة آخر أيامه في غيبوبة، ولكنه استفاق لحظات قبل وفاته وقال لزوجته ليلى فوزي: “خليكي معايا”.

وعاد جثمانه إلى القاهرة التي طلب أن يُدفن بها، واستقبله نجوم الفن في المطار، وظل الصندوق الخشبي للجثمان في مدخل عمارته، فذهب إليه الفنان محمد الكحلاوي، ووجده ملفوفاً بالشاش، فاصطحبه إلى مسجد عمر مكرم، وغسّله وصلى عليه ولفّه بكفن جديد، ليكتب مشهد النهاية لقصة فنان ونجم أثرى السينما المصرية بأعمال متميزة.

نجم المستقبل يتوسل للفنان يوسف وهبي للعمل في فرقته

الورثة يعثرون على كنز ثمين في شقته!

عثر ورثة الفنان أنور وجدي على كنز ثمين فى شقته، فبعد عامين على رحيله، نشرت مجلة “الكواكب” المصرية موضوعاً عن أحد أكبر منتجي السينما وصناعها، وكيف مرت ذكراه دون أن يتذكره أحد سوى زوجته ليلى فوزي التي كانت على خلاف مع أسرته وباقي ورثته، فاكتفت بإحياء الذكرى مع بعض أقاربها ببعض آيات القرآن، ولم تذهب إلى قبره خشية أن تصطدم بأقاربه.

وأشارت “الكواكب” إلى ما وجده الورثة ضمن مقتنيات أنور وجدي في شقته بعد وفاته، حيث عثروا على 20 قصة سينمائية اشتراها قبل وفاته مخططًا لتقديمها خلال خمس سنوات، بواقع 4 أفلام سنوياً دون أن يكون في توقعاته أن الموت سيخطفه قبل أن يحقق طموحاته الفنية.

كما سافر أنور وجدي خلال السنوات الأخيرة من حياته أكثر من مرة إلى إيطاليا، والتقى السينمائيين الإيطاليين، تمهيداً لإنتاج أفلام مشتركة، حتى أنه بعد وفاته زار مصر أحد صناع السينما الإيطالية وسأل ماري كويني عن أنور وجدي وانهار بالبكاء حين عرف أنه مات، مؤكداً أنه كان يخطط لفيلم ضخم إيطالي - مصري مشترك.

«خذ مني الصحة»... دعوة استجابت لها السماء

عاش أنور وجدي، حياة مدقعة بالفقر، لذلك كان يحلم بالثراء، وفي بداية مشواره الفني، قادته المصادفة أمام أحد المطاعم، ووقف دقائق مغمضاً عينه، وهو يشتم رائحة الدجاج، وعندما فتح عينه وجد نفسه أمام أحد المخرجين، الذي أعطاه بضعة جنيهات تمكنه من شراء الطعام.

ودخل أنور إلى الاستديو، وحكى لزملائه الواقعة، ومدى تلذذه بالطعام، و”الفلوس” التي حصل عليها، الأمر الذي دعاه إلى أن يرفع يديه إلى السماء ودعا ربه بأن يمنحه المال الكثير وأن يأخذ منه الصحة!! وهى الدعوة التي تحققت بعد سنوات، في ذروة نجاحه، وثرائه الفاحش، حيث أصيب بمرض لم يجد له الأطباء في مصر علاجا، ومن أجل ذلك سافر إلى الخارج، ليعود لأرض الوطن في صندوق خشبي، تاركاً ثروته محل نزاع بين ورثته لعدم إنجابه.

«الكمون» يتسبب في انفصاله عن زوجته ليلى مراد

مناوشات مع كمال الشناوي تنتهي في «طريق الدموع»

عندما بدأ الفنان كمال الشناوي مشواره في السينما، لاقى نجاحاً كبيراً، ونافس بقوة النجم أنور وجدي، وكان فارق العمر بينهما 17 عاماً، وجمعهما فيلم “أمير الانتقام” (1950)، ولكن حدثت مناوشات بينهما، حيث قال أنور وجدي عن الشناوي إنه وسيم لكنه لا يجيد التمثيل، ليرد الشناوي ساخراً: “كيف يكون أنور فتى الشاشة وله كِرش؟”. وأثناء تواجدهما سوياَ في إحدى الحفلات، أخبره أنور أن السبب في ذلك هو مرضه، مما أبكى الشناوي، وبعدها أصبحا أصدقاء حتى أن الشناوي قدّم حياة أنور وجدي في فيلم بعنوان “طريق الدموع” (1961)، إخراج حلمي حليم، وشارك في بطولته صباح وليلى فوزي.

مع الطفلة فيروز في أحد الأفلام مع الطفلة فيروز في أحد الأفلام

الخلافات تنهي نجاحه الفني مع الطفلة فيروز

جمع الفنان الراحل أنور وجدي بين مواهب الإنتاج والإخراج والتأليف، وقدم ثنائياً فنياً مع بعض النجمات، منهن ليلى مراد، ومن أشهر أفلامهما “غزل البنات”، واستطاع أن يجمع فيه لأول مرة يوسف وهبي والموسيقار محمد عبدالوهاب والفنان نجيب الريحاني.

وكان له أيضاً الفضل في اكتشاف الطفلة المعجزة فيروز، ومن أشهر أفلامها معه “دهب” و”ياسمين”، وقدّم لأول مرة مع فيروز تجربته في الغناء، من خلال دويتو “كروان الفن”، وعجلت الخلافات المادية بانتهاء التعاون بينهما.

back to top