فاتن حمامة... أيقونة سينمائية ضلت طريقها إلى العالمية

• 3 آلاف عريس طلبوا يدها... وتزوجت سراً في طفولتها من مخرج شهير

نشر في 24-03-2023
آخر تحديث 23-03-2023 | 15:59
سطعت موهبة النجمة فاتن حمامة في أربعينيات القرن الماضي، وأضحت من أيقونات السينما المصرية، وكرّست حياتها للتمثيل، وقاومت الكثير من الصدمات وتجارب الزواج والانفصال، وامتدت مسيرتها الفنية أكثر من 60 عاماً، واحتلت مكانة كبيرة في قلوب الملايين من عشاق فنها الراقي، قبل أن تترك فراغاً هائلاً برحيلها في 17 يناير عام 2015، عن عمر يناهز 83 عاماً. سكنت فاتن حمامة "البلاتوه"، وباتت الشاشة ملاذها الآمن، وشاركت مع أجيال مختلفة من النجوم والمخرجين، وسجّلت رقماً قياسياً بعدد أفلامها، بواقع 97 فيلماً روائياً وثلاثة أفلام قصيرة، وبطولة عملين في الدراما التلفزيونية، وخمسة مسلسلات إذاعية. وقدمت سيدة الشاشة تجربتين فقط في المسرح، وهما مسرحية "البخيل" للكاتب الفرنسي موليير عام 1946 مع طلبة وطالبات المعهد العالي للتمثيل على مسرح الأوبرا، ومسرحية "حلاق إشبيلية" للإيطالي جواكيني روسيني عام 1950 على مسرح الأزبكية بالقاهرة.

رفضت نجمة السينما الانضمام إلى أي من الفرق المسرحية في الفترات اللاحقة، وانهالت عليها العروض من مسرح الدولة وفرق القطاع الخاص، لكنها خشيت من مواجهة الجمهور مباشرة، وعزفت عن خوض التجربة، وجذبها سحر الشاشة، وبمرور الوقت تضاءلت فرصة ظهورها على خشبة المسرح.

عيون ساحرة

بدأت رحلة فاتن حمامة، بمولدها في 27 مايو 1931، في حي عابدين بالقاهرة. وكان والدها أحمد حمامة، من كبار موظفي وزارة المعارف المصرية، ووالدتها زينب توفيق ربة منزل، ولها ثلاثة أشقاء (منير وليلى ومظهر)، واستقرت الأسرة لعدة سنوات في مدينة المنصورة (شمال القاهرة).

40 عاماً جمعت بين سيدة الشاشة وزوجها الطبيب محمد عبدالوهاب

تعلقت فاتن بالفن منذ سن مبكرة، حين اصطحبها والدها إلى سينما “عدن” بالمنصورة، وعمرها لا يتجاوز أربعة أعوام، وشاهدت فيلم “عيون ساحرة” وانبهرت الطفلة الصغيرة بأول فيلم خيال علمي في السينما المصرية، وأخذت تقلد بطلة الفيلم آسيا داغر أمام أشقائها، وحلمت أن تكون نجمة سينمائية.


قطار الفن

ولعبت المصادفة دورها، حين قرأ والدها إعلاناً في الصحف للمخرج الرائد محمد كريم يطلب ممثلة طفلة لدور في فيلمه الجديد أمام المطرب محمد عبدالوهاب، وبعث أحمد أفندي حمامة بصورة لابنته، ووقتها فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر، واصطحبها والدها معه إلى القاهرة، والتقى بالمخرج، وأعجب الأخير بها، وقام بتغيير السيناريو لإعطائها دوراً أكبر.

ولفتت الطفلة الصغيرة الأنظار، حين شاركت في فيلم “يوم سعيد” (1939)، وبدأ عرضه قبل عيد الفطر بأيام قليلة، ولم تتمكن فاتن من حضور العرض الأول بسبب انشغالها بامتحانات نصف العام، وفي يوم الوقفة ركبت مع والدها سيارة أجرة قبل الغروب إلى القاهرة، ولكن السائق ضل الطريق ولم يعرف بذلك إلا بعد أن وصل إلى الزقازيق (شمال شرق القاهرة)، فاضطرا للمبيت فيها وفي الصباح اتجها إلى العاصمة.


في طفولتها مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في طفولتها مع الموسيقار محمد عبدالوهاب

يوسف وهبي يعيد اكتشاف أجمل طفلة مصرية في «القناع الأحمر»

وذهبت فاتن مع والدها إلى دار السينما، ولكنها أصرت على ارتداء فستان العيد الجديد، فأخلوا لها غرفة مدير السينما حتى تبدِّل ملابسها وترتدي الفستان، وبعدها خرجت لتستقبل تحية الجمهور الذي صفق بحرارة للنجمة الجديدة، وكان هذا العيد من أجمل الأعياد في حياة سيدة الشاشة.

رصاصة في القلب

وبعد تألقها في “يوم سعيد” رفض والدها عدة عروض سينمائية حرصاً على مستقبلها الدراسي حتى أقنعه المخرج محمد كريم مرة ثانية بعد خمسة أعوام بأن تمثل فاتن في فيلمه الجديد “رصاصة في القلب” أمام محمد عبدالوهاب وراقية إبراهيم، ولفتت الانتباه مجدداً إلى موهبتها التلقائية في التمثيل.

وبات من الصعب إيقاف قطار الممثلة الصغيرة، وقدمها الفنان يوسف وهبي في أول بطولة مطلقة من خلال فيلم “ملاك الرحمة” (1946)، و”القناع الأحمر” في العام التالي، وظهرت صورتها على الملصق الدعائي للفيلمين، وتوالت رحلتها في عالم الأضواء والشهرة.

والتحقت فاتن بمعهد التمثيل في دفعته الأولى، بعد أن أسسه المخرج زكي طليمات، وتخرجت في عام 1947، وتزوجت من المخرج عزالدين ذوالفقار، وفي البداية رفضه والدها لفارق السن، ولكن ذوالفقار تردّد عليهم كثيراً في المنزل، وتزوجت فاتن سراً من المخرج الشهير في عام تخرجها في معهد التمثيل، وعمرها لا يتجاوز السادسة عشرة، ولاحقا امتثلت أسرتها للأمر الواقع، وانتشر خبر زواجها عبر الجرائد والمجلات الفنية، وأنجبت منه ابنتهما نادية، قبل أن ينفصلا في عام 1954.

بطلة «يوم سعيد» تصر على ارتداء فستان العيد قبل تحية الجمهور

وقدمت فاتن مع ذوالفقار عدة أفلام ناجحة، منها “نهر الحب” (1960) عن رواية “آنا كارنينا” للكاتب الروسي ليو تولستوي، وكان فيلماً استثنائياً مع زوجها ـ آنذاك ـ عمر الشريف، ومن إخراج زوجها السابق، ويدور في أجواء مشابهة حول فتاة تتزوج من رجل أكبر منها سناً، وتعيش معه من دون حب، ويتسلل الفتور إلى حياتهما الزوجية.


كانت حريصة على أناقتها كانت حريصة على أناقتها

3 آلاف عريس!

وقد اشتهرت الفنانة فاتن حمامة بملامحها البريئة، إلا أن مرحلة المراهقة في حياتها تضمنت العديد من التفاصيل المثيرة التي تعكس وجهاً آخر أكثر تمرداً على القيود، واعترفت سيدة الشاشة بقصة حبها الأول من أحد الشباب، وكان يعمل ضابطاً، ولم يجمعها به سوى لقاء أمام محطة الترام عندما حاول إعطاءها خطاباً بحجة أنه لشقيقها.

وساورها الشك في نوايا هذا الشاب لأنه لم يذكر اسم شقيقها، ما أثار فضولها لقراءة الخطاب، وما إن بدأت تقرأ الخطاب حتى اكتشفت أنه “جواب غرامي” مرسل لها، وصُدمت الفتاة الصغيرة، وأخبرت والدتها بالأمر، والتي قامت بتمزيق الخطاب وإسداء نصيحة لابنتها بأن تبتعد عن الشباب، لأنه لو كان جاداً لتقدم للزواج منها، وتحولت تلك النصيحة إلى حاجز بينها وبين حبيبها الأول.

وروت فاتن أيضاً عن طلب 3000 عريس الزواج منها، حين أصبحت ممثلة معروفة، ونشرت أخبارها في الصحف والمجلات، وكان الجمهور يلاحقها أينما ذهبت، وبدأت خطابات المعجبين تنهال عليها ومن بينها طلبات للزواج منها.

وكان أول عريس تقدم لها عن طريق “الخاطبة” شابًا غنيًا، وصدمت فاتن مثل صدمتها الأولى حينما تلقت منه جواباً غرامياً، كما فعل حبيبها الأول، وتلك المرة أخبرت والدها، فقال لها إنه أمر طبيعي كفنانة معروفة، ولكنها رفضت هذا العريس.

أما أول شجار حدث بينها وبين عائلتها فكان بسبب رغبتها في ارتداء حذاء الكعب العالي وتوالت الخلافات لرغبتها في التحرر من القيود.


ملصق فيلم “صراع في الميناء” ملصق فيلم “صراع في الميناء”

الممثل العالمي يضرب أحمد رمزي من أجل بطلة “صراع في الميناء”

قصة حب

عاشت فاتن حمامة قصة حب مع الفنان العالمي عمر الشريف، وتعد من أشهر الروائع الرومانسية في كواليس السينما المصرية، وبدأ تعارفهما أثناء تصوير فيلم “صراع في الوادي”، وكان مرشحاً للبطولة الفنان شكري سرحان، لكن حالت الظروف دون مشاركته، وتم ترشيح اسم عمر الشريف من خلال المخرج يوسف شاهين.

وفي إحدى جلسات التصوير، وبحضور أبطال الفيلم، شعرت فاتن أن الشريف يريد أن يقول لها شيئاً ذا أهمية، وظهر عليه الارتباك والانفعال، فقد كان يفتح فمه ليقول كلمة بعينها، ثم يعود فيغلقه من دون أن يقول شيئاً، ولكنّه استجمع قواه، وطلب منها الزواج، وعندها شعرت بالارتباك، لكنهما دخلا إلى قفص الزوجية بعد فيلمهما الثاني “صراع في الميناء” للمخرج يوسف شاهين عام 1955.

وتسبب هذا الفيلم في خصومة بين عمر الشريف وصديقه أحمد رمزي، حين أبلغه عاطف سالم (مساعد المخرج) أن رمزي يغازل فاتن حمامة أثناء تصوير أحد المشاهد، وهرع الشريف إلى صديقه، وانهال عليه بالضرب، ليتوقف تصوير المشهد، واستمرت القطيعة بينهما لعدة أشهر، قبل أن يلتقيا في إحدى المناسبات ويتصافحا.

وبعد حوالي عشرين عاماً من الحب والزواج، انفصل فاتن والشريف عام 1974، وكان ابنهما طارق ثمرة زواجهما، وتناثرت أصداء حول خلافات بينهما، بسبب انشغال الشريف بالسينما العالمية، وابتعاده عن زوجته وابنه لفترات طويلة، ورغم إجادة سيدة الشاشة اللغتين الفرنسية والإنكليزية، فإنها لم تنجذب إلى بريق أفلام هوليوود.

وشاء القدر أن ترحل فاتن حمامة قبل الشريف بنحو ستة اشهر، وأصيب الممثل العالمي في آخر أيامه بمرض الزهايمر، ونسي مجده السينمائي، والكثير من تفاصيل حياته، لكنه ظل يتذكر اسم زوجته السابقة، ويسأل عنها، وحين علم برحيلها، دخل في نوبة اكتئاب شديد حتى رحيله.


مع زوجها الأول عزالدين ذوالفقار مع زوجها الأول عزالدين ذوالفقار

«نهر الحب» فيلم استثنائي مع عمر الشريف أخرجه زوجها السابق

وجه القمر

تزوجت فاتن حمامة من الطبيب محمد عبدالوهاب بعد عام واحد من انفصالها عن عمر الشريف، ودام زواجها 40 عاماً حتى رحيلها، وخلال تلك الفترة تراجع ظهورها على الشاشة، واعتذرت عن عدم قبول أفلام كثيرة، حتى تحافظ على مكانتها أمام جمهورها، وأسدل مسلسل “وجه القمر” الستار على مشوارها الفني عام 2000.

وبعد خمسة أعوام رحلت الأيقونة السينمائية التي ضلت طريقها إلى العالمية، لكنها تعد من أهم ممثلات السينما العربية على مدار التاريخ، وأسهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور المرأة المصرية في الفن السينمائي.

الصيد... هوايتها المفضلة

انتظمت حياة الفنانة فاتن حمامة حسب طبيعة المرحلة التي عاشتها، وحكت سيدة الشاشة عن حياتها بعيداً عن الأضواء وروتينها اليومي في الحياة العادية بعيداً عن النجومية.

وعادة كانت تبدأ يومها في الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وتقوم بمهام المنزل وترتيبه، ثم تمارس بعض التمارين الرياضية وبعدها تتناول الغداء مع الأسرة، وبعد الظهر تلتقي غالباً بالأصدقاء، وينتهي يومها في العاشرة أو الحادية عشرة مساء.

وكان الصيد هوايتها المفضلة، منذ صغرها، وتعلمت منه الصبر والمثابرة، والقدرة على التأمل، كما أفادها كثيراً في التغلب على التوتر والضغوط النفسية، وذلك سر احتفاظها بجمالها ونضارتها حتى عمر متقدم.

ورغم وصولها إلى قمة النجومية، فإنها كانت بسيطة ومتواضعة إلى أبعد الحدود، ويعرف عنها زملاؤها في الوسط الفني أنها لم تتأخر طوال مشوارها وعملها في السينما والدراما عن ميعاد التصوير، وتعتبر هذه السمة من أهم السمات التي تميز فاتن حمامة وجيلها من الفنانين.

نجمة السينما ترفض التمثيل المسرحي بعد تجربة «حلاق إشبيلية»

وكما تخوفت سيدة الشاشة من التمثيل على خشبة المسرح، رفضت العمل في الإعلانات التجارية، وإن كانت لم ترَ ذلك عملاً خاطئاً لأنه يحدث في العالم كله، ويجذب الكثير من النجوم والنجمات في مختلف المجالات، وليس من جانب الممثلين فقط، بل الرياضيين ومشاهير المجتمع كذلك، وهو أمر مشروع طالما الإعلانات ليست لسلعة تضر أو تؤذي الناس.

لفظ خادش أدخلها في نوبة بكاء 3 أيام

كانت فاتن حمامة من أشد الفنانات حرصاً على الارتقاء بذوق المشاهدين، ومن المستحيل أن تنطق بألفاظ خارجة، لكنها خرجت عن هذا السياق، أثناء تصوير فيلم “الخيط الرفيع” (1971)، وقالت جملة خادشة في أحد المشاهد، ولم تكن هذه الجملة موجودة في الحوار، ولكنها انفعلت بالموقف، وأحسته جداً، واندمجت في تصويره، وهذا المشهد اقتضي أن تمزق ملابس حبيبها (محمود ياسين) بعد أن أساء إليها.

ودخلت النجمة الرقيقة في نوبة بكاء مدة ثلاثة أيام، وكانت تريد أن تعيد المشهد، لكن المخرج هنري بركات رفض ذلك، وغضبت منه وخاصمته وظلت في منزلها لمدة أسبوع، ولا تكن تريد استكمال تصوير الفيلم.

سيدة الشاشة تجبر سناء جميل على الأناقة

تعرضت الفنانة سناء جميل لموقف مع سيدة الشاشة فاتن حمامة، وتأثرت به كونتيسة المسرح بقية حياتها، بعد أن كانت تكتفي بالقدر القليل من الملابس البسيطة في المناسبات الفنية، حتى عرفت أهمية وقيمة الأناقة بالنسبة إلى الممثلة بعد أن سافرت لأول مرة لحضور مهرجان السينما بموسكو عام 1961، كبطلة لفيلم “بداية ونهاية”.

وكانت فاتن حمامة بين الوفد العربي، وسافرت سناء وهي لم تحمل غير فستانين فقط، بينما حملت فاتن معها حقيبتين ممتلئتين بأرقى الأزياء، وكانت تغيِّر وتبدِّل الفساتين الأنيقة مع كل مناسبة، وظهرت بإطلالة رائعة، وبعد ذلك الموقف قدَّرت سناء أهمية الملابس، وأجبرتها سيدة الشاشة أن تهتم بأناقتها.

back to top