مختارات «الحمد» الشعرية

نشر في 20-03-2023
آخر تحديث 19-03-2023 | 19:29
 خليل علي حيدر

أغلق الباحث حمد الحمد في أعماله المنشورة ثغرات عديدة في المكتبة الكويتية، وفي مجال التراث الأدبي والفني والشعبي واللغوي والشعري... على وجه الخصوص.

معظم ما تردد أو تراجع المؤلفون في الكويت عن تأليفه وتصنيفه وتجميعه وفهرسته منذ أعوام وعقود، جمعاً وفرادى، قام به وتولاه ولا يزال بهمة واهتمام الأستاذ حمد، الذي بات يتحفنا بين الفينة والفينة بكتاب قيّم أو فهرس أو ببلوغرافيا لا تخطر على بال حتى بلغ عدد المطبوع من أعماله نحو 25 كتاباً وموسوعة!

العديد من مؤلفاته ذات منحى مبتكر في التأليف والاختيار، وإن بدا مألوفاً، ومن ذلك مثلاً كتابه المعروف «حديث الديوانية» الذي جمع فيه حكايات وأحاديث وطرائف كان مصيرها الاندثار، ومنه كذلك موسوعة الشعر الغنائي في الكويت... وغير ذلك.

ومن مصنفاته الأخيرة، المنشورة في 2023، باقته الشعرية «مختارات من الشعر الكويتي»، التي تضم كما يقدمها «مئة قصيدة فصيحة تمثل الفترة من القرن العشرين حتى الألفية الثانية»... التي نحن فيها!

يقع الكتاب في 308 صفحات، ويضم قصائد نحو 40 شاعراً من الراحلين والباقين بيننا مستمرين في العطاء الأدبي، ويقول في المقدمة «مادة كتابي هذا هي مشروع تطوعي للتعريف بالأدب والثقافة في الكويت وبالتعاون مع «د. محمد بن ناصر»، الأستاذ بجامعة الكويت، حيث سيقوم بدوره مشكوراً بترجمة مختارات من القصائد إلى اللغة الإنكليزية، وليصدر في كتاب منفصل لاحقا».

لست بالشاعر أو الناقد الأدبي المحترف، غير أن المؤلف «الحمد» لم يتجاهل أياً من الشعراء والشاعرات، وهو بذلك قدم «أنثولوجي» أو «مقتطفات» تغطي كل العطاء الشعري الكويتي، وربما امتلكتُ حرية أكبر من النقاد والأدباء في التعليق على بعض القصائد وإبداء بعض الملاحظات الذاتية عليها.

خرجت أولاً بانطباع إيجابي من مجمل العطاء الشعري الكويتي الذي لم أكن أتصور أن فيه هذا الكم من القصائد الجيدة والصور الشعرية والخيال الأدبي، وإن كان العديد من الصور الشعرية لا يوفق أحيانا في الغوص العميق داخل التجربة الإنسانية ونبش البؤس ودخول دنيا المتمرد، كالذي نراه في أشعار نزار قباني أو بدر شاكر السياب وفدوى طوقان، وإن لم تخلُ الأشعار كما قلنا من جمال لغوي أخّاذ وصور معبرة في قصائد نجمة إدريس وخليفة الوقيان وخالد سعود الزيد، إذ يقول متحدثاً عن التمزق:

«لقد مزق الليل أوصالنا..

وبدّد في الكون أشلاءنا

فلا أنتِ أنتِ ولا ذا أنا

ألملِمُ من خلفك الذكريات». (ص 132)

ومن المعاني المبتكرة في قصيدة «عودة الماضي»، د. يعقوب غنيم:

«تُفرّقنا الأيام تفريق ظالم

وتجمعنا الأحلام بالليل إن نمنا»

أو قول د. الوقيان في قصيدة «لقاء»:

«فقلت كم في الناس من عوسج

تخاله في ثوبه سوسنا».

أما قصيدته عن تفجير المقاهي الشعبية، يوليو 1985، فمزيج من مشاعر الألم والاستياء والابتعاد عن ضغوط اللحظة ومشاعرها، وإن كان عنوان القصيدة «مذبحة الفواكه» يحجب أو ربما يقلل من مشاعر الاستنكار التي ينجح الشاعر في تعبئة القارئ بها لاحقاً!

وأحسن «الحمد» اختيار القصيدة المتمردة «امرأة بلا سواحل» للشاعرة د. سعاد الصباح التي تعبر عن موقفها الشديد الانتقاد للأعراف الاجتماعية:

«يا سيدي..

مشاعري نحوك، بحرٌ ماله سواحل..

وموقفي في الحب.. لا تقبله القبائل

ياسيدي:

أنت الذي أريد

لا ما تريد تغلبٌ ووائلُ». (ص 212)

ومن جميل الصور الشعرية حديث الشاعرة «عنيمة زيد الحرب» عن مدينة لندن في قصيدتها «ألق التراب» وتقول:

«الشمس في لندن

بخيلة

تخفي الكنوز وتختفي خلف الضباب

وتفرُّ من شبح الضرائب في الضحى». (ص238)

وتعبر الشاعرة «نجمة إدريس» عن حالة حزن في قصيدة كتبتها عام 1978 بعنوان «عندما ينتصر الحزن»، حيث تطرد طائراً عن شباكها قائلة:

«لأنني حزينة

سأطرد العصفور عن نافذتي

ولن أدع تغريدَهُ

ينقر في بلاهة

على جدار وحدتي

هيا وطر مبتعداً

تغريدك اليوم سدى

هيا وطر يا طائري

فإن قلبي مجدب». (ص251)

ويباغتك جمال الشعر الفصيح والتعبير الجزل في قصيدَتَيْ الشاعر «رجا القحطاني» وهما بعنوان «صحراء قلبها أخضر» و«تحت سقف قيس وليلى»!

«هل لامستكَ حكايا البيد موغلةً

في رقة العشق، هل أشجتك إحداها

تراجعتْ وسديم الصمت يحجبها

وإن رنت تتمنى العذر عيناها!» (ص286)

وذلك من ديوان «سموات لمطر أخير»، في قصيدة «موظف البنك» نقد خاطف رشيق، وذم في لباس ثناء ومدح، واختيار موفق، من أشعار «إبراهيم الخالدي» الذي يتحدث في القصيدة عن هذا الموظف الذي تحاور مع الشاعر إبراهيم، مستعيداً «ذكريات المراهقة البعيدة» و«اختباءنا في المقبرة لتدخين السجائر»، ثم تتوالى ومضات الخالدي مستعرضاً شخصية الموظف المسكين وتعامل الشاعر معه بلا مبالاة حتى أنه رمى رقمه في سلة المهملات... «هذا الذي كان يخاطبني باسم رجل آخر ربما كان يشبهني»! (ص295)

شاعر كويتي آخر وريث للكثير مما هو جيد ومعبر في إبداعات شعراء الكويت «سامي القريني» في قصيدة «تنامين في أبجدية صمتي»، وهو بالطبع عنوان حالم لكلمات بالغة الرقة يقول فيها:

تنامين في أبجدية صمتي شموساً

يحنّ إليها المساء

تمرين تنقيط شمع شهي

وأنشودة يشتهيها الغناء

أنتِ خيال...

وعشقي هباء». (302)

«مختارات من الشعر الكويتي» تثبت أن الأستاذ حمد الحمد بعيد عن الجفاف والآلية التي قد يشعر بهما من يطالع الجداول والفهارس التي سهر على إعدادها وجمعها في بعض كتبه، وإن كان قد قدم خدمة عظيمة بذلك للتراث الكويتي، وهي كذلك خير برهان على أن الشعر باق في ثقافة الكويت الأدبية، مهما صالت الرواية في الميدان إلى حين!

تصويب

نقلنا في مقالنا السابق، 15/ 3/ 2023 عن الكتاب السنوي الأميركي world Almanac2022 أن حجم الناتج القومي الإجمالي للصين GDP هو 3 تريليونات دولار والصحيح هو 24.3 تريليون دولار. نعتذر للقراء الكرام عن هذا الخطأ غير المقصود... مع خالص الشكر للأستاذ الاقتصادي عامر التميمي الذي نبهني لذلك.

back to top