ما بعد الاتفاق السعودي الإيراني

نشر في 19-03-2023
آخر تحديث 18-03-2023 | 19:34
 أ. د. فيصل الشريفي

عندما تقرأ جيداً المتغيرات الجيوسياسية التي مر بها العالم خلال العقدين الماضيين تدرك أن تفوق الولايات المتحدة الأميركية قد انحسر، وأن هذا النفوذ بدأ بالأفول بعد تبدل موازين القوى الاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم.

لهذا التغير دلالاته على الواقع بعدما فشلت الإدارة الأميركية في إدارة معظم الملفات، ومنها الانسحاب السريع من أفغانستان الذي كان مذلاً، وكذلك عدم قدرتها على ردع أو وقف الغزو الروسي لأوكرانيا رغم كل ما تدعيه من دعم لا محدود لأوكرانيا، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا، إلا أن النتائج على الأرض كانت عكسية ومؤثرة خصوصاً على حلفائها الأوروبيين، كما أن هذا الفشل صاحبها في حسم الصراع في سورية والعراق ناهيك عن الملف النووي الإيراني.

عند الحديث عن العقوبات الصارمة التي انتهجتها حكومات البيت الأبيض لا يمكن التجاوز عن العقوبات الإيرانية التي تعد الأقسى بين كل الملفات التي عملت عليها الإدارة الأميركية، إلا أنها أيضاً لم تستطع ثنيها عن تحقيق برنامجها النووي.

على الجانب الآخر الولايات المتحدة الأميركية لم تعد القوة الاقتصادية المنفردة في العالم، وذلك بعد أن استطاعت جمهورية الصين الشعبية فرض نفسها على خريطة الاقتصاد العالمي باحتلالها المركز الثاني وبفارق من المتوقع تجاوزه خلال السنوات القليلة القادمة بسبب ما تملكه الصين من إمكانات بشرية ومادية وكشريك استراتيجي يمكن الوثوق به والاعتماد عليه.

ميزان القوى الاقتصادي اليوم غير الأمس والحال تنسحب على دولنا في منطقة الخليج العربي، وتكفي الإشارة إلى المملكة العربية السعودية التي جاء ترتيبها في المركز 32 على مستوى العالم، ومن ثم تتبعها دولة الإمارات العربية وجمهورية العراق ثم دولة الكويت وسلطنة عمان.

تطوير القدرات الاقتصادية ضمن الرؤى الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي وشعوب المنطقة يتطلب الانفتاح على العالم رغم أهمية الدور الأميركي، لكن هذا الدور لا يعني التخلي عن بقية المصالح التي تربطها بدول العالم ودول الجوار، فكما هو معلوم القارئ الجيد يستطيع التنبؤ بالمستقبل.

اليوم المملكة العربية السعودية بدأت بمسار جديد نحو تخفيف الاحتقان في المنطقة مع إيران مدركةً أن الجغرافيا لا يمكن تغييرها، وأن المباحثات المباشرة هي الحل الأمثل للتعامل مع الملفات العالقة، والتي يأتي في مقدمتها وقف الحرب اليمنية التي استنزفت الكثير من الطاقات البشرية والمادية.

سمو ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان في أحد المؤتمرات صرح أن لديه إيماناً مطلقاً بأن السعودية خلال السنوات القادمة ستكون لديها قوة اقتصادية هائلة، وكذلك الإمارات والكويت وقطر والبحرين، وهو محق في ذلك لما تملكه هذه الدول مجتمعة من قوة اقتصادية تستطيع من خلالها تحقيق الرفاهية المنشودة لشعوب المنطقة.

هذه القوة التي يسعى إليها سمو الأمير محمد بن سلمان لم تأت من فراغ، حيث استطاعت المملكة العربية السعودية تحقيق وفرة في موازنتها وقفزة تاريخية للموارد غير النفطية، والأمر ينسحب على بقية دول الخليج العربي.

اليوم ما تقوم به المملكة العربية السعودية في اتفاقها مع جمهورية إيران الإسلامية دليل على سعيها نحو استقرار المنطقة لحلحلة مواضع الخلاف التي يمكن معالجتها على طاولة الحوار المباشر والثقة المتبادلة.

ودمتم سالمين.

back to top