في غياب الحكومة لا يبطل اجتماع المجلس وتأجيله أصبح عرفاً دستورياً

نشر في 19-03-2023
آخر تحديث 18-03-2023 | 19:31
 المستشار شفيق إمام

بادئ ذي بدء فإن المنهج الأصيل في تفسير نصوص الدستور هو التوفيق بينها، وترجيح الفهم الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر، وفي إطار هذا المنهج كان تفسيري للمادتين (97) و(116) من الدستور، منذ أول مقال كتبته قبل أكثر من عشرين عاما على صحيفة «القبس» في عددها الصادر في 5 فبراير سنة 2001، تطرقت فيه إلى المادة (116) من الدستور، فضلا عن المقالات التي بحثت فيها هذه المسألة بعد ذلك على صفحات «الجريدة»، والدراسة التي قدمتها للجنة الشؤون التشريعية والقانونية، عندما قرر مجلس الأمة إحالة طلب تفسير أحكام هاتين المادتين المقدم من النائب المحترم محمد جاسم الصقر إلى هذه اللجنة.

ولم تكن هناك أي معضلة في التوفيق بين التزام الحكومة بحضور جلسات المجلس، وبين صحة انعقاد المجلس دون حضورها تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وإن ما جرى عليه العمل في الفصول التشريعية المتعاقبة من تأجيل اجتماعات المجلس لغياب الحكومة، قد أصبح عرفاً دستورياً، باعتبار أن المجلس سيد قراره في هذا التأجيل، وتجسيداً لمبدأ التعاون بين السلطتين، دون أن يصل الأمر إلى القول ببطلان انعقاد المجلس في غياب الحكومة، لأن العرف الدستوري لا يمكن أن يخالف أحكام المادة (97) من الدستور التي نصت صراحة على أنه يشترط لصحة انعقاد المجلس، حضور أكثر من نصف أعضائه.

وقد رأيت في هذا المقال إلقاء الضوء على أحكام المادتين (97) و(116) من الدستور، وفقا للمنهج الأصيل في تفسير نصوص الدستور، بدءاً بقاعدة في تفسير النصوص لا يجوز أن نحيد عنها هي:

«لا اجتهاد مع صراحة النص»

الخلاف المستمر حول تفسير المادة (116) من الدستور فيما تنص عليه من وجوب: «تمثيل الحكومة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها». وانقسام الرأي بين من اعتبر وجوب حضور الحكومة جلسات المجلس بهذا النص ليس سوى تنظيم لعدد الحاضرين من الوزراء، ولا يرتب على الحكومة التزاما بالحضور، ولا يترتب على غيابها بطلان الاجتماع، وبين من اعتبر هذا الحضور خطابا ملزما لكل من المجلس والحكومة، وقيدا على المادة (97) من الددستور فيما نصت عليه من أنه «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه...»، بما يؤدي إلى عدم صحة انعقاد المجلس في غياب تمثيل الحكومة ولو بوزير واحد ولو حضر الجلسة جميع أعضاء المجلس المنتخبين.

وكلا الرأيين لم يحالفه التوفيق في تفسير أحكام هاتين المادتين، فالرأي الأول خالف صريح نص المادة (116) من الدستور، الذي ألزم بوجوب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس، والوجوب يعني الأمر بهذا التمثيل، فهو تعبير صريح عن إرادة المشرع الدستوري، لا يحتمل تأويلا إلى غير ما قصده المشرع، وفقا للقاعدة المقررة في تفسير النصوص التشريعية، بأنه «لا اجتهاد مع صراحة النص».

أما الرأي الثاني، والذي التزم– بحق- بعبارة النص وما تعنيه كلمة «يجب» في تمثيل الحكومة في اجتماعات المجلس، فإنه لم يحالفه التوفيق أيضا، عندما اعتبر وجوب تمثيل الحكومة في جلسات المجلس قيداً على صحة انعقاد المجلس، فيبطل اجتماع المجلس في غياب الحكومة، ذلك أنه يكون بذلك قد خالف صريح أحكام المادة (97) من الدستور فيما نصت عليه من أنه «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة، حضور أكثر من نصف أعضائه...»، وذلك دون إشارة إلى المادة (116) من الدستور، بمراعاة أحكامها، أو عدم الإخلال بأحكامها، وهو ما توجبه أصول الصياغة التشريعية للنصوص في إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور، ولم تكن أصول هذه الصياغة غائبة عن المشرع الدستوري، وقواعده تسمو على كافة القوانين.

خلاصة ما تقدم

1- أن الحكومة تلتزم بحضور جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها، ولو بوزير واحد.

2- أن اجتماع مجلس الأمة صحيح بحضور أكثر من نصف أعضائه المنتخبين والمعينين.

3- أن غياب الحكومة عن الاجتماع لا يبطله.

التأجيل لغياب الحكومة عرف دستوري

وذلك انطلاقا من مبدأ التعاون بين السلطات الذي قرره الدستور، فيما نصت عليه المادة (50) من أنه «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وقفا لأحكام الدستور...»، ومؤدى ذلك أن فض اجتماع المجلس لغياب الحكومة صحيح أيضا انطلاقا من مبدأ التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يقترن مبدأ الفصل بين السلطات بتعاونها، إعمالا لأحكام المادة (50) من الدستور، فيما نصت عليه من أنه «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور...»، ويتجسد هذا التعاون في تمثيل الحكومة في اجتماعات المجلس التي ألزمتها بها المادة (116) من الدستور لسببين:

السبب الأول العرف الدستوري

فتأجيل اجتماعات المجلس لغياب الحكومة عرف دستوري استقر في جميع المجالس التشريعية المتعاقبة، بحكم ما تملكه الحكومة من معلومات لازمة وضرورية لممارسة السلطة التشريعية مسؤولياتها في التشريع أو الرقابة، وهو عرف دستوري مكمل لنصوص الدستور.

ويعتبر العرف الدستوري مصدراً من مصادر النظام الدستوري، سواء كان عرفاً مفسراً أو مكملاً لأحكام الدستور المكتوب، ومن الأمثلة التي تضرب في هذا السياق، أن الدستور الأميركي لم ينص على انتخاب الرئيس الأميركي بما لا يجاوز مدتين متصلتين، بل هو عرف مستقر.

والعرف هو مصدر من مصادر التشريع في الفقه الإسلامي، ويعبر عنه بالاستصحاب، وفي هذا السياق يقول الرسول عليه الصلاة والسلام «ما رآه الناس حسناً فهو عند الله حسن».

السبب الثاني

أن جوهر الحكم الديموقراطي أنه إذا كان للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، وتمثيل الحكومة في اجتماعات المجلس قد جاء في المادة (116) من الدستور تجسيدا لهذا المبدأ، فالوزراء غير المنتخبين يعتبرون أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم، إعمالا للمادة (80) من الدستور، وهم أقلية في المجلس، حيث لا يزيد عددهم جميعا على ثلث أعضاء المجلس، إعمالاً للمادة (56) من الدستور، والوزراء بحكم مسؤولياتهم واختصاصاتهم، وبما تملكه الأجهزة الإدارية والفنية المختلفة في الجهاز الإداري للدولة، من معلومات وبيانات وإحصائيات ودراسات، هم محور الدور التشريعي والدور الرقابي لمجلس الأمة.

وللحديث بقية عن المعطيات المختلفة التي بنينا عليها رأينا في صحة انعقاد المجلس دون حضور الحكومة من ناحية، وتداعيات غياب الحكومة عن جلسات المجلس باعتباره إخلالا بالتزامها المنصوص عليه في المادة (116) من الدستور من ناحية أخرى.

back to top