الولايات المتحدة أصبحت بين المطرقة والسندان في علاقتها مع باكستان

نشر في 27-10-2022
آخر تحديث 26-10-2022 | 19:39
 ذي دبلومات عادت التقلبات لتشوب العلاقات الصاخبة بين الولايات المتحدة وباكستان، ففي الشهر الماضي قدّمت واشنطن حزمة بقيمة 450 مليون دولار إلى باكستان لدعم وتحديث أسطول طائراتها المقاتلة «ف16»، لكن بعد مرور بضعة أسابيع، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن حقيقة مشاعره تجاه باكستان، فقال في خطاب ارتجالي في معظمه: «قد تكون باكستان من أخطر دول العالم، فأسلحتها النووية غير متماسكة»، وعادت إدارته وحاولت تخفيف وقع هذا التصريح، فأعلنت أنها تثق بقدرة باكستان على تأمين ترسانتها النووية.

بالنسبة إلى الهند، تشبه الظروف الراهنة سلسلة من الأحداث الماضية، ففي معظم فترات هذا القرن، حاولت الهند أن تفصل الولايات المتحدة عن شراكتها القائمة منذ الحرب الباردة مع باكستان، فطرحت نفسها كبديلة استراتيجية أكثر مصداقية، وكانت هذه الحملة الخارجية ترتكز على قيم مشتركة وقدرات الهند كقوة ديموقراطية قادرة على التصدي للصين.

لكن تبدو أحدث حزمة مساعدات من واشنطن إلى باكستان أشبه باعتراف ضمني بأن هذا الاصطفاف المستجد يبقى محدوداً، وفي المقام الأول، تريد الولايات المتحدة أن تبقي باكستان خارج المحور الصيني بأي ثمن، أو تُصَعّب العلاقة بين البلدين على الأقل.

في الأشهر والسنوات الأخيرة، حاولت الصين أن تستغل مشاكل الولايات المتحدة الاستراتيجية لبناء ممر مؤثر من باكستان إلى أفغانستان، ومنه إلى إيران والشرق الأوسط، وفي هذا السياق، تُعتبر باكستان بوابة مهمة نحو المحيط الهندي والشرق الأوسط في آن، وفي الأمم المتحدة، تابعت الصين دعم قضايا باكستان المتعلقة بكشمير ومسائل أخرى، وفي وقتٍ سابق من هذه السنة، جمع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، نظيرَيه من باكستان ونظام «طالبان» لدعم «مبادرة الحزام والطريق» الصينية في هذين البلدين.



لكن في ظل تعثر الاقتصاد الصيني بسبب سياسة «صفر إصابات» التي يطبّقها الرئيس شي جين بينغ لمكافحة فيروس كورونا، ومساعي إعادة الهيكلة الداخلية، والمشاحنات المستمرة مع الغرب (يتابع الاقتصاد الباكستاني في الوقت نفسه التخبّط بسبب تراكم الديون ومشاكل التغير المناخي)، تواجه هذه الشراكة اختباراً صعباً، في النصف الأول من هذه السنة، تراجع تمويل مشاريع «مبادرة الحزام والطريق» في باكستان بنسبة تصل إلى 56%، وفق وزارة التجارة الصينية.

تجد واشنطن اليوم فرصة استراتيجية مفيدة للتسلل وملء هذا الفراغ، وتزيد جاذبية هذه الفرصة لأن بايدن يتعامل أصلاً مع خلافات غير مسبوقة مع الهند.

في أوكرانيا، بقيت الهند مترددة في مواقفها، فتكلمت عن شراكتها الدفاعية التاريخية مع روسيا لتبرير هذا التردد، لكن حتى في المسائل المتعلقة بالصين، حيث تملك الهند دوافع كبرى للتصويت إلى جانب الولايات المتحدة من دون أن تخسر الكثير، فضّلت نيودلهي أن تبقى على الهامش، وفي مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في جنيف، هذا الشهر مثلاً، اقترحت الولايات المتحدة مسودة قرار لمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الصين في «شينجيانغ»، وامتنعت الهند عن التصويت، إلى جانب عدد من شركاء الصين في «مبادرة الحزام والطريق»، وسقط القرار في نهاية المطاف.

التزمت الهند الصمت أيضاً بشأن الاضطرابات المحيطة بتايوان، مع أن شي جين بينغ زاد المخاطر المطروحة عبر خطاباته وممارسات الترهيب في البحار، ونظراً إلى عجز الهند عن التصدي للصين أو عدم استعدادها لفعل ذلك في المسائل التي تحمل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، يواجه بايدن اليوم موقفاً صعباً، فهو مضطر للتواصل مع باكستان، ولو بدرجة محدودة، وقد لا تسترجع العلاقات الأميركية الباكستانية الذروة التي بلغتها خلال الحرب الباردة، لكن طالما تضطلع نيودلهي بدورٍ محدود كحليفة استراتيجية، قد تقتنع واشنطن بأنها مضطرة لإقامة توازن بين الهند وباكستان.

* محمد زيشان

back to top