«التجارية» تحيل سلطة «صلح المرور» إلى «الدستورية»

• المحكمة أكدت مخالفة المادة 41 من مرسوم القانون للمادتين 34 و50 من الدستور

نشر في 02-03-2023
آخر تحديث 01-03-2023 | 19:56
مبنى قصر العدل
مبنى قصر العدل
في حيثيات حكمها، أكدت الدائرة التجارية بالمحكمة الكلية، أن الإقرار غير القضائي الصادر من متهم أمام جهة التحقيق لا يجعل من إدانته حتماً مقضياً، إذ يتعين التحقق من توافر شرائط الأخذ به كدليل مقبول، أخصها تطابقه مع وقائع الدعوى الجزائية، وتجانسه مع أركان الفعل محل التأثيم.

في حكم قضائي بارز بشأن قضايا مطالبات شركات التأمين، قررت الدائرة التجارية المدنية الجزئية في المحكمة الكلية، برئاسة القاضي عبدالعزيز المشعل، إحالة المادة 41 من المرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1976 بشأن المرور، والمعدل بالقانون رقم 52 لسنة 2001، إلى المحكمة الدستورية، لتضمنها شبهة مخالفة المادتين 34 و50 من الدستور، بحدود ما تضمنته من إسناد ولاية قبول الصلح إلى الإدارة العامة للمرور دون القاضي المنوط به نظر جنح المرور.

الاتهام الجزائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الإنسان دوماً ولا يزيله

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن المادة 41 تتضمن شبهة مخالفة المادتين 34 و50 من الدستور، لكونها جعلت أمر تقرير الصلح بيد الإدارة العامة للتحقيقات، بدلا من المحاكم الخاصة بنظر قضايا المرور.

وأضافت أنه «نظرا لطبيعة الدعوى الدستورية العينية التي تستهدف التشريع المطعون عليه بعيب مناقضة الدستور دون سواه، واستقلالها بهذه المثابة عن الدعوى الموضوعية المعروضة وما قد يثار بشأنها من دفاع أو دفوع سوف تنفرد بتمحيصه هذه المحكمة لدى إعادة تداولها بعد عودتها من المحكمة الدستورية، لذلك تم حجز الدعوى للحكم في جلستها الافتتاحية».

شروط قبول الصلح

وأردفت المحكمة: نصت المادة 41 من المرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1976 بشأن المرور المعدل بالقانون رقم 52 لسنة 2001 على أنه «يجوز قبول الصلح من المتهم الذي يرتكب فعلا من الأفعال المنصوص عليها في المواد 33,33 مكررا، 34,35,36,37 من هذا القانون أو لائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له على الأسس التالية:

1- أن يدفع مبلغ ثلاثين دينارا في حالة مخالفة أحكام المادة 33.

2- أن يدفع مبلغ عشرين دينارا في حالة مخالفة أحكام المادة 34.

3- أن يدفع مبلغ خمسة عشر دينارا في حالة مخالفة أحكام المادة 35.

4- أن يدفع مبلغ عشرة دنانير في حالة مخالفة أحكام المادة 36.

5 - أن يدفع مبلغ خمسة دنانير في حالة مخالفة أحكام المادة 37.

6- في حالة مخالفة أحكام المادة 33 مكررا يتبع ما يلي:

أ- أن يدفع مبلغ خمسين دينارا في حالة تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء أو إجراء سباق للمركبات الآلية على الطرق بدون تصريح أو بالمخالفة للتصريح أو قيادة مركبة عكس السير بالطرق السريعة والدائرية.

ب- أن يدفع مبلغا لا يقل عن عشرين دينارا ولا يزيد على خمسين دينارا في حالة تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، وتحدد اللائحة التنفيذية قيمة مبلغ الصلح على ضوء التجاوز عن الحد الأقصى للسرعة المقررة.

ويكون السداد بالجهة التي تحددها الإدارة العامة للمرور خلال شهرين من تاريخ ارتكاب الفعل أو إعلان المتهم إذا كان تحرير المحضر قد تم في غيبته ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجزائية وكل آثارها.

ويجوز رفض الصلح إذا ارتكب المخالف أكثر من مخالفة جسيمة أو تعددت مخالفاته».

ولفتت إلى أن المقرر - في قضاء محكمة التمييز - أنه رسم طريقين لانقضاء الدعوى الجزائية، أما عن طريق السير في الدعوى الجزائية حتى الوصول إلى منتهاها بصدور حكم قضائي فيها من قبل المحكمة المختصة وأما عن طريق التصالح مع جهة الإدارة... فإن قبلت الإدارة الصلح معه وجب عليه دفع دينارين عن كل يوم تأخير وتنقضي بالتالي الدعوى الجزائية في حقه... استثناء يعد في حقيقته وسيلة من وسائل انقضاء الدعوى الجزائية ينحسر عنه اختصاص الدائرة الإدارية كما لا تختص به اية دائرة أخرى بالمحكمة مما تقضي معه المحكمة والحال كذلك بعدم اختصاصها ولائيا بنظره.

محاكمة منصفة

وبينت المحكمة أنه من المقرر - في قضاء المحكمة الدستورية - أن الدستور كفل الحق في المحاكمة المنصفة بما نص عليه في المادة 34 من أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، وأن ضوابط المحاكمة المنصفة تتمثل في مجموعة من القواعد التي تشتمل على مبادئ تعكس بفحواها نظاماً متكاملاً مترابطاً يتوخى بالأسس التي يقوم عليها صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، مشمولة بضمانات تحول دون تجريد العقوبة من مقاصدها أو الخروج بها عن أهدافها، وهذه القواعد وإن كانت إجرائية بحسب الأصل إلا أن تطبيقها في مجال الدعوى الجزائية إنما يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أساسية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، والتي حرص الدستور على التأكيد عليها وأقرتها الشرائع والمواثيق الدولية، وأن الاتهام الجزائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الإنسان دوماً ولا يزيله، وأنه لا سبيل لدحض أصل البراءة إلا بقضاء جازم لا رجعة فيه ينقض هذا الافتراض على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة، المثبتة لارتكاب الجريمة التي نسبتها إليه وقيام كل ركن من أركانها، بما في: ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان أمراً متطلباً فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة التي فطر الإنسان عليها باعتباره من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، وتقتضيها الشرعية الإجرائية التي لا فكاك عن وجوب التقيد بها ويتطلبها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي: كفلها في المادة 30 منه... وأن الاختصاص المقرر دستورياً للمشرع بالنسبة لإنشاء الجرائم وتقرير عقوبتها لا يخوله - إعمالاً لمبدأ فصل السلطات المقرر بالمادة 50 من الدستور - فرض قرائن قانونية تنفصل عن واقعتها بما من شأنه تنحية السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم من دورها الأساسي ووظيفتها الأصلية في تحقيق الدعوى الجزائية وتقدير أدلتها تقصيا لحقيقة الاتهام الجزائي وتكوين عقيدتها من جميع الأدلة التي تطرح عليها، وهو حق أصيل لها لا سلطان لسواها عليه مما لا يجوز لأية جهة أن تفرض عليها مفهوماً محدداً بدليل بعينه.

الاختصاص المقرر دستورياً للمشرع بالنسبة لإنشاء الجرائم وتقرير عقوبتها لا يخوله فرض قرائن قانونية تنفصل عن واقعتها

واقعة غير ثابتة

وقالت المحكمة إن النص في المادة 41 من المرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1976 بشأن المرور المعدل بالقانون رقم 52 لسنة 2001 قد استنبط واقعة غير ثابتة تصورت في ارتكاب المتهم أحد الأفعال المنصوص عليها في المواد 33,33 مكررا، 34,35,36,37 من القانون المذكور أو لائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له من واقعة ثابتة تمثلت في تقدمه بطلب الصلح وإقراره بارتكاب أحد تلك الأفعال المؤثمة جزائياً، قاصراً أمر قبول طلبه على تقدير الإدارة العامة للمرور، مرتباً على صدور قرارها بشأنه القضاء الدعوى الجزائية وكافة آثارها، وحاصل ما سبق أن المشرع قد أنزل قرار قبول الصلح الصادر من الإدارة العامة للمرور رداً على الطلب المقدم من المتهم منزلة الحكم الجزائي البات بالإدانة، أخذاً من الصياغة التشريعية للنص الطعين الذي جاء فاصلاً في مسألة أولية - سابقة على قرار جهة الإدارة بقبول طلب الصلح - تمثلت في القطع بثبوت ارتكاب المتهم لأحد الأفعال المؤثمة في المواد 33. 33 مكررا، 24,35,36,37 من القانون المذكور أو لائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له، الأمر الذي يترتب عليه لزوم تقيد القاضي المدني بذلك القرار فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها، شأنه في ذلك شأن حجية الحكم الجزائي الفاصل في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية، نزولاً على فرض قرينة الإدانة الجزائية التي استنبطها المشرع ورتب عليها سن النص الطعين، وغني عن البيان أن قرار الإدارة العامة للمرور بقبول الصلح مع المتهم يحظى بالحصانة المانعة من إعادة المجادلة فيه بمجرد صدوره ركونا على أثره القاضي على الدعوى الجزائية التي لا يستساغ قانوناً العودة إليها بعد انقضائها، إذ الساقط لا يعود.

إيلام مقصود

وبينت المحكمة أن الإقرار غير القضائي الصادر من المتهم أمام جهة التحقيق لا يجعل من الإدانة حتماً مقضياً، إذ يتعين التحقق من توافر شرائط الأخذ به كدليل مقبول، أخصها تطابقه مع وقائع الدعوى الجزائية، وتجانسه مع أركان الفعل محل التأثيم فيها بفرض تعامدها، وانبثاقه عن إرادة حرة واعية، وهذا التثبت ليس له أن يكون منتجاً في تحقيق وزر الإدانة ولو ضمناً وجوازاً إلا إذا تم بمعرفة من أولاه المشرع ولاية الفصل في المنازعات القضائية، وجعل من ترجيح عقيدته عنوانا للحقيقة، وميزاناً للإنصاف، وإلا كان أثره منعدماً لصدوره ممن لا يملك ولاية القضاء.

back to top