الكتاب التجاري في التعليم العالي

نشر في 24-02-2023
آخر تحديث 23-02-2023 | 18:49
 د. فيصل ملفي المطيري

اقتحم النائب الفاضل حمد المطر مجتمع الممارسة الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي وأخجل الشرفاء في هذا المجتمع الذي يفترض أن يكون محصناً ذاتياً من خلال ممارساته الأخلاقية، وأمانته المهنية، ورسالته الإنسانية، حيث لم يجرؤ أحد في اللجان التعليمية السابقة في مجلس الأمة على إثارة قضية الكتاب التجاري في التعليم العالي بالرغم من فجورها وخطورتها وأثرها المباشر على جودة التعليم ومخرجاته، لأن الجناة ينتمون إلى الهيئة التدريسية، والذين هم أنفسهم يمارسون أبشع أنواع الاستغلال المعيب لدوافع الطلاب الملحة التي تقف وراء تحصيلهم العلمي وتفوقهم وأحلامهم، هذه القضية باتت تهدد بشكل مخيف مستقبل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لأنها ترسخ ثقافة الاستغلال والجشع.

تباع تلك الكتب التجارية في تلك المؤسسات بأسعار تتراوح بين 20 و30 ديناراً وتزيد مع خدمات التوصيل والتغليف، حيث يشترط أن يكون الكتاب جديدا حتى يضمن الطالب الدرجة النهائية في الاختبار، ومن لا يشتريه فهو راسب لا محالة بالرغم من امتلاكه المصدر والنسخة أنفسهما لكنها مستعملة، وأحيانا يجب على الطلاب شراء أكثر من كتاب للمقرر الواحد ليصل مجموعها إلى 60 دينارا تقريبا، والذي يشتري المجموعة كاملة فقط هو من يحصل على الامتياز، هو سوق مظلم تنحدر فيه القيم واحترام الذوات، أو حرب باردة تشمل شتى أنواع مناورات الشد والجذب، هي حرب بالوكالة تدمر وتشغل الأقسام العلمية واللجان الفنية ومكاتب التسجيل عن تأدية مهامها، والغلبة لمن يستمد قوته من رضا أصحاب مناصب النفوذ الذين يسهلون لهم جمع العدد الأكبر من الشعب والطلاب، هي ظاهرة شكلت أقبح أنماط السلوك البشري في مؤسسات التعليم العالي التي تسيء لكل أكاديمي ومسؤول يتربع خلف مكتبه في أي حرم جامعي أو كلية أو قسم علمي.

منعت نفسي وكظمت غيظي مرارا وتكرارا لسنوات طويلة من الخوض في هذه القضية عبر مقالاتي السابقة، ليس خوفاً، حاشا لله، فمن ذا الذي يهاب من يباشر الأمور على خلاف الشرع والمروءة، وليس أيضاً احتراماً لهم كزملاء، فأي نوع من الزملاء هؤلاء الذين لا يتقنون سوى استغلال حاجات طلابهم الضعفاء والعياذ بالله، بل أملاً في العدول والرجوع طوعاً، أو الخضوع قسراً عبر قوة القانون، فلا ذاك تم ولا هذا لاح، فلم أقرر الكتابة إلا حين أثارتني شجاعة د.حمد المطر كزميل، وجرأته كسياسي في تصريحه الرسمي الذي أشار فيه الى الدونية التي تستدعي مدرس المقرر لاستخدام تلك الأساليب والتكتيكات التجارية الفجة لتجبر الطلاب على شراء كتابه ذي الثمن الباهظ والمحتوى الضحل لينتهك إعانتهم الاجتماعية المتواضعة في الوقت الذي يصارع فيه المطر لزيادتها.

وفي النهاية لا يسعني إلا دعوة المجتمع الأكاديمي إلى نبذ تلك الممارسات علناً، وعزل هؤلاء الدخلاء الذين أساؤوا لأرقى مهمة حضارية تسعى إلى بناء المعرفة الإنسانية والتنمية الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والوطنية.

back to top