البرلمان اللبناني وانتخاب الرئيس

نشر في 15-02-2023
آخر تحديث 14-02-2023 | 18:22
 جيمس زغبي

قبل أسابيع عدة، كتبت مقالاً أوجزت فيه مقترحاً راديكالياً طرحته أنا ورالف نادر للمناقشة، ودعا المقترح المجتمع المدني اللبناني إلى تقديم التماس للأمم المتحدة لإعلان لبنان بموجب الفصل السابع «دولة فاشلة» تستلزم تدخلاً دولياً.

ورأى البعض أن الفكرة تستحق الدراسة، لكنهم اعتقدوا أن مجلس الأمن لن يقرها أبداً، لكن الهدف من المقترح لم يكن طرح أمر واقع، بل استثارة ذاك النوع تحديداً من المناقشة الذي حدث بعد طرح الفكرة. والواضح أن لبنان محطم، وشعبه يعاني، ومؤسساته الحاكمة معطلة، وقيادته التقليدية عاجزة عن مواجهة تحديات البلاد، والدليل على هذا الخلل هو فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وفي مواجهة هذا الشلل، اتخذ بعض أعضاء مجلس النواب اللبناني المنتخبين حديثاً خطوة شجاعة ومهمة في أسبوعهم الرابع من اعتصامهم الاحتجاجي في مبنى البرلمان في بيروت، ودعا المحتجون، بقيادة نجاة صليبا وملحم خلف، وهما من مجموعة «قوى التغيير» المستقلة من المنتخبين حديثاً، زملاءهم للاجتماع والوفاء بمسؤولياتهم لانتخاب رئيس حتى يمكن على الأقل تشكيل حكومة فاعلة.

ومن المهم الاعتراف بأن تعيين رئيس ووزراء هو في أحسن الأحوال إصلاح قصير الأمد لن يحل الأزمات المتعددة الطبقات في لبنان، فهذه التطورات تسلط الضوء على فوضى شديدة خلقتها الجماعات الطائفية المسيطرة على مجلس النواب، فمن خلال التركيز على قوائم الأولويات الصغيرة بدلاً من المصالح الوطنية، قادت هذه النخب الطائفية القوية البلاد إلى الخراب، وفي رسالة تطالب بحشد الدعم، سرد النائبان صليبا وخلف بعض الصعوبات التي لم تتم معالجتها ويواجهها اللبنانيون، ولا سيما تلك الناجمة عن الانهيار الاقتصادي في البلاد.

ونظراً للتقلص المستمر لقيمة العملة اللبنانية، انخفض متوسط الدخل الشهري للفرد في لبنان من 450 دولاراً إلى 10 دولارات، ومن ثم، يعيش نحو 75 في المئة من السكان في فقر، وثلاثمئة ألف طفل من دون مدارس، والمرضى الذين يعانون أمراضاً خطيرة لا يحصلون على رعاية طبية أو عقاقير أساسية. والأكثر ألماً، حسبما كتبوا أن «الكوليرا تنتشر و90 في المئة من إمدادات المياه ملوثة، وأكثر من مليون أسرة لا تستطيع تحمل كلفة الوقود». هذا الكابوس هو واقع البلد الذي كان يباهي بعاصمته ذات يوم بأنها «باريس الشرق الأوسط».

في مواجهة هذه الكارثة والفراغ في الحكم، اجتمع مجلس النواب اللبناني 11 مرة منذ أكتوبر ولم يستطع القيام بواجبه الدستوري الأساسي في انتخاب رئيس، وتعامل بعض أعضاء البرلمان مع مسؤوليتهم بجدية واختلفوا ببساطة على المرشح المناسب لدعمه، وبعضهم الآخر كان يعرقل العملية وكفى، مفضلين حالة الشلل على انتخاب رئيس لن يحمي سيطرة جماعتهم الحزبية الفاسدة على الوزارات والميزانيات.

وقد أدى هذا التقاعس والعرقلة إلى بقاء البلاد من دون رئيس أو مجلس وزراء لنحو أربعة أشهر، وعدم وجود وزارات لتنفيذ السياسات، والبرلمان غير قادر على إقرار القوانين، وليس هناك سلطة تتفاوض مع المؤسسات الدولية للحصول على قروض أو منح لتمويل الإيرادات والخدمات المطلوبة، وأعضاء مجلس النواب لا يستطيعون سن إصلاحات لحماية الحقوق الأساسية، أو معالجة عدم المساواة في الدخل، أو ضمان المساءلة عن الجرائم ضد اللبنانيين، أو تحدي الفساد المتفشي في قلب المعضلة اللبنانية، ولن يحل رئيس جديد أزمة لبنان، فمشكلة لبنان أعمق بكثير من أن يعالجها وجه جديد على رأس القيادة، لكن تشكيل حكومة قد يساهم في تخفيف المصاعب التي يواجهها الشعب اللبناني الذي طال أمد معاناته.

ويكشف هذا العمل الاحتجاجي أيضاً عن حالة الخلل الوظيفي للنظام السياسي، ويعزز قوة الإصلاحيين المستقلين المنتخبين حديثاً الذين يجب أن تزداد أعدادهم إذا كان للبنان أن يتغير.

وأخيراً، يتعين إجراء تحولات كبيرة أخرى لإنهاء التأثير المدمر للطائفية والفساد، لكن هذا التحرك المباشر من مجموعة من الإصلاحيين يمثل خطوة أولى على الطريق الطويل المؤدي للتقدم.

* رئيس المعهد الأميركي العربي في واشنطن.

back to top