أقوى زلزال في تركيا منذ 84 عاماً يخلِّف دماراً ودماء

• 120 هزة ارتدادية وانهيار أكثر من ألفي مبنى... وحصيلة أولية تشير إلى مقتل وإصابة الآلاف
• تعطيل المدارس أسبوعاً وإغلاق مطارات وموانئ... وأنقرة تطلب المساعدة الدولية والعالم يتضامن
• سوريو الشمال يستيقظون على كارثة «أصعب من القذائف»... والأحوال الجوية تعرقل الإنقاذ

نشر في 07-02-2023
آخر تحديث 06-02-2023 | 21:18
استيقظت تركيا أمس على كارثة بعد أن ضرب زلزال هو الأقوى منذ 84 عاماً مناطق شاسعة في جنوب تركيا، وامتدت ارتداداته إلى سورية المجاورة ولبنان والعراق وقبرص واليونان وأرمينيا. وأدى الزلزال، الذي باغت الناس وهم نائمون، إلى انهيار أكثر من ألفي مبنى في تركيا مخلِّفاً آلاف القتلى والجرحى.
وسط أحوال جوية عاصفة، ضرب زلزال بلغت قوته 7.9 درجات جنوب تركيا في ساعة مبكرة من صباح أمس، وصلت توابعه إلى سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر واليونان وقبرص وأرمينيا ونيوزيلندا، مخلّفاً آلاف القتلى والجرحى، ومئات المحاصرين تحت أنقاض المباني المنهارة.

ودمر الزلزال، الذي استمر نحو دقيقة، أجزاء كبيرة من إقليم كهرمان مرعش وسط وجنوب تركيا خلال الليل، وتلاه زلزال قوي آخر بقوة 7.7 درجات في المنطقة ذاتها صباح أمس.

وفي حين أعلنت السلطات التركية درجة الإنذار الرابعة، التي تعني طلب مساعدة دولية، أفادت إدارة الطوارئ الكوارث (آفاد) بارتفاع عدد القتلى إلى 1121، والجرحى إلى أكثر من 8 آلاف في انهيار 2824 مبنى، مشيرة إلى أنها سجلت 120 هزة ارتدادية أكبرها على الإطلاق بقوة 7.5 درجات في مركز قضاء ألبيستان على بعد 95 كلم من الزلزال الأصلي، وأبرزها قهرمان مرعش وأضنة وعثمانية وهطاي وغازي عنتاب وملاطية أديما.

وحذّرت إدارة الطوارئ من وجود نشاط زلزالي خطير في قهرمان مرعش وهزات ارتدادية ستستمر لتصل قوتها إلى ما بين 6.5 و6.7 درجات، ودعت إلى الابتعاد عن الأبنية المتضررة والتجمعات في المنطقة لاستمرار وقوع الهزات. وطمأنت الإدارة بعدم وجود خطر من موجات تسونامي في سواحل تركيا، لكنها نبهت إلى إمكانية تعرض الدول المجاورة لخطر موجات مد عملاقة.

ووفق المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض فإن الزلزال وقع على عمق 10 كلم مقابل مدينة كهرمان مرعش بجنوب تركيا، بينما قال المركز الأوروبي المتوسطي للرصد، إنه يجري تقييم احتمال حدوث موجات مد عملاقة «تسونامي».

وخلال زيارته لمركز تنسيق إدارة الكوارث بأنقرة، وصف الرئيس رجب طيب إردوغان الزلزال المدمر بأنه أكبر كارثة تشهدها تركيا منذ عام 1939، مؤكداً تدمير 2818 مبنى ومقتل 912 وإصابة 5385 والعدد في تزايد.

وقال إردوغان: «دولتنا حركت كل مؤسساتها على الفور منذ لحظة وقوع الزلزال، واستنفرت كل إمكانياتها، وحشدت 9 آلاف من عناصر البحث والإنقاذ»، لافتاً إلى أن تركيا تلقت عروضاً للمساعدة من 45 دولة إلى جانب حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي.

ممر جوي ونفطي

وأطلقت القوات المسلحة التركية «ممر المساعدة الجوية» لنقل رجال البحث والإنقاذ إلى منطقة الزلزال، وبدأت الطائرات التابعة له بنقل الفرق ومعداتهم إلى الأماكن المنكوبة وإسعاف المنكوبين.

وقبيل توجهه لمنطقة الزلزال، تفقد وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس الأركان يشار غولر وقائد القوات البرية موسى آفسافار، سير العمل في قاعدة النقل الجوي في أنقرة، وأعطى التعليمات اللازمة لكتيبة البحث والإنقاذ التابعة، وشكل خلية أزمة لتقديم المساعدات اللازمة وتحديد الخسائر والأضرار.

وأوقفت شركة «بوتاش» الحكومية، التي تتولى إدارة وتشغيل خطوط أنابيب النفط الخاصة، تدفقات النفط الخام من العراق وأذربيجان إلى محطة «جيهان» للتصدير الواقعة على ساحل البحر المتوسط، كإجراء احترازي، كما تضرر ميناء إسكندرون وتم تعليق العمل بمطارات أضنة وغازي عنتاب وهاتاي أمام الرحلات الجوية حتى إشعار آخر. وأعلن وزير التعليم وقف الدراسة حتى 13 الجاري على الأقل.

تضامن عالمي

وفي حين قدم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد تعازيه لإردوغان ومواساته في ضحايا الزلزال، مؤكدا وقوفه إلى جانبه، أعلنت الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وعمان والعراق ولبنان ومصر والأردن وفلسطين وعمان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وباكستان، تضامنها مع تركيا واستعدادها لتقديم المساعدة العاجلة لشعبها المنكوب.

وإذ أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن توجيهات من الرئيس جو بايدن لتقديم «كل المساعدة اللازمة» لتركيا، وصف وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، الزلزال بأنه «خسارة مأساوية»، معلناً إرسال دعم فوري إلى تركيا يشمل فريقاً من 76 متخصصاً في البحث والإنقاذ بمعداتهم.



وبعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برقية تعزية إلى أردوغان، أكد فيه استعداده لتقديم المساعدة اللازمة، وإرسال فريق بحث وإنقاذ من 100 عنصر لمواجهة آثار الزلزال.

وقرر رئيس وزراء الهند ناريندرا إرسال فريقين من القوة الوطنية للاستجابة للكوارث يتألّفان من 100 شخص وكلاب إنقاذ ومعدّات، وفرق أطباء مع الإسعافات الأولية اللازمة، معرباً عن «قلقه» و«حزنه للغاية» لفقدان الأرواح في تركيا.

وأعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، خلال اتصال بالرئيس التركي ووزير الخارجية مولود جاويش اوغلو، تضامنه الكامل مع تركيا، وحشد «الحلفاء والدعم لمساعدتها».

وأفادت المفوضية الأوروبية بأنه «تم بسرعة نشر 10 فرق للبحث والإنقاذ بالمدن من بلغاريا وكرواتيا والتشيك وفرنسا واليونان والمجر ومالطا وهولندا وبولندا ورومانيا لدعم المسؤولين الأتراك على الأرض».

وعرضت إيطاليا وإسبانيا وسلوفاكيا إرسال فرق إنقاذ على تركيا. وبعثت قيادات السويد وأذربيجان وكازاخستان وأوكرانيا برقيات تعزية في ضحايا الزلزال، مؤكدة «الوقوف إلى جانب الشعب التركي في هذا الوقت العصيب».

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه بلاده مستعدة لتقديم المساعدة لضحايا الزلزال في تركيا وسورية أيضاً، في مبادرة نادرة حيال دولة عربية تناصبها إسرائيل العداء.

أقوى من القذائف

وفي سورية، خيّمت مشاعر من العجز والألم والفقد والتيه على آلاف العائلات في مناطق تخضع لسيطرة حكومة دمشق وأخرى للمعارضة المسلحة بشمال غربي سورية، بعد تضررها جراء زلزال عنيف، مركزه ولاية هاتاي التركية المجاورة، أدى إلى مقتل أكثر من 780 شخصا وجرح نحو 2280 وتشريد الآلاف في ظل أحوال جوية صعبة عرقلت جهود الإنقاذ التي تتم بإمكانيات محدودة وتستند إلى قطاع طبي متهالك.

وفي وقت يسابق عمال إغاثة ومسعفون الزمن لإنقاذ المئات من العالقين تحت أنقاض العشرات من المباني المنهارة جراء الزلزال الذي ضرب فجر أمس، سجّلت وزارة الصحة السورية 460 قتيلا و1150 مصابا، في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، بينما أحصت «الخوذ البيضاء»، الدفاع المدني العامل في مناطق سيطرة الفصائل الجهادية والمعارضة، بأدلب، 320 قتيلاً وإصابة أكثر من 1130.

ووسط تحذير من رصد نشاط زلزالي خطير بالمنطقة تسببت هزة ارتدادية، قوتها 7.5 على مقياس رختار، في تهدم بناية وسط اللاذقية، ونشرت حالة من الرعب لدى سكان المناطق السورية المنكوبة صباح أمس.

وفي وقت يتوقع أن ترتفع أعداد الضحايا بشكل كبير مع تواصل عمليات الانقاذ وانتشال الضحايا، أعلن الدفاع المدني منطقة شمال سورية منكوبة نتيجة للوضع الكارثي الذي سببه الزلزال في عدة مدن منها الباب وسرمدا وعفرين وإعزاز وسلقين ومناطق أخرى.

وأفادت تقارير بوفاة شقيقة رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس، مع 9 من أبنائها وأحفادها تحت أنقاض بناء انهار في حي الأربعين في مدينة حماة بسبب الزلزال المدمر، بينما تحدث ناجون عن مشاهد مروعة جراء انهيار المنازل واندفاع السكان إلى الشوارع.

وفي مدينة حلب، التي صدّعت سنوات الحرب مئات الأبنية فيها، وصف رجل نجا هو وأسرته بعد فراره من منزله المشهد في الشوارع بأنه كان أشبه بـ «يوم القيامة» بعد أن «بدأ الناس بالسجود على الأرض والصلاة والبكاء»، مشددا على أنه «لم يشعر بهذا الإحساس طوال سنوات الحرب، كان الوضع أصعب بكثير من القذائف والرصاص». في غضون ذلك، عقد الرئيس السوري بشار الأسد اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء، لبحث تداعيات الزلزال، تمخض عن تشكيل غرفة عمليات لتحديد المناطق الأكثر تضررا وفرق عمل ميدانية. وطالبت السلطات السورية الأهالي والشركات التي تملك آليات ثقيلة المساهمة في عمليات الانقاذ. وقررت إيقاف مصفاة بانياس النفطية 48 ساعة لمعالجة أضرار لحقت بها جراء الزلزال. في هذه الأثناء، قدم كل من سلطان عمان، هيثم بن طارق، ورئيس الإمارات، محمد بن زايد، والعاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين تعازيهم للرئيس السوري في ضحايا الزلزال.

وذكرت رئاسة الجمهورية السورية، أن بن زايد أكد خلال اتصال هاتفي مع الأسد وقوف وتضامن الإمارات قيادة وشعباً مع سورية، مشيراً إلى أن بلاده على استعداد لمساعدة الشعب السوري على تجاوز آثار الكارثة. وأعرب كل من العاهل الأردني وسلطان عمان عن تضامنهما مع سورية عبر برقية للأسد.

كما عبّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في برقيتين منفصلتين للأسد، عن استعدادهما لمساعدة دمشق في تجاوز آثار الكارثة.

أضرار في مواقع أثرية بتركيا وسورية

شملت الأضرار الناتجة عن الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وسورية مواقع أثرية عدة في البلدين. وفي تركيا، تعرضت قلعة غازي عنتاب، وهي موقع تاريخي وجذب سياحي في جنوب شرق البلاد، لأضرار جزئية، كما انهارت أجزاء من القبة والجدار الشرقي لمسجد شيرفاني التاريخي، الذي يقع بجوار القلعة، ويقال إنه بني في القرن السابع عشر.

وفي سورية، سقطت أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل قلعة حلب، وحدثت تشققات وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية، وسقطت كذلك أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي داخل القلعة، التي تضررت مداخلها، وسقطت أجزاء من حجارتها، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، حسب مديرية الآثار السورية. وفي محافظة حماة، تضررت بعض المباني داخل قلعة المرقب الأثرية في مدينة بانياس، وسقطت أجزاء من حجارة الجدران وكتلة من برج دائري، وكذلك سقطت واجهات تاريخية في مدينة حماة، وسقط جرف صخري في محيط قلعة قدموس بمحافظة طرطوس، وانهارت مبان سكنية في حرم القلعة، وانهارت كنيسة أثرية في قرية كالوتة بناحية شيراوا قرب عفرين.

الأرض تهتز من لبنان إلى غرينلاند!

ضربت هزة بقوة 4.8 درجات على مقياس ريختر لبنان فجرا، وامتدت لأكثر من 40 ثانية، وقد أدت إلى حدوث حرائق وبعض الأضرار المادية وحالات هلع بين المواطنين، خصوصا في المناطق الساحلية الشمالية دون تسجيل أي قتلى، وبعد الظهر ضربت هزة ارتدادية لثوان قليلة، وأعلن البلاد إغلاق المدارس والجامعات اليوم وغدا. وشعر سكان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وخصوصا على الساحل، بهزة خفيفة فجراً، كما شعر سكان في بغداد والموصل ودهوك وأربيل بهزة أرضية خفيفة بعد الظهر، ناتجة عن الهزة الارتدادية التي ضربت تركيا بقوة 7.6 درجات. وفي مصر، أعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية وقوع هزة أرضية بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر شمال مدينة رفح بسيناء، دون تسجيل خسائر في الأرواح والممتلكات، وسجل المعهد أكثر من 7 هزات ارتدادية جميعها أكبر من 6 درجات على مقياس ريختر، من توابع الزلزال الرئيسي الذي ضرب تركيا. ووصلت تأثيرات الهزة إلى أقصى شمال القارة الأوروبية، حيث شعر سكان في مناطق بعيدة، مثل غرينلاند، بالهزات الناجمة عن زلزال تركيا، وقالت عالمة الزلازل تيني لارسن إن «أجهزة قياس الزلازل في الدنمارك وغرينلاند رصدت الهزات الكبيرة، التي ضربت تركيا، بوضوح».

back to top