«التمييز» تلغي السوابق القضائية بحق مواطن من سجلات «الداخلية» و«العدل»

• المحكمة أكدت في حكمها أن بقاء اسمه يمثل سيفاً مصلتاً على حياته الخاصة

نشر في 02-02-2023
آخر تحديث 01-02-2023 | 19:39
قصر العدل
قصر العدل

في حكم قضائي بارز، قضت محكمة التمييز المدنية، برئاسة المستشار د. عبيد العجمي، بتأييد حكم «الدرجة الأولى» بإلزام وزارتي الداخلية والعدل بإلغاء كل السوابق القضائية من أجهزتهما بحق أحد المواطنين، لصدور أحكام نهائية بتبرئته من جميع السوابق.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن المقرر قانونا أن الحرية الشخصية حق طبيعي من حقوق الإنسان الواردة في المادتين 30 و31 من الدستور، واعتبارها أساسا للحريات العامة الأخرى وحقا أصيلا للإنسان، وتندرج تحتها تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها، ومن بينها حق الفرد في صون كرامته والحفاظ على خصوصياته التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها بعدم امتهانها وانتهاك أسراره فيها، إعمالا لحقه في احترام مناطق خصوصيته.

وترجع وقائع القضية إلى أن المواطن أقام دعوى ضد وكيلي وزارتي الداخلية والعدل بصفتهما، بطلب محو وإزالة وشطب بيانات الأحكام الصادرة بحقه في القضايا الجزائية، والمقيدة بأجهزة الوزارتين، وقال شرحا لدعواه إنه كويتي الجنسية، ومتطوع في وزارة الداخلية، وسبق اتهامه بالقضيتين المذكورتين، وصدر في الأولى حكم ببراءته، وتأيد استئنافيا، وصدر قرار بحفظ الثانية، وحكم البراءة وقرار الحفظ لا يعدان من السوابق القضائية، وتبين له أن بياناتهما مازالت ثابتة وظاهرة على أنظمة وأجهزة «الداخلية» و«العدل»، مما تسبب له في أضرار بالغة.

القرار السلبي

وأضافت «التمييز» أن المقرر في قضائها أن لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل وفهم الواقع في الدعوى، وتقدير ما يقدم إليها من أدلة وبيانات ومستندات واستخلاص ما تراه متفقا مع واقع الدعوى، وأن التعرف على حقيقة طلبات الخصوم هو من شأن محكمة الموضوع، وعليها أن تنزل عليها وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم على تلك الطلبات، بغير معقب عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغا له أصله الثابت في الأوراق، دون خروج عن طلبات الخصوم، أو استحداث طلبات جديدة لم تعرض عليها.

انتهت إلى عدم جواز الاحتفاظ بالبيانات لتعارضها مع حق الخصوصية

وبينت أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى الإلغاء دعوى عينية توجه بالأساس إلى القرار الإداري، فإذا انتفى وجود القرار انتفى مناط قبول الدعوى، وأن القرار السلبي يتحدد قوامه ومعناه بما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 4 من المرسوم بالقانون رقم 20/1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية والمعدل بالقانون رقم 11/1982 من أنه يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو اقتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح، ومؤدى ذلك أن القرار السلبي بالامتناع يتمثل في امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار كان من الواجب عليها إصداره وفقاً للقوانين واللوائح، بأن يكون ثمة نص قانون أو لائحة يلزمها باتخاذ القرار، ومع ذلك تمتنع أو ترفض إصداره في هذه الحالة يعتبر المشرع أن هذا الامتناع أو الرفض من جانب جهة الإدارة في حكم القرار السلبي، ويجوز للأفراد مخاصمته بدعوى الإلغاء، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، ولم يكن ثمة نص قانون أو لائحة يلزم جهة الإدارة بالتدخل وإصدار القرار فإن امتناعها لا يشكل قرارا سلبيا مما يجوز الطعن عليه إلغاء وتعويضا.

الحرية الشخصية

وتابعت المحكمة: «لما كان ذلك وكانت طلبات المطعون ضده في دعواه هي شطب ومحو وإزالة جميع البيانات المتعلقة بالقضايا سالفة الذكر من أنظمة وأجهزة الحاسب الآلي للجهات التابعة للطاعنين بصفتيهما، فإن موضوع الدعوى من المسائل التي تدخل في اختصاص هذه الدائرة، وبهذا التكييف تكون الدعوى الماثلة بمنأى عن اختصاص المحكمة الإدارية، وبذلك يضحى الدفع بعدم اختصاص محكمة الموضوع نوعيا بنظر الدعوى على غير سند من القانون والواقع جديرا بالرفض».

وأفادت بأن المقرر قانونا أن الحرية الشخصية حق طبيعي من حقوق الإنسان الواردة في المادتين 30 و31 من الدستور، واعتبارها أساسا للحريات العامة الأخرى وحقا أصيلا للإنسان، ويندرج تحتها تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها، ومن بينها حق الفرد في صون كرامته والحفاظ على خصوصياته التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها بعدم امتهانها وانتهاك أسراره فيها إعمالا لحقه في احترام مناطق خصوصيته، ذلك أن ثمة مناطق وجوانب خاصة بالفرد تمثل اغوارا لا يصح النفاذ إليها، وينبغي دوما ألا يقتحمها أحد ضمانا لسريتها وصونا لحرمتها، فكل ما يتعلق بخصوصية الفرد جزء من كيانه، ولا يجوز لأحد أن يناله أو يطلع عليه إلا بإذنه الصريح.

واضافت أن المقرر قانونا أيضا أن الدستور الكويتي كفل حق المواطن في حريته الشخصية في المادة 30 منه، بما يقتضيه ذلك من صون كرامته والحفاظ على معطيات الحياة التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها بعدم امتهانها وانتهاك أسراره فيها، إعمالا لحقه في احترام حياته الخاصة، بما يقف معه الحق في الخصوصية قلعة يحتمي فيها الفرد ضد تعكير صفو حياته الخاصة، ومرد ذلك أن كل ما يتعلق بالحياة الخاصة للإنسان هو جزء من كيانه المعنوي، فلا يجوز لأحد أن يناله أو ينشر عنه شيئا إلا بإذنه الصريح أو وفقاً للقانون، ... فلكل شخص الحق في أن يحجب أسراره عن أعين الناس حتى لا يصبح مضغة في أفواههم وحديثاً من أحاديثهم في مجالسهم الخاصة والعامة، بل ذهب الفقه والقضاء المقارن إلى أن الحق في الخصوصية لا يخص حياة الشخص وحده فقط، وإنما يخص أسرته التي تتأثر بلا ريب في كشف سره... فلا غرابة ان كان المشرع الدستوري بحرصه على الحفاظ وصون الحرية الشخصية بمقوماتها قد رفع الحق في الخصوصية إلى مصاف الحقوق الدستورية باعتباره من الحقوق اللازمة لصفة الإنسان. وحيث إن حرية الإنسان وأصل براءته وحسن نيته ومعصوميته المادية والمعنوية كل ذلك جوهر كرامته التي لا يجوز العبث بها أو امتهانها بأي حال من الأحوال.

بقاء اسمه بالسجلات يجعله في مركز أسوأ مما إذا كان مداناً فله حق رد اعتباره

كشف الأسرار

ولفتت المحكمة إلى أن المطعون ضده تم اتهامه بالقضايا الجزائية، وتحصل على أحكام بالبراءة وبحفظ القضية الأخرى، ومضى عليهما 19 سنة و10 سنوات على التوالي، وما زالت حواسب وأجهزة وزارتي الداخلية والعدل تحتفظ ببياناتهما حتى اليوم، فلا هو مدان فيهما ويحق له رد الاعتبار القانوني أو الاتجاه إلى رد الاعتبار القضائي فيتم محو آثارهما، وهو في هذه الحالة يكون في مركز أسوأ ممن أدين، وتوافر في حقه شروط رد الاعتبار سواء كان قانونيا أو قضائيا ورد له اعتباره.

وأشارت إلى أن حياة المطعون ضده الخاصة وأسرارها أضحت مكشوفة، وتعطلت مصالحه الاجتماعية والإدارية، وقد ينال أسرته ما يناله من التشهير، وأصبحت تلك البيانات سيفا مصلتا على حياته الخاصة وأسرته دون أن يقوم الطاعنان بإزالتها ومحوها من سجله الجنائي، فلم يكن أمامه في هذه الحالة سوى اللجوء إلى قاضيه الطبيعي بطلباته في دعواه.

واستدركت: «لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفع وإزالة بيانات المطعون ضده من أجهزة المعلومات والتسجيل الجنائي في القضيتين سالفتي الذكر، وإزالة جميع البيانات المتعلقة بهما لدى الجهات التابعة للطاعنين بصفتيهما على ما خلص إليه الحكم، وكان هذا من الحكم استخلاصا سائغا له أصله الثابت بالأوراق، ويتضمن الرد المسقط لما يثيره الطاعنان بالوجه الأول من سبب الطعن، والذي لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع».

back to top