عن ظاهرة الإسلاموفوبيا وسُبل مكافحتها

نشر في 30-01-2023
آخر تحديث 29-01-2023 | 17:48
 د. محمد أمين الميداني

تُنكر بعض البلدان، وبخاصة الأوروبية منها، تفشي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو «رهاب الإسلام» أو «الخوف من الإسلام»، على أراضيها! ولا تريد أن تعترف بوجود عدة ممارسات ناتجة عن هذه الظاهرة مثل العنصرية والتمييز المنتشرة في هذه البلدان، والتي تظهر بأشكال مختلفة، ويذهب ضحيتها عدد من المسلمين سواء كانوا مواطنين أو مقيمين. لقد سبق أن كتبت عدة مقالات حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وأريد أن أذكّر في هذا المقال بعدد من الأمثلة، ولو كانت قديمة نسبياً لكنها تبقى صالحة للاستشهاد والتذكير، فقد جاء في تقرير المقرر الخاص المعني ب(الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري ورهاب الأجانب والتعصب المتصل بذلك)، والذي أعدده تطبيقا لقرار لجنة حقوق الإنسان رقم 1997/73، «أن معظم مظاهر العنصرية ورهاب الأجانب تجاه العرب ترافقها أكثر فأكثر مظاهر رهاب المسلمين، ومن الصعب بناء على ذلك فصل الأفعال التي تندرج في إطار التمييز العنصري عن الأفعال التي تتصل بالتعصب الديني، ذلك أن هذه الأخيرة يمكن أن تعزز أو تستحث الأفعال الأولى، والعكس بالعكس».

وأشارت وكالة الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، في تقريرها بعنوان: «المسلمون في الاتحاد الأوروبي: تمييز وإسلاموفوبيا»، إلى أن المسلمين عرضة للتمييز، وأن هناك الكثير مما يجب القيام به حتى يستفيدوا من الحقوق نفسها، ومن المساواة في المعاملة ونوعيتها كما هي الحال مع الأوروبيين. وأوضحت أن أوضاعهم غير المناسبة تجعلهم عرضة لظاهرة «رهاب الإسلام»، وعددّ التقرير أشكالاً مختلفة من التمييز الذي يتعرض له المسلمون في مجالات مثل: العمل، والتعليم، والسكن... إلخ. وقدم التقرير بعض المقترحات والتوصيات بقصد التصدي لهذه الظاهرة ومكافحتها، من بينها تعزيز الوسائل الكفيلة بتشغيل شباب الأقليات ومن بينهم الشباب المسلمون، والتأكد من أن مناهج التعليم تتحدث عن الأقليات بشكل إيجابي، وتشجيع المسلمين الأوروبيين على المشاركة في الحياة السياسية بالبلدان التي يقيمون فيها، كما أوصت وسائل الإعلام بالتأكد من صحة المعلومات التي تتناول أوضاع الأقليات والتحري عن دقتها.

كما تم التركّيز من طرف عدد من المنظمات الأوروبية والدولية على دور التعليم ومناهجه وكذلك دور المعلمين والمدربين في مكافحة ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وصدر دليل في عام 2012 بعنوان: «مبادئ توجيهية لفائدة المربين حول مكافحة التعصب والتمييز ضد المسلمين التصدي لظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) من خلال التربية والتعليم»، عكف على تحضيره مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة مجلس أوروبا، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وصدر بعدة لغات منها اللغة العربية.

لكن لم تحرك هذه التقارير والجهود وبشكل مرض المياه الراكدة، ولا تزال هذه الظاهرة تتوسع بالانتشار وبدرجات مختلفة وبخاصة مع وصول اليمين المتطرف إلى الهيئات التشريعية في العديد من البلدان الأوروبية، ويشكل التصرف الهمجي والعنصري والمتطرف المتمثل بحرق نسخة من القرآن الكريم من متطرف دانماركي قرب السفارة التركية في العاصمة السويدية استوكهولم منذ عدة أيام، وعلى مرأى ومسمع من الشرطة السويدية التي لم تتدخل لمنعه، وما تبعه من حرق نسخة أخرى من القرآن الكريم بمدينة لاهاي الهولندية، نقول تشكل هذه التصرفات العنصرية والمتطرفة والمشينة دلائل واضحة على مواقف اليمين المتطرف الأوروبي من الإسلام وكتابه الكريم، ناهيك عن الرسوم المسيئة لشخص رسوله الأمين، ولا يمكننا أن نقبل بمبررات تتعلق بحرية التعبير، فلهذه الحرية ضوابط وقيود أشارت إليها العديد من المواثيق الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان ومن بينها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولكن ما نريد أن نلفت الانتباه إليه أيضا في هذا المقال هو سعي بعض البلدان للتصدي لهذه الظاهرة ونتائجها الخطيرة، وخير مثال نقدمه اليوم هو قرار رئيس الوزراء الكندي بتعيين السيدة أميرة الغوابي ممثلة خاصة لدى الحكومة الكندية معنية بمكافحة الإسلاموفوبيا حتى تكون «مناصرة ومستشارة وخبيرة وممثلة لدعم وتعزيز جهود الحكومة الفدرالية في مكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية المنهجية والتمييز العنصري وعدم التسامح الديني». يدل هذا التعيين بداية على وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا في كندا، وهذا اعتراف مهم استتبعه تعيين ممثلة خاصة لمكافحة هذه الظاهرة، وهي خطوة ممتازة ومهمة على طريق محاربة هذه الظاهرة كنا نتمنى أن تنتهجها حكومات الدول الأوروبية أيضا، كما نجد تقاعسا من طرف الاتحاد الأوروبي والتقصير في السعي إلى التصدي لهذه الظاهرة، ولا ننكر اهتمام المفوضية الأوروبية بمكافحة كل أشكال التمييز، ومن بينها الكراهية ضد المسلمين، وهو ما دفعها في عام 2015 لاستحداث منصب المنسق المكلف بمكافحة الكراهية ضد المسلمين، ولكن الإشكال هو أن هذا المنصب شاغر منذ الشهر السابع من عام 2021! وهو ما حدا بالبرلمان الأوروبي لاتخاذ قرار في شهر نوفمبر 2022 يدعم فيه مكافحة العنصرية، كما أنه طالب المفوضية بسرعة اختيار هذا المفوض، علما أن مكافحة الإسلاموفوبيا والتمييز تجاه المسلمين يشكلان جزءا من الخطة الخمسية الأوروبية (2020-2025) لمكافحة العنصرية. لا بد من وجود إرادة سياسية صادقة، وحملة إعلامية واسعة، ودور فعّال لمختلف عناصر المجتمع المدني لإحراز أي تقدم في مكافحة الإسلاموفوبيا ومختلف أشكالها.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top