ما الذي يفسد الناس؟

نشر في 27-01-2023
آخر تحديث 26-01-2023 | 19:46
 د. هشام كلندر

لماذا أصبح بعض الناس يكذب بكل صدق، ويغش بكل ضمير، وينصب بكل أمانة، ويخون بكل إخلاص؟ ولماذا أصبح بعض الناس يستسهل التعدي على المال العام، ولا يهتم إن أكل من حلال أم حرام؟ ولماذا بعض الناس أصبح معول هدم لا بناء، وجزءا من الفساد الذي يتذمر منه من حيث يشعر أو لا يشعر؟ ولماذا بعض الناس أناني وحسود، لا يهمه إلا نفسه، ولو على حساب الآخرين؟ ولماذا بعض الناس أصبح لا يقدم إلا بمقابل، فيصاحب لمصلحة دنيوية، ويتكلم بأمور دونية، ولا يتورع عن الفتن، ما ظهر منها وما بطن؟ فما الذي أفسد الناس؟

الجواب واضح وجلي مع غياب البيئة المنضبطة بالأنظمة الصارمة التي تحفظ النظام القائم على العدالة، والتي تكافئ المجتهد والمصيب، وتعاقب المقصر ومن يتعدى على القانون والنظام، مع غياب البيئة التي تمكن القوي الأمين، وتبعد الفاسد ذا النفس الضعيفة، مع غياب البيئة التي ترعى الفضيلة وتحارب الرذيلة

والبيئة التي تعامل الجميع بسواسية ولا تفرق بين الغني والفقير، والبيئة التي تمكن المصلحين وتبعد المفسدين، فاعلم حينها لماذا قد يفسد الناس. كل هذا ليس مبررا للفساد، بل هو مفسر له فقط، وهناك فرق بين التبرير والتفسير، فالتبرير هو وضع سبب يبرر ويشرعن لفعل ما، وأما التفسير فهو يفسر ذلك الفعل دون تبريره وشرعنته، والأهم من كل ما سبق هو البعد عن دين الله، وأوامره ونواهيه، فنحن معشر المسلمين يجب أن نستشعر رقابة الله على أفعالنا وأقوالنا، وجميع حركاتنا. نأمل من هيئة مكافحة الفساد أن يكون لها دور أكبر، وجهود أوسع، في هذا الملف، وأن تكون عونا في محاربة الفساد، وصيانة الناس من الوقوع في هذا الأمر، ومن المهم أن تكثف جهودها أيضا إعلاميا وأن يكون لها دور تثقيفي، وخطوات رادعة للحد من انتشار الفساد والمفسدين.

أقول سيبقى الفساد فساداً، حتى لو ارتكبه كل الناس، وسيظل الحق حقا ولو تنكر له الكثير من الناس، أيها الفاسد: املك من الدنيا ما شئت، فستخرج منها كما جئت، فمن زرع الشجر حصد الظل والثمر، ومن سرق الثمر بنى قصرا لن يدوم طول الدهر، وأسأل الله أن يصلح البلاد والعباد، ويحمينا من زمرة الفساد، ويسخر لحكامنا البطانة الصالحة، وأن يمكنوا علينا خيرنا، ويهدينا وإياهم إلى طريق الحق والصواب.

back to top